فاطمة بن حزيم الرميثي:

«العربية» لغة العلم والحياة.. وامتلاكها لا يعني إهمال غيرها

ت + ت - الحجم الطبيعي

نضيع إذا ضاعت، ونضعف إن أصابها الوهن، كيف لا وهي حاضنة الفكر ووعاء التراث ومعجم الماضي والحاضر والمستقبل. هي لغة العلم والشعر والطب والفلك. هي زاد حضارتنا ومعيننا الذي لا ينضب. إنها لغتنا العربية، لها مكانة كبيرة في نفوسنا، نعتز بها إلى درجة التقديس، لأن القرآن الكريم نزل بها فأكسبها العذوبة والتدفق والثراء على مر العصور.

وليس أدل على ذلك سوى ما نراه في مورثنا الحضاري الذي زخرت به المكتبات داخلياً وخارجياً.في هذا الحوار نرصد مع فاطمة بن حزيم الرميثي نائب مدير إدارة التوجيه والرقابة على المدارس الحكومية بوزارة التربية والتعليم، هموم «العربية» ونتحسس آلامها، ونتعرف على حزمة من المبادرات التي أطلقتها الدولة، ودعمتها وزارة التربية والتعليم من أجل حماية اللغة العربية وتعزيز مكانتها، والتأكيد على أنها الهوية والمصير.

 تحرص دولة الإمارات على تعزيز وحماية اللغة العربية، ما أهم المخاطر التي تواجهها لغة الضاد؟

تختلف هذه المخاطر والتحديات، وتتعدد بحكم طبيعة الظروف المحيطة، ودرجة التأثر بها، ونستطيع تحديدها في: المنافسة التي تتعرض لها من قبل اللغات الأخرى ولاسيما اللغة الإنجليزية. والمزج في الحديث بين اللغتين العربية والإنجليزية لدى العديد من الشباب. ووجود فجوة بين اللغة العربية واحتياجات سوق العمل، فضلاً عن اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس العلوم والمعارف في الجامعات العربية، وشيوع استخدام مفردات من اللهجات الدارجة، وعدّها من اللغة الفصيحة.

هناك أيضاً، إشكالية تأثير العمالة الأجنبية في استخدام اللغة، ما يؤدي إلى ضياعها وتحريفها، فكيف نواجه هذا الخطر؟

وجود العمالة الأجنبية أو أية جنسيات أخرى، لا يشكل معاول هدم للغتنا العربية، طالما وضعت ضوابط ومحددات واضحة، من بينها تعليم أساسيات اللغة العربية للناطقتين بغيرها، وعدم التواصل معهم من خلال لغة عامية أو مهجنة. بل علينا أن نعلمهم الحرف العربي، وأن ننشط في إطار تعريب مصطلحات اللغة، إلى القدر الذي يحقق حاجتهم إليه، وأن يكون للإعلام الدور البارز في تعميق ذلك وتحقيقه.

 ولدينا مثال يُمكن الاقتداء به لتعزيز الأساليب العلاجية وتطبيقها بصورة دورية، هي خطبة الجمعة التي تقدم باللغة العربية، والتي يمكن أن تحدث تأثيراً كبيراً في الجنسيات الأخرى، فتعمل على تهذيب ألسنتهم واستقامتها أحياناً، باستخدام مفردات اللغة العربية.

تبنت «رؤية الإمارات 2021» حزمة من المبادرات النوعية، بهدف الحفاظ على اللغة العربية، وتعزيز مكانتها، هل لك أن تعطينا فكرة عنها؟

نعم، ومن ضمن هذه المبادرات: ميثاق اللغة العربية الذي يشكل مرجعاً لجميع السياسات والقوانين المتعلقة بحماية اللغة العربية، وتعزيز استخدامها في الحياة العامة. والمجلس الاستشاري للغة العربية، ويهدف إلى تطبيق مبادئ الميثاق، ورعاية الجهود المعززة للغة العربية كافة. وتشكيل لجنة خبراء لتحديث تعلم اللغة العربية، بتكليف من مكتب رئاسة مجلس الوزراء ومتابعته، بهدف جعل اللغة لغة للعلم والمعرفة، وتقديم نموذج عصري لتعليمها.

إضافة إلى إنشاء كلية للترجمة ضمن كلية محمد بن راشد للإعلام في الجامعة الأميركية بدبي. وإنشاء معهد لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في جامعة زايد، لتلبية الطلب المتنامي عالمياً لتعليم اللغة العربية. إلى جانب المبادرة الإلكترونية لتعزيز محتوى مادة اللغة العربية على الشبكة العنكبوتية، وإبراز المبدعين من الطلبة في فنون اللغة العربية كافة.

بناء مناهج «العربية لغتي» بمواصفات ومعايير عالية

 ماذا عن الجهود والمبادرات التي تتبناها وزارة التربية من أجل تحصين أبنائنا، وترسيخ ثقافتهم وثقتهم باللغة العربية؟

تتبنى الوزارة حزمة من البرامج والمبادرات والأنشطة التي من شأنها المساهمة في حماية اللغة العربية وتطويرها. ولعل من أبرزها مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الداعمة لتحديث تعلم اللغة العربية وتعليمها، وصولاً إلى الجودة والتميز في أدائها.

