يعقوب الحمادي: عين الاختصاصي الاجتماعي على اللائحة.. والهدف الطالب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسكنه أفكار ورؤى لطالما شكلت لديه الدافع والحافز نحو المضي قدماً في معالجة قضايا تعليمية مرتبطة في مستقبل الطلبة، ويواجه إشكاليات كثيرة طوال أيام الدراسة؛ منبعها ثنائية الأسرة والنفس الطلابية. ويعتبر أيضاً أن تطبيق لائحة السلوك الانضباطي على الطلبة، هو الضامن الأكيد لتصويب نهجهم التربوي، والأخذ بمسيرتهم التعليمية نحو المسار الصحيح، وبذلك تعاد الهيبة إلى مهنة الاختصاصي الاجتماعي.

ولكونه يجسد مسيرة تعليمية طويلة تمتد لأكثر من 20 عاماً، مليئة بالتجارب والخبرات، ارتأت «العلم اليوم» إجراء حديث مستفيض مع الاختصاصي الاجتماعي يعقوب محمد الحمادي في مدرسة الشهباء النموذجية للتعليم الأساسي، تطرق فيه إلى ما يدور في خلده، حاملاً في ثنايا كلامه هموماً وشجوناً عن أبرز القضايا التي تشكل هاجساً بالنسبة له، وهي مرتبطة بديمومة وتجويد المسيرة التعليمية، باعتبار الطالب عصبها. وتالياً نص الحوار:

كيف ترى واقع مهنة الاختصاصي الاجتماعي، وأهميتها في دعم المسيرة التعليمية؟

وظيفة الاختصاصي الاجتماعي تستحوذ على موقع متميز في العملية التعليمية، وتنبثق أهميتها في متابعة أدق تفاصيل الطلبة اليومية سواء التعليمية أو الاجتماعية، وهي ترتكز في جوانبها على قدرة الاختصاصي الاجتماعي على التعاطي مع مختلف العوامل التي تغلف الواقع التعليمي، والمستجدات التي تطرأ عبر معايشة هموم الطلبة وقضاياهم، واستشراف آفاق أرحب من العمل المجتمعي مع العناصر المكملة لأدوار المدرسة سواء كانت أولياء أمور أو مؤسسات مجتمعية.

هل الاختصاصي الاجتماعي شخص مرغوب به من قبل الطلبة، وله مكانة في نفوسهم؟

يمكن القول إن واقع الحال تغير كثيراً، إذ لم تعد الأمور كالسابق في ما يختص بقضايا ومشاكل الطلبة من ناحية تنوعها وأخذها أبعاداً مختلفة، وهذا الأمر انعكس على عمل الاختصاصي الاجتماعي، خاصة ما يتعلق بتطبيق لائحة السلوك الانضباطي التي تعتبر صمام أمان يُبقي الطلبة في معزل عن تكرار الأخطاء، ويُقوّم سلوكهم ويضبطهم في الاتجاه الصحيح.

وكثيراً من بنود هذه اللائحة لا تطبق، وهو ما نتج عنه تذبذب في هيبة الاختصاصي الاجتماعي أمام الطلبة لتداخل أمور كثيرة واتصالها مع أكثر من طرف، ولكي نعيد هذه الهيبة إلى مسارها الصحيح، لا بد من اعتماد وتطبيق اللائحة بحذافيرها على المجتمع المدرسي، بالتنسيق مع إدارة المدرسة. ويمكن الاستدلال على ذلك من القاعدة التي تقول «من أمن العقاب أساء التصرف»، والمقصود بالعقاب هنا ليس البدني، فثمة أساليب تربوية أخرى حديثة يمكن اللجوء إليها في هذه الحالة.

ما أهم مبدأ يستند إليه عمل الاختصاصي؟

السرية تعد من أهم مبادئ الخدمة الاجتماعية، وهي عنصر يتعين على الاختصاصي الاجتماعي الالتزام به، كونه يعتبر حلقة وصل بين المدرسة والطلبة وأولياء الأمور، لاسيما وأن الاختصاصي يمكن أن يطلع على تفاصل حياتية تخص الطالب، وحفاظاً على خصوصية تلك الحالات، يجب إحاطتها بالسرية التامة.

