الرايخ الألماني ..من بسمارك إلى هتلر 1848 ـ 1945

الرايخ الألماني ..من بسمارك إلى هتلر 1848 ـ 1945

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قام بتأليف هذا الكتاب الباحث الفرنسي جان ماري فلونو عضو معهد التاريخ للأزمنة الحديثة في باريس. وكان قد درس في السابق موضوع البورجوازية الألمانية في القرن التاسع عشر. ثم انخرط في عدة بحوث ميدانية عن فرنسا في الفترة الواقعة بين عامي 1930-1960. كما درس الرأي العام الفرنسي في ظل حكومة فيشي المتعاونة مع الألمان وهتلر.

وفي هذا الكتاب الجديد يقوم المؤلف باستعراض تاريخ ألمانيا في فترة حاسمة من فترات تاريخها: أي الفترة الواقعة بين توحيدها وتأسيس الرايخ على يد بسمارك عام 1848، وفترة انهيار هذا الرايخ بالذات على يد هتلر عام 1945. وفي هذه الفترة التي لا تتجاوز الخمسة وسبعين عاما شهدت ألمانيا حربين عالميتين مدمرتين هي الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. وقبلهما شهدت حربا كبيرة مع فرنسا وحدها وذلك عام 1870، وهي التي أدت إلى هزيمة فرنسا وسقوط نابليون الثالث.

والسؤال الأساسي الذي يطرحه المؤلف هو التالي: كيف استطاعت ألمانيا أن تحقق وحدتها في منتصف القرن التاسع عشر بعد أن كانت منقسمة على نفسها أشد الانقسام حتى ذلك الوقت؟ ثم لماذا حاولت الهيمنة على العالم مرتين بعد أن حققت وحدتها؟ أو بالأحرى لماذا سارت في طريق الهيمنة والعظمة إلى حد الانتحار وتدمير الذات مع النازية؟ هل كانت تقف أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الهيمنة على فرنسا وانجلترا والعالم وإما الانتحار والدمار؟

ألم يكن أمامها خيار آخر يا ترى؟ أم أن الشخصية الألمانية تعاني من جنون معين أو سوداوية خاصة؟

للإجابة عن هذه الأسئلة يدخل المؤلف في تحليلات تفصيلية معقدة. ولكي نعطي فكرة عن حجم مشروع المؤلف يكفي أن نعدّد عناوين الفصول التي تشكل الهيكلية العامة للكتاب ككل.

فالمقدمة تحمل العنوان التالي: أمة في حالة بحث عن وحدتها وحريتها. والمقصود بها الأمة الألمانية بالطبع. أما الفصل الأول من الكتاب فيتخذ العنوان التالي: الإمبراطورية الألمانية (1871-1918). ثم يتحدث المؤلف عن الرايخ البسماركي الذي تشكل بين عامي 1871-1890.

والمقصود بالرايخ هنا الوحدة الألمانية أو الإمبراطورية الألمانية. ومعلوم أن بسمارك كان أول من وحدها لأنها كانت قبله منقسمة إلى دويلات عديدة أهمها بروسيا. وقد توحدت ألمانيا حول بروسيا لأنها كانت الأكبر والأقوى. ومعلوم أن العرب حاولوا أن يتوحدوا حول مصر دون أن ينجحوا في ذلك حتى الآن على عكس ألمانيا.

ويبدو أن ألمانيا توحدت على مراحل في عهد بسمارك لا ضربة واحدة. ولذلك فإن المؤلف يتحدث عن الرايخ غير المكتمل عام 1871. ولكنه اكتمل بعد عشرين سنة من ذلك التاريخ، أي عام 1890. عندئذ استطاع بسمارك أن يبتلع كل ألمانيا ابتداء من بروسيا.

أما الفصل الثاني من الكتاب فمكرّس للتحدث عن جمهورية. وهي الجمهورية التي حلت محل النظام الإمبراطوري السابق الذي سقط بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى عام 1918. وعندئذ انقلب الألمان على النظام الإمبراطوري المحافظ الذي أدى إلى الهزيمة وتبنوا النظام الجمهوري الليبرالي الذي كان سائدا عند جيرانهم أو أعدائهم الفرنسيين. وقد دعيت الجمهورية الوليدة بجمهورية فايمار لأن مركز السلطة انتقل إلى مدينة فايمار.

وهناك أسس الألمان نظاما برلمانيا قائما على تعددية الأحزاب السياسية والمنافسة فيما بينها. وعاشت ألمانيا عندئذ إحدى أجمل فتراتها لأن الحريات العامة كانت سائدة، ولأن القانون كان مسيطرا والنظام مستتبا.

