تركيا منذ عام 1989.. أمة غاضبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد زوال الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب الأولى، برزت تركيا من جديد عام 1923 كدولة- أمة. إنها تركيا الحديثة التي يدرس الباحث التركي كريم اوكتيم، الأستاذ في المعهد الشرقي، والحائز على شهادة الدكتوراه من جامعة أكسفورد، تاريخها المعاصر اعتباراً من عام 1989، وذلك في كتابه الأول الذي يحمل عنوان: "أمة غاضبة: تركيا منذ عام 1989".

اختار المؤلف عام 1989 باعتباره منعطفاً حاسماً على المسرح الإقليمي للشرق الأوسط. وكذلك على الصعيد العالمي، ذلك أنه في شهر نوفمبر- من تلك السنة، انهار جدار برلين لتبدأ مسيرة تفكك المنظومة الاشتراكية، وصولًا إلى نهاية الاتحاد السوفييتي "السابق". وعودة ظهور عدد من الجمهوريات المستقلة (السوفييتية سابقاً)، في آسيا الوسطى، وغيرها من مناطق الإمبراطورية السابقة.

مع انهيار المعسكر الاشتراكي عادت تركيا بقوّة إلى المسرح الدولي. هذا بعد أن كان يتم النظر إليها غالباً، منذ قيامها بعد الحرب العالمية الثانية، كـ"زائدة غريبة" عن الغرب، واقعة على تخوم أوروبا والشرق الأوسط، حسب التوصيف الذي يقدمه المؤلف. هذا فضلاً عن اعتبارها بلاداً متخلّفة اقتصادياً، ومنطوية على نفسها، وتعاني من العنف السياسي والاضطراب الداخلي، بسبب المسألة الكردية خاصة.

 بعد قيام المؤلف بنوع من القراءة "التاريخية" لتركيا الحديثة ومسار تطورها، يدخل في صلب موضوعه لمعالجة مجموعة من المسائل الراهنة التي أخذت أبعاداً كبيرة، بعد منعطف عام 1989. وهكذا يتعرض لمسائل: العلاقة بين الدين والدولة، النزعة الانفصالية الكردية، العلاقات الأوروبية - التركية، تركيا في المحيط الإقليمي للشرق الأوسط.

تتمثل إحدى الأفكار الأساسية التي يؤكّد عليها المؤلف، في القول انه منذ نهاية الحرب الباردة، أعيدت صياغة النظام الدولي بالتزامن مع قيام العديد من البلدان في نوع من إعادة التفاوض حول سياساتها الخارجية والداخلية أيضاً.

وهكذا قامت تركيا بقطيعة كبيرة على العديد من المستويات الاقتصادية السياسية. فعلى الاقتصادي صعدت تركيا من دولة هامشية إلى مصاف القوى الصاعدة، وفي خصوص السياسي الخارجي أصبحت قوة إقليمية لها كلمتها في مجمل قضايا المنطقة.

كما سعت بوضوح إلى أن يكون لها دور في المسائل الدولية. أما على الصعيد الداخلي فتتلخص الفكرة الأساسية للمؤلف في القول ان العقدين الأخيرين المنصرمين، شهدا "زيادة سيطرة الدولة على المجتمع المدني". وتتمثل النتيجة التي يصل إليها في هذا السياق، في الإعراب عن أمنية أن تنتهج تركيا مقاربة أكثر ليبرالية.

ما يؤكده المؤلف أيضاً هو أن الإسلاميين المعتدلين، المنضوين في إطار حزب العدالة والتنمية الحاكم، عرفوا كيف يجرون تحولًا سياسياً، استطاعوا بواسطته البقاء في الحكم عدة دورات انتخابية، وفرض سيطرتهم.

لكن هذا لا يمنع كريم اوكتيم من القول ان الوضع ليس واضحاً كثيراً بالنسبة لمستقبل تركيا. ذلك على أساس أن زيادة التوترات الإقليمية والداخلية يمكن أن تطرح أسئلة جديدة على الديمقراطية التركية وعلى نموذج - موديل الحكم، هذا إذا لم تكن هناك منطقة زوابع في الأفق. ويرى المؤلف أن هذا العقد الأخير من المسار السياسي التركي سيحدد إلى درجة كبيرة مستقبل الديمقراطية في تركيا لفترة طويلة مقبلة.

هذا مع الإشارة إلى أن هناك ميلاً واضح المعالم باتجاه الأخذ بنوع من النظام الرئاسي وتبنيه تحت عنوان المحافظة على "الديمقراطية السيادية"، على شاكلة المنظومة التي سادت في الأسلوب الروسي الذي تمّ اعتماده منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة عام 2000. أما الترجمة العملية لمثل هذا التوجه فيحددها المؤلف بقدر أقل من الحرية بالنسبة للمواطنين الأتراك.

إن تركيا حققت بعد عام 1989، كما يرى المؤلف، نجاحاً اقتصادياً كبيراً ذا طابع ليبرالي جديد. وأصبحت أحد أكثر القوى نفوذاً في منطقة الشرق الأوسط. مع ذلك لم تنجح في الوقت نفسه بإيجاد حلول حاسمة ونهائية للنزاعات الإثنية والعقائدية والتاريخية الموروثة من حقب ماضية. لكن في جميع الحالات يبقى التمسّك قائماً بالإرث الجمهوري "الأتاتوركي" وبالتأكيد، بالانتماء القومي.

ويصف المؤلف تركيا بالمحصلة، على أنها بلاد معروفة أكثر بالاستعارات المجازية التي يتم توصيفها بها أكثر مما هي معروفة بسياساتها التي تميل بالأحرى نحو التعقيد وبمجتمعها وبتاريخها. والتأكيد خاصة على أن الصراعات العنيفة على السلطة ساهمت كثيراً حتى الآن بصياغة تركيا حتى اليوم. ذلك مهما كان الخطاب الذي تتبناه السلطة القائمة، ومهما كانت هويتها السياسية.

والتأكيد بأشكال مختلفة في هذا الكتاب أن هناك في تركيا باستمرار ثنائية على خلفية طابعها النزاع بين الحكومة "المنتخبة من جهة" وبين حرّاس الجمهورية غير المنتخبين، أي العسكر والسلطة القضائية خاصة من ممثلي الدولة العميقة.

 

 

 

الكتاب: أمة غاضبة تركيا منذ عام 1989

تأليف: كريم اوكتيم

الناشر: زد بوك لندن- 2011

الصفحات: 176 صفحة

القطع : المتوسط

 

 

 

Angry nation

Kerem Oktem

Zed Books- London- 2011

176 p.

Email