عائلة الظلال

ت + ت - الحجم الطبيعي

قيل الكثير عمّا عرفه الأرمن في تركيا عام 1915 وعن تعرّضهم للمذابح آنذاك، والصحافي الأميركي من أصل أرميني غارن هوفانيزيان، يتقصّى تاريخ الأرمن في أميركا منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم عبر ما عرفته أجيال ثلاثة من عائلته. وهذا في كتاب يحمل عنوان: "عائلة الظلال" الذي يتعرض فيه لما يسميه "قرن من المذابح والذاكرة والحلم الأميركي"، كما يقول العنوان الفرعي.

إن المؤلف يعود أولا إلى وصف السياق الذي كانت تعيشه أوروبا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى التي كانت ضحاياها تتزايد في القارة القديمة. ويشير أنه في ذلك السياق تعرّض الأرمن في تركيا لما يسميه "مجزرة الإبادة الأولى في التاريخ الحديث".

ودون الخوض كثيراً في الظروف التاريخية لتلك المرحلة، يشير غارن هوفانيزيان إلى أن أحد الناجين من المذابح كان يحمل اسم كاسبار هوفانيزيان، جدّ أبيه، الذي اتجه إلى الولايات المتحدة مدفوعا بالآمال التي ارتبطت بالحلم الأميركي ليجد نفسه في كاليفورنيا، حيث امتلك لاحقا مزرعة صغيرة ومارس تجارة الأبنية. لكنه ظل مسكونا باستمرار، كما يؤكد المؤلف، بذكريات أرمينيا الحارقة وبالقناعة أنها سوف تشهد نهضة وطنية من جديد.

ريشارد، ابن كاسبار، ترك مزرعة العائلة كي يكرّس كل جهوده للدفاع عن القضية الأرمينية، حيث أسهم في إنشاء مركز للدراسات الأرمينية في الولايات المتحدة، وأصبح مرجعية عالمية في التاريخ الأرميني، وولده رافي، أي مؤلف هذا الكتاب، أصبح أول وزير خارجية لجمهورية أرمينيا الجديدة بعد نهاية السيطرة السوفييتية.

وكان قد ترك وراءه مهنة المحاماة من أجل المشاركة في بناء دولة أجداده المستقلة. غارن، ابن رافي، هو مؤلف هذا الكتاب الذي يعود فيه إلى المأساة الأرمينية، ويؤكد على الذاكرة ويقدّم الكثير من الإضاءات على الظلال التي يتركها التاريخ عن مسيرة البشر.

لكن هذا الكتاب هو قبل كل شيء تأريخ لمسيرة الأرمن في الولايات المتحدة الأميركية من خلال ثلاثة أجيال. ولا يخفي المؤلف اعتزازه بهذه العائلة الأرمينية أبا عن جد. ويشير إلى أن اسمه نفسه "غارن" يدل على مدينة أرمينية قديمة هي اليوم ارزدروم في تركيا.

ويروي أنه أصبح كاتبا تحقيقا لتقليد أرميني قديم يقول إنه عندما ينبت السن الأول في فم الطفل يتم وضع مجموعة من الأشياء أمامه على الأرض مثل كتاب أو مقصّ أو قطع نقود أو مطرقة أو أشياء أخرى. وإذا التقط الطفل كتابا فذلك يعني أنه سوف يصبح كاتبا، وإذا التقط مطرقة فمستقبله معماريا، وقطع المال تعني أنه سوف يصبح مصرفيا، والمقصّ مهنة خياط المستقبل.

كان الطفل غارن قد التقط كتابا، وبالتالي كان مصيره أن يكون كاتبا.ويشرح المؤلف أن إحدى القواعد الأساسية لدى الأرمن عامة والتي يتعلمونها منذ الصغر تتمثل في عدم نشر الغسيل الوسخ أمام الآخرين، وخاصة بالنسبة لأفراد العائلة.

لكن غارن هوفانيزيان يحكي كل شيء بالتفاصيل من تجربة جدّه كاسبار في أميركا، وكيف أن نجاحه كان نتيجة الجمع بين الحظ والتصميم. ويحكي كذلك بالتفاصيل عن انخراط كاسبار في صفوف المقاومين الأرمن تحت إمرة الجنرال الأرميني الشهير انترانيك ضد الأتراك عام 1918 ودفاعاً عن مدينة غارن.

إن التوصيف الذي يقدمه المؤلف على مدى صفحات من الكتاب لهجرة كاسبار إلى الولايات المتحدة "كاليفورنيا"، وقصة بدايات حياته الجديدة، يجعله أشبه بشخوص الأعمال الروائية. كان أول عمل قام به هو ممارسة مهنة الحلاق. لقد تزوّج وأنجب أطفالا وأصرّت زوجته على أن تعطي للأطفال أسماء أميركية.

هكذا أخذ أحدهم تسمية غيبل ريشارد هوفانيزيان، تيمناً باسم الممثل الأميركي كلارك غيبل وبالأصل الأرميني.

من الملاحظ أن الجزء الأكبر من النصف الثاني من كتاب: "عائلة الظلال" مكرّس لرافي هوفانيزيان "الرجل المحبوب ورجل المبادئ" الذي امتزج مسار حياته بتاريخ أرمينيا الحالية، الجمهورية الأرمينية. ويحتوي هذا الكتاب عدداً من الصفحات حول مشكلة إقليم "كاراباخ العليا"، الأرض الأرمينية تاريخياً ولكن التي منحتها الدولة السوفييتية إلى اذربيجان عام 1923 بأوامر من جوزيف ستالين.

ويشير المؤلف إلى أن ولده "رافي" وجد نفسه في "المكان الصحيح" و"اللحظة الصحيحة" عندما استقلّت أرمينيا من جديد. لكنه ظل باستمرار مواطنا أميركيا. إن كتاب عائلة الظلال هو كتاب عن تاريخ أرمينيا الحديث وتاريخ شعبها عبر المنافي والحنين الدائم للعودة.

 

 

 

 

 

الكتاب: عائلة الظلال

تأليف: غارن هوفانيزيان

الناشر: هاربر نيويورك 2010

الصفحات: 304 صفحات

القطع: المتوسط

 

 

Family of shadows

Garin Hovanisian

harper- New York 2010

304 p.

Email