التكنولوجيا.. عالم جميل محفوف بالمخاطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

مما لا شك فيه أن التكنولوجيا سهلت على الناس الكثير من الأمور، حيث يصفها الكثيرون بالعصا السحرية التي قربت لهم البعيد، وسهلت عليهم الصعاب، ومنحت الجميع المجال والمساحة الكافية لتبادل والأفكار، والتعبير عن وجهات النظر، بالإضافة إلى أنها قدمت مساحة كبيرة لحرية الرأي. فالكثير من الباحثين والمختصين ينظرون إلى تكنولوجيا الحاسب الآلي على أنها وسيلة مأمولة في تطوير قدرات الأجيال، من حيث سرعة اكتساب الخبرات، والقدرة على التطوير الذاتي، وتحفيز الثقة بالنفس، وإيجاد فرص عمل أوسع لهم.

في المقابل يرى البعض أن انتشار الحاسوب، وتغلغل شبكة الإنترنت في مختلف مجالات حياتنا، لا بد وأن يترك آثاراً على مختلف الأنظمة الاجتماعية، بما فيها نظام التربية والتعليم، لذلك على كل من يعمل في نظام التربية والتعليم أن يعي هذه التغيرات التي تحصل في مجال الحاسوب والتكنولوجيا العامة.

وفي مجال الاتصالات المحسوبة وشبكة الإنترنت خاصة، لكي يضع طرقاً مناسبة لمواجهة هذه التغيرات والتعامل معها، لكي يكون قادراً على استيعاب أو رفض بعض هذه التغيرات.الدورة المعلوماتية حولت العالم كما يقول رجل الإعلام المعروف ميشيل ميكلوف، إلى قرية صغيرة والتي وصفت من قبله بأنها عبارة عن سفينة تبحر في الكون الفسيح وركابها البشر والكائنات الحية الأخرى.

فهل يستطيع أحد أن يتوقع إلى أين تسير الوقائع داخل تلك السفينة أو القرية الصغيرة مع استمرار التقدم التكنولوجي؟موضوع اليوم سنخصصه للحديث عن سلبيات التكنولوجيا التي يراها الكثيرون أنها في تزايد مستمر، فكما يقول الكاتب عبدالمنعم فريد: أصبح الدخول إلى شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» مخاطرة غير محسوبة العواقب.

حيث انتشر الهاكرز على جنباته منتظرين الانقضاض على أول فريسة تقابلهم وهي بالطبع المستخدم الذي لا يملك في جعبته إلا مجرد برامج إلكترونية لا تغنى ولا تسمن من جوع، ليتحول الانترنت من وسيلة إعلامية إلى ساحة قتال اختلفت فيها الأسلحة، إلا أن النتيجة واحدة وهي الخسائر الفادحة للضحية وغنائم الحرب للقراصنة.

 

الإشاعات

وقد أتت التكنولوجيا وساهمت بل وسهلت بطريقة كبيرة، نقل الإشاعات بين مستخدميها بوسائل عديدة منها «البلاك بري مسنجر» و«الواتس أب» على أجهزة «الآيفون»، وأيضاً الرسائل الإلكترونية أو الهاتفية، فقد بات انتشار الإشاعات ووصولها إلى أكبر شريحة من أفراد المجتمع أمراً في غاية السهولة، وبضغطة زر فقط.

 

الرقابة والإباحة

شبكة الإنترنت، شبكة عالمية لا تتبع أي دولة أو مؤسسة أو شخص، وهذه الحقيقة توضح أن نشر المعلومات عبر الشبكة لا يمر على أي نوع من الرقابة. وبذلك يكون كل شخص قادراً على نشر ما يريد من المعلومات في موقع خاص به بسرعة وسهولة وحتى من دون أن يدفع مقابلاً لنشر هذا الموقع. لذلك نجد في شبكة الإنترنت الكثير من المواقع غير المقبولة عند الأنظمة الاجتماعية الصالحة.

منها مثلاً مواقع العنف، ومواقع الجنس، ومواقع عنصرية، وغيرها من المواقع التي يجب أن تكون ممنوعة في مجال التربية والتعليم، وبالتأكيد في جميع المجالات الأخرى، حل هذه المشكلة ليس سهلاً. لذا لا نجد حتى الآن حلولاً ناجحة لها، تسمح باستخدام شبكة الإنترنت في المدارس مثلاً، وتمنع في الوقت نفسه الطلبة من الوصول إلى هذه المواقع غير المرغوبة.