على ماذا تبنى أسس المقابلات الفردية التي يجريها الاختصاصي الاجتماعي مع أولياء الأمور أو الطلبة؟

لابد لكل اختصاصي اجتماعي أن يضع في الحسبان عند التعاطي مع الحالات الطلابية المختلفة، عوامل عدة باعتبارها منهجية عمل قائمة بحد ذاتها، وهي: إبراز الجوانب الإيجابية قبل السلبية التي تغلف سمة الطالب عند التطرق لأي موضوع يخصه، فذلك يجعل ولي الأمر يتقبل الحوار البناء الذي يستهدف في المقام الأول مصلحة ابنه.

كما ينبغي الالتزام بمعياري الموضوعية والحيادية عند الفصل بين القضايا الطلابية، إذ أن الاختصاصي الاجتماعي يعد «قاضياً مدرسياً» مهمته الحكم والبت في القضايا الطلابية. ناهيك عن أهمية تطبيق لائحة الانضباط السلوكي على الطلبة في المجتمع المدرسي بشكل تام، وهو الأمر الذي يسهم في ضبط عملية التسيب السلوكي.

هل برأيك أعداد الاختصاصيين الاجتماعيين كافية في المدارس؟

كما أشرت آنفاً، فإن الانفتاح على العالم الخارجي والتطور التكنولوجي ألقى بظلاله على العملية التعليمية، فأفرز زيادة في مشاكل الطلبة وتنوعها، وبالتالي أصبح الاختصاصي الاجتماعي مطالباً بالتصدي للكثير من الحالات اليومية لقضايا طلابية. وهذا الأمر يتطلب زيادة أعداد الاختصاصيين الاجتماعيين لمواكبة تنامي حجم المسؤولية الملقاة على كاهلهم في تتبع تفاصيل الطلبة اليومية، ومعالجة المشكلات الواردة إليهم.

ثلثا الآباء «غير معنيين» باجتماعات مجالس أولياء الأمـــــور!

 ما أبرز مشكلات الطلبة وسلوكياتهم المؤثرة في اليوم التعليمي من وجهة نظر مختصة اجتماعياً وتربوياً؟

مشكلات الطلبة في ازدياد وبنسب كبيرة، وتحتاج إلى آلية أكثر فاعلية لضبطها، ومن هذه المشكلات التأخر الصباحي عن الدوام بشكل متكرر لدى البعض، وعدم التقيد في المواعيد، وإهمال الواجبات المدرسية الذي يبدأ في مراحل سنية مبكرة، إذ إن أولياء الأمور لا يتابعون مستويات أبنائهم دراسياً، ومن ثم ينخفض مستوى الطالب وتحصيله العلمي في المحصلة، ويتضح ذلك أكثر في الصفوف العليا، ناهيك عن المشاجرات بين الطلبة التي تؤرق الميدان التربوي برغم محدوديتها.

هل يلتزم الآباء في حضور اجتماعات مجالس أولياء الأمور المنعقدة في المدارس؟

ثمة قصور واضح من هذه الناحية، ومفارقة غريبة، إذ إن أولياء الطلبة المتفوقين يحرصون على حضور اجتماعات مجالس أولياء الأمور، ورصد احتياجات أبنائهم، في حين لا يوجد التزام مطلقاً من أولياء الأمور الذين يعاني أبناؤهم اختلالاً على صعيد التحصيل الدراسي أو السلوك.

وتصل نسبة أولياء الأمور الذين لا يلتزمون بحضور اللقاءات إلى 65%، أي الثلثين، وهي نسبة كبيرة جداً تلقي بظلالها على الطلبة ومستقبلهم.

كيف تقيّم تعاطي الآباء مع إشكاليات أبنائهم عند حضورهم إلى المدرسة؟

مع الأسف، هنالك فهم خاطئ للأسلوب الأنجع في التعامل مع هذه القضايا، لكون أولياء الأمور عادة ما يصدّقون أبناءهم دون الاستماع إلى حيثيات المشكلة، فيندفعون بشكل خاطئ.

