د. أسامة اللالا: XXXL جيلٌ لا مكان له في مدارسنا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ضربت مشكلة بدانة الأطفال، في صميم صحة المجتمع وسلامته، وباتت واحدة من أخطر التحديات التي تواجه أبناءنا، وتظهر بوضوح في مدارسنا، فهي تهدد حالياً واحداً من كل ثلاثة أطفال، بمشكلات صحية طويلة الأمد. والمصيبة الكبرى أن المشكلة تتفاقم وتزداد يوماً بعد يوم، خاصة مع تغير نمط الحياة..

ودخول تقنيات الإنترنت والأجهزة الحديثة والهواتف الذكية وملحقاتها في حياتنا جميعاً، مع انخفاض النشاط البدني وزيادة ساعات الخمول والكسل، وكذلك تهميش دور الطعام المنزلي، وصعود نجم الوجبات السريعة، عديمة الفائدة وذات القيمة الغذائية المتدنية، والسعرات الحرارية العالية جداً. والنتيجة أولاد بدناء، وأمراض أكثر وأكثر.

في هذا اللقاء، نفتح مع الدكتور أسامة كامل اللالا، دكتوراه في فسيولوجية الجهد البدني والصحة، وزارة التربية والتعليم، ملف السمنة في المدارس، ونتتبع معه كل ما يتعلق بها منذ بداياتها، حتى علاجها، حتى لا يصبح لدينا أجيال من طلبة الـ XXXL.

 هل الوضع مخيف، بالنسبة لموضوع السمنة، إلى حد الخطورة؟

بكل تأكيد، إذ تشير الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية 2012م، إلى أن هناك حالياً نحو 1.2 مليار مراهق، أي ما يُمثل خُمس سكان العالم وأكثر، يعانون زيادة في الوزن، و300 مليون من البالغين يعانون السمنة المفرطة. لذلك يُنظر إلى السمنة على أنها وباء، نظراً لزيادة انتشارها بين كافة الفئات العمرية.

وقد ارتفعت معدلات البدانة في العقدين الماضيين في بعض الدول النامية، ثلاث مرات وأكثر. وأشارت الإحصائيات نفسها، إلى أن البدانة لدى الأطفال والمراهقين، في تزايد مستمر، وتنبئ باحتمالية ارتفاع نسبة إصابتهم مستقبلاً بأخطار صحية ناجمة عن ارتفاع نسبة الشحوم في الجسم.

 ماذا عن السمنة في مرحلة الطفولة، وما مدى خطورتها صحياً؟

السمنة في مرحلة الطفولة، تتمثل في زيادة النسيج الدهني، والذي يحتوي على 5-4 أضعاف عدد خلايا الدهن للطفل الطبيعي، مع زيادة بسيطة في حجم الخلية. وقد ثبت علمياً، أن عدد الخلايا الدهنية عند ذوي السمنة الزائدة، يساوي 10 أضعاف مثلها لدى الأشخاص من ذوي الوزن الطبيعي، إذ تُعد السمنة عاملاً رئيساً للإصابة بداء السكري من النوع الثاني الذي أصبح ينتشر بين الأطفال، وبنسبة تصل إلى أكثر من 30%.

وهذا بدوره يؤدي إلى الإصابة بالعمى، وعجز الكلى، وأمراض القلب، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، والتهاب المفاصل وبعض أنواع السرطانات. كما ترتبط السمنة بالعديد من الأمراض العضوية والنفسية كالعزلة الاجتماعية، والكآبة، ومن ثم تدهور التحصيل الدراسي.

بدانة مدى الحياة

 يعاني الأطفال البدينون، وفقاً للدكتور أسامة اللالا، من أعراض الكبد المدهن، والذي قد يؤدي إلى تلف الكبد مستقبلاً، وتوقف التنفس أثناء النوم، بسبب اللحم الزائد حول البلعوم، ما يؤدي إلى انسداد القصبة الهوائية، إضافة إلى الشخير العالي، والنوم المتقطع، ونقص الأوكسجين المزمن. فالأطفال البدينون يبقون مدى الحياة بدناء، مثلما يظل أطفالهم بدناء وتعساء ومرضى، يعانون القلق والاكتئاب، ولديهم خلل في الأكل، ويقضون معظم أوقاتهم في العلاج، إضافة إلى ارتفاع نسبة تكاليف الرعاية الصحية على خزينة الدولة.

 العزلة الاجتماعية والكآبة والتأخر الدراسي.. نــــواتج للسمنة

 كثير من أولياء الأمور لا يجدون مبرراً، من وجهة نظرهم، لما يعانيه أبناؤهم من سمنة زائدة، هل لك، أستاذ أسامة، أن توضح لنا الأسباب كنوع من التوعية؟

نحن نتحدث عن العديد من الأسباب التي سنتناولها، من حيث ارتباطها بالأسرة، وأولها العوامل الوراثية، فلها دور كبير في بناء الجسم وتركيبه وعاداته. فالأبوان البدينان، يحتمل أن يكون طفلهما بديناً، بنسبة 80%. وتنخفض النسبة إلى 7-20% إذا كان الأبوان غير بدينين.

العــــامل الثـــاني يُعزى إلى البيئة الاجتماعية، إذ ثبت تأثيرها الكبير على السلوك الغذائي للطفل، ومدى زيادة استـــقلاليته في غذائه، بعيداً عن متــــابعة الأبوين. والثــــالث مرتبط بالعوامل الثقافية والاقتـصادية للوالدين، والتي لها علاقة مباشرة بالبدانة لدى الأطفال والمراهقين.

