قابلية التكذيب عند كارل بوبر إشكالية معيار

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحاول كتاب (إشكالية معيار قابلية التكذيب) لمؤلفه ماهر اختيار دراسة معيار قابلية التكذيب عند كارل بوبر من كافة جوانبه المنطقية والمنهجية والابستمولوجية.

وذلك من خلال عرضه لأهم المعايير العلمية السابقة والمعاصرة له، وشرح خطوطها العريضة، فقد تناول كلاً من معيار التجربة الحاسمة، وقابلية التحقيق، وقابلية التأييد، فضلاً عن معيار البساطة، وكان لا بدّ من شرح ركائز معيار قابلية التكذيب وتحليلها، والأساس المنطقي الذي منحه الصفة العلمية.

بالإضافة إلى مراعاة الجانب التاريخي لمعيار قابلية التكذيب، ومناقشة بعض ركائزه المثيرة للجدل، مثل: الفروض المساعدة والتحايلية، وتعزيز صدق النظرية ؛ لقد شكّل معيار قابلية التكذيب الذي اقترحه فيلسوف العلم «كارل بوبر» واحداً من المعايير التي حاولت ترسيخ مبادئها في سياق العلم ونسقه النظري.

يناقش الكتاب الجانب التطبيقي لمعيار قابلية التكذيب، وتتبع أهمية هذا الجانب من محاولته الجمع بين التنظير والتطبيق، إذ لم يقتصر على معالجة منطق المعيار ومنهجه فقط بل تعرض إلى الكيفية التي تمّ من خلالها تطبيقه في العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية على حدّ سواء.

وهذا ينطبق على صياغة بوبر لمعيار قابلية التكذيب، فإذا كان المعيار العلمي يقوم بوظيفة تمييزية هدفها اصطفاء حلول لمشاكل واقعية، فإنّه ــ المعيار ــ نابع من جوانب ذاتية تمثل فيلسوف العلم، وبنيته الذهنية، ومصالحه المرحلية.

إنّ كان صياغة بوبر لمعيار قابلية التكذيب ناتجة عن قراءته لتاريخ العلم وخبرته الابستمولوجية، ومعاصرته للانتصارات التي حققتها الفروض الآنيشتانيية، فإن هذه الصياغة تتأثر في جانب كبير منها بتكوين بوبر المعرفي وخلفيته الفلسفية والعلمية والفنية والتقنية،.

فقد اهتم بوبر بالموسيقا وقراءة الشعر والأساطير اليونانية القديمة، ونتج عن ذلك اعتقاده بأهمية الأسطورة في المجال المعرفي، إذ وجد أن نقد العلماء لمضمون الأساطير التي كانت سائدة في عصرهم أثمر حلولاً علميّة استطاعت حل مشاكل كثيرة، من هنا اتضح سبب تعميم بوبر لمنهجه العلمي في معظم المعارف البشرية.

وهو الذي يبدأ من مشكلة وينتهي بمشكلة أخرى، بحيث يستطيع أي باحث اقتراح الفروض بصدد مشكلة ما ومن ثم استبعاد الفرض غير الملائم.

واعتماد الحل الفاعل والمقيد، أي أن اهتمام بوبر وإعجابه بمضمون الأساطير وممارسته للموسيقا، وما تمنحه هذه الأخيرة من تأملات وأفكار، دفعه كل ذلك إلى تعميم معيار المعرفة القادرة على حل مشاكل الإنسان، وهذا المعيار هو قابليّة التكذيب.

إن ركائز معيار قابلية التكذيب ذات الصفات الثورية والديناميكية تنسجم مع عصر بوبر المتغير والمتطور في معظم ميادينه العلمية والتقنية بل والسياسية أيضاً، أي أن مقتضيات عصر بوبر جعلته ينتبه لجزئيات ومعطيات لم ينتبه إليها السابقون، ويتأثر بجوانب كانت غير موجودة في مرحلة سابقة، ولن تبقى ثابتة في مرحلة لاحقة.

وبالنتيجة تتضح الخاصية النسبية لمعيار قابلية التكذيب من النواحي المنهجية والتطبيقية والمرحلية. لا يمكن تجاهل الجهد الذي بذله كارل بوبر في صياغته لمعيار قابليّة التكذيب وتفسيره لتاريخ الكشوف العالمية، فقد أغنى فلسفة العلم بشروح ودراسات يحتاجها كل باحث ومهتم.

ولم يكتف بتقديم انتقادات حيال المعايير والمناهج التي سادت في عصره، وإنما قدّم نقداً بناءً هادفاً، أي حاول أن يهدم لكي يبني أنساقاً معرفية أفضل، قادرة على تحقيق تقدم وتطوّر في مجالات الحياة كافة. وإذا كان بوبر قد أصاب في بعض الجوانب وأخطأ في جوانب أخرى.

فإن هذا يماثل واقع محاولات الباحثين المتتالية في إيجاد حلول لمشاكلهم المتجددة، فإن محاولة إيجاد حلول شاملة محاولة غير مجديّة، وتنطوي على خطأ فادح، ولذلك ينبغي الركون إلى المناهج والمعايير وطرائق البحث المؤقتة، والتي تساعد الباحثين على إيجاد حلول مرحلية لمشاكلهم التي لا تنتهي طالما بقي الإنسان على قيد الحياة.

فيصل خرتش

الكتاب: إشكالية معيار قابلية التكذيب عند كارل بوبر في النظرية والتطبيق

تأليف: ماهر اختيار

الناشر: وزارة الثقافة ــ الهيئة العامّة

السورية للكتاب ــ دمشق ‬2010

الصفحات: ‬384 صفحة ؛ 42 سم

القطع: المتوسطة

Email