صدمة الثورات العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحراك الشعبي العربي الذي يجري في عدد من البلدان العربية يعالجه الأستاذ الجامعي الفرنسي ماتيو غيدير في كتاب تحت عنوان: (صدمة الثورات العربية). و(الصدمة) التي يعنيها هي صدى ما جرى في البلدان العربية لدى العالم الغربي. وهو يعالج الموضوع تحديدا من زاوية الطريقة التي نظرت فيها الدول الغربية ومجتمعاتها للسياق الجديد في العالم العربي.

ما يتم تأكيده بداية هو أنه لم يكن هناك في الغرب من يتوقع اندلاع مثل هذه الأحداث، وخاصة اندلاعها خلال فترة قصيرة جدا من الوقت. واندلاعها أيضا بالنسبة لأنظمة كانت تبدو "متماسكة ظاهريا". بهذا المعنى كانت الصدمة كبيرة جدا بالنسبة للبلدان الغربية وأصحاب القرار فيها وخبراء الإستراتيجيات. هؤلاء جميعا اكتشفوا "جهلهم" و"قصر نظرهم"، كما يشير المؤلف. وبدا بوضوح أنه لا بد من إعادة نظر حقيقية وعميقة بالآليات والمقولات التي يتم تحليل العالم العربي على أساسها.

يحدد المؤلف مهمته بتحديد "مفاتيح التحليل" لفهم مواقف دول الجامعة العربية ؛ ويشرح الأحداث التي عرفها العالم العربي خلال الشهور الأخيرة وكيفية فهم الغرب لهذه الأحداث ؛ معتبرا إن عام 2010 سيكون دائما هو عام الثورات العربية.

لكنه سوف يكون أيضا عام طرح التساؤلات بمواجهة حركة التاريخ ؛ فالتحليلات المقدّمة تحمل عناوين مثل: "الصدمة" و"عدم الفهم" و"سوء الفهم" و"القوى"، الخ. هذه العناوين كلها لها دلالتها الواضحة على "تشوّش" الرؤية الغربية لما عرفه العالم العربي خلال الأشهر السابقة.

يقدّم المؤلف مقاربة لمواقف بلدان الجامعة العربية من منظور تاريخي وأيضا من منظور الحاضر. ويحدد هدف مثل هذه المقاربة للوصول إلى "فهم أفضل للرهانات ولموازين القوى القائمة". وبعد تقديم لمحة تاريخية لمختلف المواقف يحاول المؤلف القيام بتحليل للسياق الاجتماعي والسياسي الذي أدّى إلى ما جرى في العالم العربي. كما يحاول في نفس السياق تقديم "تصوّر" لما قد ينبغي أن تكون عليه التوجهات الأساسية التي ترتسم في الأفق بالنسبة للسنوات القادمة.

يولي المؤلف اهتمامه الرئيسي لمحاولة شرح رؤيته لما سيكون عليه مستقبل العالم العربي. وهذا ما تلخصه الجملة التالية: "المقصود هو محاولة تصور احتمالات التوجّهات المستقبلية على ضوء تحليل معمّق للأوضاع والمعطيات المتوفرة حول القوى الموجودة. وبالتالي محاولة طرح فرضيات حول تطوّر موازين القوى وتصوّر السيناريوهات المتوفرة على ضوء العقل والحدس والتاريخ والرؤية المستقبلية".

ولا يتردد المؤلف في القول ان هناك "واجبا أخلاقيا" على الغرب حيال شعوب البلدان العربية التي عرفت انتفاضات شعبية. هذا خاصة حيال الشباب، إذ "ينبغي على الغرب أن يواكب تطلعات هذه الشبيبة وعدم ترك الهبّة الثورية تتحوّل تحت ضغط الأزمة الاقتصادية المحليّة أو الدولية إلى كابوس اجتماعي أو سياسي" (...) ؛ وإذا انسحب المستثمرون الغربيون من البلدان المعنية تدريجيا بانتظار توضّح معالم الصورة، فإن المؤلف يحذّر من بروز تيارات قومية ودينية متطرّفة تتطلّع بالضرورة إلى السلطة.

وبالإجمال يؤكّد المؤلف أن لأوروبا دورا ينبغي عليها عدم الانسحاب أو التقاعس في لعبه. ذلك أن كل ما يجري في العالم العربي المجاور له آثاره المباشرة والكبيرة على القارّة الأوروبية القديمة بحكم الجغرافيا والتاريخ وواقع وجود جاليات عربية وإسلامية أصبحت تشكّل أحد المكونات الأساسية في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي.

 

الكتاب : صدمة الثورات العربية

تأليف: ماتيو غيدير

الناشر: اوترومون- باريس- 2011

الصفحات: 210

القطع: المتوسط

 

 

 

Le choc des révolutions arabes

Mathieu Guidère

Email