وذلك من خلال البرامج والمشاريع التي نفذتها الوزارة، وتسعى إلى تنفيذها، ممثلة في ما يأتي: بناء مناهج (العربية لغتي)، بمواصفات ومعايير عالية وفق وثيقة اللغة العربية 2011 التي تتبنى المعايير والنواتج ومؤشرات الأداء. والتأكيد على «التوازن المهاري» في مناهج اللغة العربية، وتهيئة الفرص للطلبة للتحدث الوظيفي، والكتابة الوظيفية من خلال أنشطة المناهج المتنوعة.

وتدريب معلمي اللغة العربية على توظيف الاستراتيجيات الفاعلة في تدريس مهارات اللغة، والمشاركة في المؤتمرات والندوات والملتقيات الدولية المعززة والداعمة لها، وإيلاء فرق الرقابة على المدارس الحكومية أهمية بالغة في تعزيز ومساندة اللغة العربية، خلال زياراتها الميدانية للمدارس. كما تسعى الوزارة إلى اكتشاف الطلبة أصحاب المواهب المبكرة في الأدب والشعر والكتابات الأدبية المتنوعة ورعايتهم، وإيجاد حزمة من المسابقات اللغوية التي تثير التنافسية بينهم.

ما الدور المطلوب من المؤسسات الوطنية الحكومية والأهلية، لحماية اللغة العربية وتعزيز مكانتها؟

العمل التكاملي بين مؤسسات المجتمع لحماية اللغة العربية، أمر حتمي ولابد منه، على أن يكون ذلك من خلال خطوات عدة، نذكر منها: اعتمادها لغة رئيسية في سوق العمل، واعتماد تخصص اللغة العربية في الجامعات كافة، وتحفيز الطلبة على الانخراط فيه. وإيفاد المتميزين للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في أجناس اللغة ومساراتها المتنوعة، وتكثيف عقد الندوات والمؤتمرات والملتقيات والمحاضرات، برعاية الجهات الحكومية والخاصة، لتقديم التوصيات التي ترتقي بها تعلماً وتعليماً.

الدول العربية والإسلامية مُطالبة بمواقف حازمة وتشريعات ملزمة على أعلى المستويات لحماية اللغة العربية، كيف يتأتى ذلك؟

لكي نحقق ذلك، لابد من تفعيل توصيات المؤتمرات الدولية المتعلقة بحماية اللغة العربية وتعزيزها لغة للعلم والحياة. وكذلك، تفعيل أدوار وسائل الإعلام تجاه نشر ثقافة اللغة العربية وتذوقها والاعتزاز بها، وتنشيط حركة المجامع اللغوية في إطار حركة «التعريب» للمصطلحات والألفاظ الأجنبية كافة.

وأن يكون مبسطاً ومقبولاً. هناك أيضاً، وجوب إصدار تشريعات ملزمة من قبل الدول العربية لحماية اللغة العربية وإيلاء تعلمها (العام والجامعي) الأهمية المطلوبة. وأخيراً، الدعوة إلى تعريب التعليم العالي من خلال خطوات إجرائية تتوافق وطبيعة التخصصات العلمية.

ما رأيك في مطالبة بعض أهالي الطلبة، استثناء أبنائهم من دراسة «العربية»، وهل التقدم أو التحضر، يكون بإهمال لغة القرآن، ورفض التعامل بها؟

بالتأكيد هذا أمر مؤسف، ويدعو إلى الخجل في آن واحد، إذ إن التقدم، لن يكون إلا بامتلاك ناصية اللغة العربية، فهي حاضنة الفكر ووعاء التراث، ومعجم الماضي والحاضر والمستقبل، وامتلاكها لا يعني إهمال غيرها من اللغات كالإنجليزية والفرنسية.

صحيح أن دولة الإمارات تؤكد على «ثنائية اللغة»، ولكنها تضع العربية في أعلى الهرم وقمته. والجمع بين أكثر من لغة ليس مشكلة، إنما الإشكالية في التخلي عن اللغة الأم لصالح اللغات الأخرى، مع أن الدراسات أثبتت إمكانية تعلم الطفل أكثر من لغة في وقت واحد.

ما تأثير العولمة التي تشهدها معظم دول العالم، خاصة العربية، على لغتنا الأم؟

نحن نأخذ الوجه الإيجابي من العولمة في إطار الاستفادة من تجارب الآخرين، دون التفريط بثوابتنا التي تؤكد عليها قيادتنا الرشيدة، وبخاصة في ما يتعلق بمسائل الهوية الوطنية والانتماء للدين الإسلامي ولمنظومته القيمية والأخلاقية، وتاريخنا العريق.

كما أن للعولمة، تأثيراً إيجابياً في اللغة العربية، بدليل أن معظم الشركات العالمية، رغم أن لغتها ليست عربية، إلا أنها أفردت في التكنولوجيا والتطبيقات الحياتية، قسماً خاصاً باللغة العربية، ووظفته في خدمة العالم العربي وهكذا. فللغة العربية من الأهمية والمكانة ما يوجب على أهلها تحمل المسؤولية في بقاء سطوعها المشع، وقدرتها على استيعاب المستجدات، بما يعود على المجتمع بالخير والنفع.

Email