هاشم البيرق: تحديات كبيرة تواجه الأبناء.. والآتي أصعب وأخطر

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يتوقف العمل عند حدود الوظيفة، أو هل يرتبط العطاء بمكان دون غيره؟ سؤال إجابته بسيطة، خاصة عندما يكون الإنسان قادراً على استيعاب متطلبات المرحلة، واثقاً من نفسه ومن قدراته. متصالحاً مع ذاته، ومقدراً المتغيرات التي يعيشها، مؤمناً بأنها سنة الحياة التي لابد أن يتعامل معها بأريحية، شاء أو أبى، حتى لا يقع في أسر الملل، أو يتحول إلى «الظل»، فيطارده شبح البطالة وتقتله هواجس الوحدة.

هاشم محمد البيرق، رجل خدم في مجالات عدة، منها: التربوية والثقافية والاجتماعية والإعلامية، ثم تقاعد مؤخراً. لكنه لم يتوقف عن العمل، ولم يبخل بعطائه على مجتمعه، ورفع بكل ثقة شعار: الحياة لم تتوقف بعد.. فما زال في العمر بقية.

 بداية، من هو هاشم البيرق، وكيف كانت رحلته حتى تقاعد؟

ابن من أبناء دولة الإمارات، مواليد مدينة كلباء، أحببت الإعلام والقانون منذ طفولتي، وتخصصت فيهما. تخرجت عام 1985 من جامعة الإمارات. الثقافة والمعارف، شغلي الشاغل، لدرجة أنني لا أزال أواصل التعلم والبحث فيهما، ولم أترك دورة أو محاضرة إلا وشاركت فيها. قدمت العديد من الدورات.

وعملت مدرباً معتمداً في تنمية الموارد البشرية. ومشاركاً فاعلاً في البرامج الإذاعية والتلفزيونية. وعملت في المجال الإعلامي رئيساً للرقابة الإعلامية والمصنفات الفنية والملكية الفكرية وحقوق المؤلف، ومراسلاً لإذاعة وتلفزيون الإمارات من أبوظبي، بعدها مديراً للمراكز الثقافية بالفجيرة، ورئيساً لمجلس أولياء أمور الطلبة والطالبات بمدينة كلباء.

بعد رحلة من العطاء، تربوياً وثقافياً وإعلامياً، ما الذي حققته، على المستوى الشخصي؟

الحمد لله، فقد اكتسبت الكثير من التجارب والخبرات والعلاقات في كل مجال من المجالات التي ارتبطت بها، وبالتالي طورت من خبراتي وإمكاناتي، وأضحت لدي حصيلةٌ فكريةٌ وعمليةٌ، استطعت توظيفها في مجال العمل التطوعي وخدمة المجتمع، فضلاً عن ارتباطي أكثر بالحياة الأسرية.

وكيف تستثمر وقتك حالياً، وخلال فترة التقاعد، بما يخدم المجتمع؟

بعد رحلة عطاء امتدت أكثر من 25 سنة، في مجال العمل الوظيفي والمهني، لم أتوقف عن العطاء، ومازلت مستمراً في ممارسة العمل التطوعي والبيئي وخدمة المجتمع، والمشاركة على وجه الخصوص في مجالس أولياء الأمور بمدارس مدينتي، وقد امتلكت خبرات كبيرةً وواسعةً في شتى مجالات الحياة، الأمر الذي يجدد بداخلي، ويزيد من رغبتي في العطاء، وتحقيق المزيد من الإبداع والتميز.

 لذا، فبعد التقاعد الوظيفي، لم تتغير حياتي، ولم أحس أن هناك وقت فراغ أو مللاً، سواء في نفسي أو فكري أو روحي، بل أصبح عملي التطوعي في تزايد مستمر. وهذا في الحقيقة، أفضل استثمار في حياتي، لأنه سينعكس إيجابياً على مجتمعي ووطني ككل.

بحكم خبرتك التربوية، هل المشاكل السلوكية للطلبة، تختلف حالياً، عنها قبل سنوات، وكيف يمكننا استيعابها، والتعامل معها حالياً، وبلغتهم؟

هناك فرق في نوعية وتأثير هذه المشاكل، بشكل عام، على أبنائنا الطلبة حالياً، عنها في السنوات السابقة، وذلك نظراً لاختلاف الزمان والمكان وأنماط الحياة نفسها. ففي الماضي لم نرَ هذا الانفتاح التقني والفضائي، الذي حول العالم إلى قرية صغيرة. ولم يكن لدى الأبناء، أي تحديات مثل الآن، بل إن الآتي سيكون أكثر خطورة، وأصعب

. لذا يجب على الأسر، أن تعي هذه المتغيرات، وأن تأخذ التحديات الجديدة بعين الاعتبار، وأن تداوم على الاطلاع والمعرفة، حتى تفهم ما يفكر فيه الأبناء، وبالتالي تتعرف على متطلباتهم، وما يُمكن أن تفرزه هذه التحديات من أنماط سلوكية، ثم تتعامل معهم بمنهج علمي، وفكر مستنير، يستوعب لغة عصرهم، ويتفهم المرحلة العمرية التي يمرون بها، وحاجياتهم النفسية والفكرية والروحية.

التفوق والإبداع صناعة «محلية» ومنتج أسري مجتمعــي مؤسسي

 كنت رئيساً لمجلس أولياء مدينة كلباء، فبم تنصح أولياء أمور الطلبة؟

أطالب أولياء الأمور، بأن يكونوا أكثر قرباً من الأبناء، وعلى تواصل دائم ومستمر معهم، حتى لا تنقطع لغة الحوار. وعلى الأسر أن تزرع في أبنائها منظومة القيم والأخلاق، وأن تعزز لديهم الثوابت المجتمعية والقيمية، ومفهوم الهوية الوطنية، والعمل على ترسيخ عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة.

