التفكير العلمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقدم كتاب «التفكير العلمي»، لمؤلفه، الدكتور فؤاد زكريا، طريقة نوعية شائقة لأسس التفكير الذي يوصف بالمنظم، الممكن أن نسلكه في شؤون حياتنا اليومية، أو في النشاط الذي نبذله حين نمارس أعمالنا المهنية المعتادة.

 ويوضح زكريا أن نمط هذا التفكير (العلمي)، يعتمد على مجموعة مبادئ، وأولها: الروح النقدية، والتي تعني أن يكتسب المرء الرغبة في التطلع إلى الأفضل، من خلال اتصاف الإنسان بالتنظيم والتراكم في التفكير، أي بمعنى أن يتعامل مع المشكلة خطوة فخطوة بانتظام، وينظر إلى النتائج كإضافة تتراكم مع سابقتها، ذلك حتى يمكن الاستفادة منها.

وأما المبدأ الثاني، فهو طبقاً لتوصيف المؤلف: البحث عن الأسباب، ما يعني أن التفكير يسعى في مواجهة المشاكل، إلى البحث عن أسبابها، وهو ما سيكشف عن ما يمكن تلافيه أو البحث عنه. وهنا، تعد الرؤية أو النظرة الشاملة للقضية ضرورية، أي أن دراسة قضية ما والتفكير فيها، يجب أن تكون من جميع جوانبها. وأما الدقة، فهي السمة الواجب أن يتحلى بها المفكر، بحيث يكون في خطوات تفكيره، منظماً وقابلاً للانتقال من خطوة إلى أخرى، بسهولة وإتقان.

ويشدد زكريا على صفة ومقوم «النزاهة»، على اعتبار أنها أبرز سمات المفكر المقتدي بالمنهج العلمي، وهي تعني، الالتزام بأمانة التحليل وخطوات البحث، ومن ثم الاعتراف بعرض النتائج، مهما كانت مخالفة لرؤية المفكر، السابقة، أو لوجهة نظره.

ويرى المؤلف أن التفكير العلمي يتخذ من نتائجه المعتمدة على الدقة والنزاهة، وسيلة لعدم سيطرة أي مؤثر آخر عليه، مثل: القدم واعتبار كل ما هو قديم راسخا وحقيقيا، وبذا لا سبيل إلى الإضافة إليه أو تعديله، وهو ما يدخل آلبا في التصورات الشعبية والمعتقدات الشعبية.

وهناك أيضا قضايا مؤثرة أخرى، مثل: انتشار الفكرة، الشهرة، هيمنة الرغبات والأمنيات الخاصة. فجميعها يحتمل أن يجعل التفكير العلمي ينحرف عن مساره، وبالتالي عن نتائجه.

كما أنه من العوائق التي ربما يتأثر بها صاحب التفكير العلمي، إن لم ينتبه : الاعتقاد بمحدودية قدرات العقل، التعصب الأعمى لفكرة مسبقة، التأثير السلبي لوسائل الإعلام في هذا الخصوص (عوامل التضليل لمن يفكر تفكيرا علميا).

ولعل أهم ما يشير إليه الباحث في كتابه، يتمثل في تشديده على أن «التفكير العلمي» ليس قاصرا على العلماء فقط، فالعالم يفكر في مشكلة متخصصة، ويستخدم لغة محددة، كما أن العالم يفكر بناء على حصيلة ضخمة من المعلومات، وربما يفترض ويوظف كل المعلومات التي توصلت إليه البشرية منذ القدم، في حل المشكلة التي يفكر فيها.

ولا يفوت زكريا أن يلفت في هذا المجال، إلى أن التفكير العلمي الذي يعنيه، لا ينصب على مشكلة متخصصة بعينها، كما لا يفترض معرفة بلغة علمية أو رموز رياضية، بل ما يود الإشارة إليه هو نوع التفكير المنظم الذي يمكن أن يستخدمه المرء في حل مشكلاته اليومية والحياتية.

ويلمح إلى التأثيرات التدميرية العقلية، والإفرازات الهدامة لواقع متجل وملموس، نجد معه في محيطنا، ان التفكير العلمي يواجه حرباً وحصاراً في محطات ومواقع كثيرة في مجتمعاتنا العربية.

ويلمح المؤلف، إلى ان العرب لو استمروا على مسار تقدمهم العلمي السابق، إبان الحضارة الإسلامية، لكان لهم شأن كبير. وأنتج ذاك التخلف عن خط المسار التطويري، وقوع العرب في مطب التقهقر العلمي الشامل.

والأمر المدهش الثاني الذي يشير إليه المؤلف، يتمثل في أننا، نحن العرب، كثيرا ما نزهو بالماضي العلمي العربي، ومع ذلك نقاوم العلم، في حاضرنا، أشد مقاومة. ويعتقد زكريا أن مبرر تلك الحالة، أحد التفسيرين: أولاً، كوننا نعتز بما صنعناه كعرب، أما العلم الحديث فليس من صنعنا.

ثانياً، أن العلم العربي المنجز قديماً، يعد من التراث، ونحن نعتز بالتراث، أياً كان مجاله أو أوصافه.

ويخلص زكريا، بعدها، إلى جملة توصيفات وملامح ركيزية للتفكير العلمي، مثل : التراكمية، التنظيم، البحث عن الأسباب، الشمولية، التجريد.

 

عالم متحد

تنبع أهمية الكتاب من رؤاه التأملية الفلسفية والفكرية التحليلية، في شأن ماهية وألوان التطور العلمي، عبر العقود والقرون والعصور المختلفة، إذ يبين مؤلفه، أنه، وإذا لم يقدر لعالمنا هذا أن ينتحر عن طريق العلم نفسه، في حرب نووية أو بيولوجية.. فإن المرء لا يملك إلا أن يرى أمامه في المستقبل: صورة عالم متحد. ويضيف: " ..عالم تختفي فيه الفواصل بين البشر، وتجمعه أهداف واحدة، وإن لم تتلاش مظاهر التنوع الهامة لكي تكتسب حياة الإنسان ثراء وامتلاء".

 

المؤلف في سطور

فؤاد زكريا مفكر وأستاذ جامعي- ولد في محافظة بورسعيد عام 1927م- تخرج في كلية الآداب 1949 حصل على الدكتوراه عام 1956م- رأس تحرير مجلة «الفكر المعاصر» و«تراث الإنسانية» عمل رئيس تحرير سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية، أصدر العديد من الكتب، رحل في مارس 1910م.

الكتاب: التفكير العلمي

تأليف: د. فؤاد زكريا

الناشر: هيئة الكتاب

المصرية

القاهرة 2012

الصفحات:206 صفحات

القطع: الكبير

Email