أما العامل الرابع فيعود إلى كمية الدهن في الطعام، إذ إن البدانة تزداد مع الوقت طردياً عند زيادة استهلاك الطعام الذي يحتوي على الدهون. خامساً، مشاهدة التلفاز، وقد وُجد أن الوقت المكرس لمشاهدة التلفاز يرتبط معنوياً مع البدانة. ويتعلق العامل السادس بالمدارس، وما يتصل بها من وسائل ترويحية، أو تجهيزات رياضية، فضلاً عن البرامج التثقيفية والتوعوية.

ويتمثل العامل السابع في قلة النشاط البدني والحركي. وأخيراً، أن يكون لدى الطفل خلل في إفراز بعض الهرمونات، بسبب بعض الأمراض العصبية والهرمونية التي تؤثر في طبيعة عمل الأنظمة المنظمة لسلوك الطعام وصرف الطاقة.

 إلى أي مدى تُمثل السمنـة لدى الأطفال، عبئاً نفسياً؟

فضلاً عن التأثير السلبي للبدانة على النواحي الصحية، والعضوية للأطفال، فإن هناك تأثيراً نفسياً قد يكون أشد خطورة، إذ تنظر المجتمعات الحديثة إلى البدانة على أنها انغماس ذاتي وإشباع مفرط. فالطفل البدين غير جذاب، أخرق، شره. والأطفال البدينون، يعانون اضطرابات نفسية تتعلق بجسمهم، وتتمثل في الشعور بالكآبة، وبأن صورتهم قبيحة، وأنهم مكروهون من الآخرين.

فالسمنة تؤدي إلى زيادة العزلة الاجتماعية. وأكدت الدراسـات الحديثة أن الأطفال البدينين، يعانون شعوراً بالنقص، ومعرضون للمضايقات والسخرية، لاسيما عند ممارسة الأنشطة البدنية، ما يبعدهم عن ممارستها.

ومن ثم ينسحبون وينطوون على أنفسهم، وينغمسون في سلوكيات لا اجتماعية كما أن مستوياتهم الدراسية ربما تتدهور. والأمر الخطير، أنهم لكي يعوضون عن شعورهم بعدم قبولهم بين أقرانهم، يلجأون إلى تناول كميات إضافية من الطعام، في محاولة للتعويض لأنفسهم وللشعور بالبهجة والغبطة.

هل هناك ارتباط بين الإصابة بالسمنة، والمرحلة العمرية للطالب، وما هي احتمالات استمرارها مستقبلاً؟

ترتبط السمنة وشدتها، بالمرحلة العمرية بشكل مباشر. وتعتبر مرحلتا الطفولة والمراهقة، الأكثر تعرضاً لقبول السمنة لدى الطلبة.

والسمنة التي تظهر في مرحلة الطفولة المتأخرة تحمل خطورة أكثر؛ لأنها تبقى مستمرة مدى الحياة. وتوضح النسب أن 90% كانوا مصابين بالسمنة في مرحلة المراهقة، و70% كانوا مصابين بها عند عمر 12 سنة، و41% كانوا مصابين عند عمر 7 سنوات، و25% كانوا مصابين بها في مرحلة ما قبل المدرسة، و14% كانوا مصابين بها في مرحلة الرضاعة.

 ما علاقة النشاط البدني بالوزن لدى الأطفال والمراهقين؟

قلة ممارسة النشاط البدني، من أهم الأسباب المؤدية إلى السمنة، فمزاولة الأنشطة البدنية تعد عنصراً فعّالاً ومهماً لضبط الوزن. والنشاط البدني هو الأسلوب الأمثل، والوحيد لزيادة صرف الطاقة، وخفض نسبة الشحوم في الجسم، وتخفيف الوزن. على أن تستمر مزاولته لسنوات عدة، مع مراعاة المبادئ الأساسية له.

. ومن الأهمية بمكان، وقاية الأطفال من السمنة قبل حدوثها، من خلال حثهم على ممارسة الأنشطة البدنية المنتظمة، والغذاء الصحي المتوازن. وتتفق معظم الدراسات على أن النشاط البدني له فوائد إيجابية تفوق برامج الحمية الغذائية...

كما أنه يساعد في تقليل تكرار وشدة بعض الأعراض المرضية، مثل نوبات الحرارة، والتعرق ليلاً، والأرق، والصداع، والإجهاد، والعصبية، والقلق، والكآبة. كما أن النشاط البدني المنظم والمنتظم يساعد على تقليل عوامل الخطورة من الإصابة بأمراض القلب، كذلك ظهر أن الناشطين بدنياً في مرحلة الطفولة والمراهقة، والذين ينتظمون في ممارسة الأنشطة البدنية بشكل منظم، هم الأكثر استعداداً لنقل السلوك البدني إلى مرحلة الرشد.

 ما الأسس التي يجب مراعاتها عند تصميم برامج النشاط البدني لضبط الوزن عند الأطفال؟

لابد أن ندرك بالدرجة الأولى متطلبات الأطفال. لذا يجب عند تصميم برامج الأنشطة البدنية الخاصة بهم، أن نأخذ بعين الاعتبار قدراتهم البدنية والفسيولوجية. وأن تكون ذات طبيعة ممتعة ومشوقة، من خلال توفير الحوافز لهم. وألا نغفل الحاجة إلى تحفيز دافعيتهم، والتناغم مع ميولهم وأفكارهم ورغباتهم، مع مراعاة درجة الشدة والمدة والتكرار والتدرج حسب مستويات اللياقة البدنية، وحسب العمر والجنس، فضلاً عن ضرورة التزام أولياء الأمور بممارسة الأنشطة البدنية، ومشاركة أبنائهم في تنفيذ البرامج الخاصة بها.

Email