ويمكن القول إن 90% من الطلبة الذين يرتكبون الأخطاء هم الذين يفتعلونها، وتجدهم يستبقون الحدث في التقدم بشكاوى لتبرئة ذممهم من أي خطأ وتجنب الملامة، في الوقت الذي يجب فيه على أولياء الأمور أن يستمعوا إلى الطرف الآخر حتى يقفوا على جوانب الخلاف ومسبباته.

هل يعاني الطلبة الذين يسيئون السلوك أي مشكلات اجتماعية تؤثر فيهم سلباً؟

من خلال ما يردني من حالات للطلبة، فقد تبين أن نحو 60% أو أكثر يعانون مشكلات اجتماعية مردها انفصال الأب أو الأم، أو خلافات أسرية حادة، وهذا الأمر يؤدي إلى التفكك الأسري، وما يعتري ذلك من مشكلات تؤثر كثيراً في نفسية الطالب وتعامله مع المحيط الخارجي.

وأحب أن أنوه هنا بمسألة مهمة، ربما تزيد الأمور تعقيداً، وهي أن أحد طرفي النزاع سواء الأب أو الأم، قد يتخذ من الأبناء وسيلة للضغط على الطرف الآخر تحت ذريعة الخوف على الابن، ولكن في حقيقة الأمر تكون لهم مآرب أخرى تتصل بالانتصار على الطرف الآخر، وتحقيق مكاسب واعتبارات شخصية، وتصفية حسابات لا سيما في حالات الطلاق، ويكون ضحيتها الابن أولاً وأخيراً. وفي الوقت الذي يفشل فيه الطالب دراسياً، يبدأ الطرفان في التراشق بعبارات الاتهام واللوم بأن الطرف المقابل السبب في ذلك، وفي حال النجاح، إن حصل، يعتبر كل طرف أن الفضل يعود إليه.

هل ترى أن ثمة تداخلاً في مهام الاختصاصي الاجتماعي بتوليه جوانب وأعمالاً أخرى لا علاقة له بها؟

يجب على الإدارات المدرسية أن تعي وظيفة الاختصاصي الاجتماعي بشكل مهني، وأن توزع المهام بين الاختصاصيين والمعلمين وإدارات المدارس بشكل أكثر وضوحاً، بحيث يختص كل طرف في محددات جوانب عمله. ودورنا يتمثل في الإشراف على الطلبة، وتحديد الأنشطة التي تختص بنا، وممارستها فعلياً، وثمة بعض التداخلات في العمل يتعين حلها.

ما مرتكزات التوجيه السليم للطلبة التي تنتهجونها؟

يجب أن يستند التوجيه السليم للطلبة إلى مرتكزات عدة، أهمها مبدأ الثواب والعقاب، ليس العقاب البدني، وإنما ثمة أساليب أخرى يمكن اتباعها مثل الحرمان من المشاركة في أنشطة محببة لدى الطالب، والاتصال مع ولي الأمر، ويكون الثواب في تكريمه والإشادة بمستواه. وهناك حالات أخرى لا تجدي معهم عمليات النصح والإرشاد، فنزعاتهم عادة ما تكون حادة، ولا يمكن تصحيح مسارهم إلا عبر تطبيق لائحة السلوك الانضباطي كوسيلة أخيرة لا مفر منها، لكي تكون لهم رادعاً، حتى لا يتمادوا في الخطأ في حال عدم تطبيقها بأدق تفاصيلها بحقهم.

إلامَ تستند عملية البحث والدراسة في الحالات الفردية والمشكلات الطلابية الواردة إليكم؟

بحث الحالة الفردية يستند إلى دراسة الحالة وجمع البيانات الشخصية عن الطالب، وتحديد المشكلة، ومن ثم التشخيص والعلاج، وأخيراً متابعة هذه الحالة كما ينبغي.

Email