وأناشد كل ولي أمر بأن يضع مصلحة أبنائه على رأس أولوياته، وأن يحرص على التواصل الإيجابي والفعال والمستمر مع المدرسة، وليكن على يقين بأنه، متى كانت العلاقة بين البيت والمدرسة فعالة، وإيجابية، كانت النتائج التربوية الأخلاقية، والتعليمية، أفضل.

لذا فإنني أعتبر التفوق، والإبداع، والتميز، صناعة محلية، ومنتجاً أسرياً مجتمعياً مؤسسياً، وفق منظومة تربوية ومنهجية علمية، تقوم على التعاون البناء، والتنسيق المستمر والواعي، بين الأسرة والمدرسة والمجتمع.

نلاحظ في الآونة الأخيرة، عدم اهتمام الأهل بتربية أبنائهم، أو حتى متابعة سلوكياتهم، بحجة مسؤوليات وضغوطات الحياة، فما الحل؟

تربية الأبناء مسؤولية أصيلة للأسرة في المقام الأول، يأتي من بعدها دور المدرسة، ومن ثم المسؤولية المجتمعية. هذه ببساطة القاعدة التربوية الذهبية التي نستطيع من خلالها تنشئة الأجيال الصالحة، والمواطن الواعي المدرك لمسؤولياته، والمفيد لنفسه ولأسرته ومجتمعه ووطنه.

أما أن تتقاعس الأسرة عن دورها التربوي، ولو كان ذلك بحجة ضغوطات الحياة الكثيرة والظروف وما شابه، فإنها بذلك تتحمل المسؤولية كاملة، وعليها وزر أي خلل يقع فيه الأبناء. والحل هنا، يكمن في ضرورة تضافر الجهود داخل الأسرة الواحدة، والتعاون الإيجابي والتفاهم الكامل بين أفرادها، وفق سياج من الثقة والاحترام المتبادل.

ما الذي تعنيه الأسرة بالنسبة لك، وما تأثيرها على مستقبل الفرد؟

أنا أب لتسعة أبناء، متفوقين تربوياً وعلمياً والحمد لله، وشخصياً أقدر أفراد أسرتي وأحبهم وأضعهم موضع العين للجسد. فهم عيني التي أُطل من خلالها على المجتمع. فالأسرة عندي هي المدرسة الأولى للفرد، وصلاحه من صلاحها. منها تبدأ الحياة وتنتظم، إذ إن أسس التربية الصحيحة تنبع من الأسرة، والتفوق والإبداع مصدره الرئيس الأسرة.

المواقع الإلكترونية التي يتصفحها الأبناء. هناك المفيد منها دراسياً وعلمياً وآخر مضلل، يوقع بهم في شباك الإدمان والرذيلة، فبم تنصح الأهل؟

مع التطور التقني والانفتاح التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي وأجهزة الاتصالات الحديثة المتطورة وسهولة الحصول على الخدمات الإلكترونية، أصبح على أفراد الأسرة أن يدركوا هذا الواقع الجديد المتغير بشكل سريع، وأن يتفهموا مخاطره وأبعاده.

كما أن عليهم ألا يتركوا الحبل على الغارب، بل لابد من الإشراف والتوجيه، حتى لا يجد الأبناء أنفسهم أمام (وحش) الإنترنت ومخاطره، دون رقيب أو حسيب. وقبل ذلك كله، أن يهتم الأهل بشؤون أبنائهم ورعايتهم وتنشئتهم تنشئة دينية، ووفق الأخلاق والقيم الحميدة، والاقتراب منهم أكثر فأكثر.

ما الذي يُغذي ظاهرة الشللية في المجتمع، وكيف نستطيع رصدها مبكراً حتى لا تتفاقم حدتها؟

في اعتقادي، أنه لا يوجد في مجتمعنا ما يسمى بمفهوم الشللية بالشكل الخطير الذي يقلقنا، وإن وجدت فإنها تكون في فئة عمرية محددة. وهي مرحلة المراهقة، ولله الحمد فإنها لا تُمثل ظاهرة في وقتنا الحالي؛ لأن حالاتها تحت السيطرة. وقد تنبهت وزارة التربية والتعليم، مشكورة، إلى مثل هذه الحالات، واحتاطت لهذه السلوكيات، واستطاعت معالجتها من خلال لائحة السلوك الطلابي، والإرشاد المستمر من قبل المعنيين، لذلك فهي لا تشكل أية خطورة على العملية التربوية والتعليمية.

بم تنصح أصحاب الخبرات من المتقاعدين القادرين على مواصلة العطاء، حتى لا تتحول حياتهم إلى شرنقة للسلبية والفراغ؟

لدينا في مجتمع الإمارات العربية المتحدة، العديد من أصحاب الخبرات العظيمة والمتعددة، من القادرين على العطاء بكل سخاء، والتعبير عن حبهم لوطنهم بشتى الطرق، وبمواصلة العمل والعطاء.

وهو الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى أن يستمروا في خدمة المجتمع، ومساعدة الآخرين، بل ولديهم المزيد من العطاء تجاه هذا الوطن الغالي. فخدمة الوطن من أسمى القيم. لذا فإن علينا ألا نكل ولا نمل لحظة في خدمة مجتمعنا ووطننا؛ لأن هذه أمانة نحملها، ومسؤولية وطنية نتوارثها جيلاً بعد جيل، سنُسأل عنها أمام التاريخ.

Email