أما الفصل الرابع من الكتاب فيتخذ العنوان التالي: من سياسة القوة العظمى إلى فشل التوسع العالمي والعنصري للنازية. منذ البداية يقول المؤلف ما معناه: إن تاريخ ألمانيا المعاصر تتحكم به العلاقات الكائنة بين مبدأ الوحدة ومبدأ الحرية. فحتى عام 1848 ظلت ألمانيا، على عكس فرنسا، مقسومة إلى دويلات عديدة يحكمها أمراء مستبدون. وكانت شبه دستورية أو لا دستورية بالكامل بمعنى أن الحاكم كان يفعل ما يشاء برعيته.

والبحث عن الوحدة القومية كان يرتكز على إرادة البورجوازية في التحرر من الإقطاع والرغبة في التوصل إلى الحرية السياسية التي كانت فرنسا وانجلترا قد توصلتا إليها منذ زمن طويل. وبالتالي فألمانيا كانت في حالة تأخر بالقياس إلى الأمم الأوروبية الأخرى.

ولذلك فإن البورجوازية والحركة الوطنية والديمقراطية حاولتا استدراك هذا التأخر وقامتا بثورة 1848-1849 التي فشلت في نهاية المطاف. لقد فشلت في تحقيق الوحدة من خلال الحرية، أو الحرية من خلال الوحدة بسبب مقاومة التيار المحافظ والرجعي لها.

وبعد الحرب العالمية الأولى حاولت جمهورية فايمار أن تربط بين الوحدة والحرية. ولكن الأزمة الاقتصادية التي أصابت البلاد عام 1930 أدت إلى صعود النازية وسقوط جمهورية فايمار الليبرالية والديمقراطية. وهكذا عادت ألمانيا إلى الاستبداد من جديد. وظلت موحدة بل وضمت إليها النمسا ولكن من دون حرية.

ولم تحقق ألمانيا الوحدة من خلال الحرية والحرية من خلال الوحدة إلا بعد سقوط جدار برلين عام 1989. وهكذا لزم عليها مئة وخمسين سنة لكي تحقق الوحدة والحرية في ان معا، وبعد أن مرت بحربين عالميتين ومآس لا حصر لها ولا عد. حقا أن التاريخ الألماني فريد من نوعه ولا يشبه أي تاريخ آخر.

فالواقع أن ألمانيا حققت الثورة الصناعية والتكنولوجية في ظل بسمارك ولكن بدون ثورة سياسية أو ديمقراطية. فالرجل لم يعط حق التصويت إلا للرجال البالغين وحرم النساء منه. وبالتالي فديمقراطيته ظلت ناقصة. وهكذا حصل تناقض بين التقدم الاقتصادي والصناعي من جهة، وبين التأخر السياسي واستمرارية الاستبداد من جهة أخرى.

وهذا يشبه الوضع الذي تعيشه الصين حالياً. والأسئلة التي يطرحها المؤلف هنا هي التالية: لماذا احتاجت الوحدة الألمانية إلى ثلاث حروب مع الدنمارك والنمسا وفرنسا لكي تتحقق وتصبح أمرا واقعا؟ ولماذا لم تتحقق عن طريق ثورة شعبية من تحت كما حصل عام 1848 وإنما عن طريق ثورة محافظة من فوق على يد بسمارك؟

ولماذا أدت الثورة الصناعية إلى تقوية القيم التقليدية والإقطاعية بدلا من تفكيكها كما حصل في انجلترا وفرنسا؟

وكيف حصل أن تحققت الليبرالية الاقتصادية في ألمانيا آنذاك من دون الليبرالية السياسية؟ أليس ذلك مناقضاً لقوانين التاريخ ومنطق العقل؟

ثم هناك سؤال مهم جدا وينبغي طرحه: لماذا كانت ألمانيا الدولة الصناعية الوحيدة التي سلّمت قيادها للفاشية والنازية عام 1933؟ في الواقع أن تاريخ ألمانيا يبدو وكأنه صعود إلى القمة ثم هبوط إلى الحضيض في كل مرة.ولكن يبدو أن ألمانيا تغلبت على شياطينها الداخلية بعد عام 1990 عندما أصبحت دولة موحدة من جهة وليبرالية ديمقراطية من جهة أخرى.

وبالتالي فلا يتوقع أحد أن تستسلم من جديد لإغراءات القوة وتفرض على العالم حربا عالمية جديدة كما فعلت في السابق. حقا لقد عقلت ألمانيا بعد طول هيجان وجنون. ولكن هل تخلت عن أحلام القوة والعظمة ياترى؟

* الكتاب:الرايخ الألمانيمن بسمارك إلى هتلر (1848-1945)

* تأليف: جان ماري فلونو

* الناشر: أرمان كولان باريس 2005

* الصفحات: 318 صفحة من القطع الكبير

Le Reich allemand

(de Bismark à Hitler (1848 -1945)

Jean-Marie Flonneau

Armand Colin- Paris 2005

p.318

Email