 

العزلة

عند العمل في شبكة الإنترنت يجلس المستخدم عادة وحيداً أمام الحاسب، حيث بإمكانه أن يقضي ساعات طويلة تعزله عن المجتمع القريب والبعيد عنه، فالإبحار في الشبكة مصحوب بعزلة معينة عن المجتمع المجاور (العائلة والأصدقاء)، مما قد تؤدي في حالات كثيرة إلى مشكلات أخرى، منها اجتماعية، تتمثل في صعوبة الاتصال والتعامل مع المجتمع المحيط وأخرى نفسية، تتمثل في الانزواء والانطواء على النفس. لذا على الأهل الانتباه لمثل هذه الحالات، ومراقبة أولادهم وقت التصفح، لكي لا يتضرر أحد منهم.

 

البذاءة

إن استخدام الوسائط الإعلامية المتعددة في نشر البرامج والعروض البذيئة التي يرفضها العقل السليم، من أكبر الإرهاصات السيئة للعولمة، ذلك أنها تتنافى مع الفطرة والتقاليد والأعراف الاجتماعية لدينا ولدى الشعوب الأخرى، خصوصاً تلك التي تبثها الفضائيات أو تلك التي يتم تلقيها عبر شبكة الإنترنت.

والتي تشكل تهديداً للناشئة من بنين وبنات، والتي يحسن الالتفات إليها كظاهرة يجب العمل على التقليل من تبعاتها، وذلك عن طريق إيجاد البديل المناسب وتحصين الشباب فكرياً ضدها عن طريق التعليم السليم والتربية الراقية والإعلام المتوازن.

 

نسخ المعلومات

حقوق النشر والطباعة على شبكة الإنترنت لا تزال غير واضحة تماماً، وكثيراً ما نرى نسخاً لمعلومات ووظائف، ومن ثم استعمالها كأنها شخصية، وهذه الظاهرة لها أبعاد سلبية، خصوصاً عند انتشارها بين الطلبة، إذ لا يحتاج الطالب لإجهاد نفسه في التفكير وفي حل الوظائف، بل يحاول الوصول إلى الوظائف المحلولة ليسهل على نفسه الطريق.

 

تهديد عرش الكتاب

بسبب الوسائط الإعلامية المتعددة والتي تحمل الغث والسمين والمعززة بالصور والاختصار والإيجاز، أصبح الكتاب الذي هو المصدر الحقيقي للثقافة، والديوان المأمون على تاريخ الأمم وتجاربها، أقل أهمية، فلو كانت هناك إحصائية عابرة سوف تجد أن الجميع يشاهد التلفاز وقليل جداً منهم تجده يتابع ويقرأ الكتب.

ليس هذا فحسب بل إن العزوف عن الكتاب والاتجاه إلى التلفاز والحاسوب، قد أديا إلى زيادة الأمية لدى عدد ليس قليلاً من الناس، فهم لا يريدون التركيز وبذل جهد ولو يسير، للحصول على المعلومة، لذلك فهم يفضلون الاستماع إلى وسائل الإعلام المختلفة، والتي تحتاج إلى أقل قدر من التركيز والانتباه لفهم ما تبثه أو تنشره، بصرف النظر عن دقته أو مصداقيته.

 

جرائم الانترنت

ومع ازدياد عمليات القرصنة ظهرت جرائم الإنترنت وهي جرائم تختلف عن الجرائم المتعارف عليها، فالجاني لا يحمل مسدساً، ولا يسطو على متجر، فهو جالس في بيته ولا يجد عناء في مجرد الضغط على زر يدخل به إلى شبكة الإنترنت ويبدأ في اصطياد ضحاياه، وجرائم الانترنت تعددت صورها وأشكالها فلم تعد تقتصر فقط على اقتحام الشبكات وتخريبها أو سرقة معلومات منها، بل شملت أيضاً جرائم أخلاقية مثل الاختطاف والابتزاز والقتل وغيرها.

ويقوم مجرمو الإنترنت بانتحال الشخصيات، والتغرير بصغار السن، بل تعدت جرائمهم إلى التشهير وتشويه سمعة ضحاياهم الذين عادةً ما يكونون أفراداً أو مؤسسات تجارية، ولكن الأغرب من ذلك أنهم يحاولون تشويه سمعة مجتمعات بأكملها خاصة المجتمعات الإسلامية، وهذا ما حدا بالعالم للتحرك، حيث وقعت 30 دولة على الاتفاقية الدولية الأولى لمكافحة الإجرام عبر الإنترنت في العاصمة المجرية بودابست، وشملت المعاهدة جوانب عدة من جرائم الإنترنت، من بينها الإرهاب وعمليات تزوير بطاقات الائتمان ودعارة الأطفال.

Email