الشعر العربي في الخليج

الشعر العربي في الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

عن ندوة الثقافة والعلوم بدبي، صدر كتاب «الشعر العربي في الخليج / موضوعاته وخصائصه» للدكتور أحمد بن راشد القيشي الشحّي، الذي أوضح في مستهل بحثه أسباب اختياره لموضوع هذا الكتاب، والصعوبات التي واجهته آن بحثه وجمعه للمدونة الشعرية ذات البنية البيتية (العمودية) التي بلغت كما هو مثبت نحو 117 مجموعة أو إصداراً يتضمن الأعمال الكاملة،

وذلك نظراً لسعة منطقة البحث: دول الخليج الست، وطول الفترة الزمنية التي تحرّك فيها: ما بين عشرينيات القرن وحتى العام 2000. وهي بلا شكّ فترة زمنية طويلة جداً تغيّرت خلالها بلدان الخليج اقتصادياً وتطوّرت اجتماعياً وثقافياً بشكل جذريّ، على نحو لا يمكن رصد ودراسة الشعر فيها إلاّ من خلال هذه المعطيات المهمّة لكلّ باحث،

ولكننا مع الأسف سوف نرى أن مؤلّف الكتاب سيتغاضى عن ذلك، وسيعمد إلى دراسة الشعر وفق منهجية تقليدية تخضع الشعر لأغراض قديمة تعود إلى زمن الكتابات الجاهلية والإسلامية الأولى: المديح، الرثاء، الغزل ودون أن يربط بين هذه المدوّنة وبين أزمانها وأسباب توجّه الشعراء هذه الوجهة أو تلك، اللهم لولا تخصيصه فصلاً خاصاً لقضية الوحدة العربية والخليجية كموضوع حديث نسبياً.

قسّم المؤلّف كتابه إلى قسمين أو بابين رئيسين: الأول اعتنى بالحركة الشعرية فقط، بينما الثاني ذهب إلى نقد الدراسات التي تناولت الشعر الخليجي. وقد احتوى الباب الأوّل خمسة فصول أساسية، ضمّ أوّلها شعر المديح واحتوى مباحث ثلاثة: أولها «شعر الابتهالات بين الرمز والدلالة»، حيث أكّد في بداية بحثه سبب اهتمام شعراء الخليج بشعر الابتهالات وذلك نظراً لارتباطه بعقيدتهم السمحة.

فتلخّصت أغراض قصائدهم في قيم الإيمان والعدل والالتزام بالحقّ، وإلى ذلك فإنه سوف يتابع المدوّنات الشعرية التي اهتمّت بهذا الجانب. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه على القارئ في هذا المقام، هو سبب إدراج شعر الابتهالات من ضمن غرض المديح، سيما وأنه يختلف من حيث التوجّه عن شعر المديح، ويختلف أيضاً عن شعر مدح الرسول الكريم الذي سنطّلع على جانب منه في بحث مستقل في المبحث الثاني،

بينما أفرد مبحثه الثالث لـ «مدح الملوك والحكّام والأمراء» حيث سيرصد العديد من القصائد التي قيلت في هذا .ويأتي الفصل الثاني ليتابع من خلاله غرض الرثاء في القصيدة الخليجية، وقد ضمّ مبحثين: رثاء الملوك والحكّام بين الحزن والبعث، و رثاء الشهداء بين الوفاء والتحدّي، فتابعنا معه القصائد التي قيلت في هذا الغرض ومن ذلك قصيدة رثاء للمغفور له: الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.

بينما في المبحث الثاني، فإنه سيطلعنا على المراثي التي رثت بعض الشخصيات العربية المهمّة، ك: عمر المختار، عدنان المالكي وغيرهما، وإلى ذلك سيبيّن توجّهات هذا الضرب من الشعر، وسينتقد في بعض الأحيان البنية الإيقاعية من أوزان وقواف، ثمّ يقارب بينها وبين أبيات أخرى مشهورة قيلت من قبل.

الفصل الثالث، سيبحث في شعر الغزل ومجالاته، وقد جاء في أربعة مباحث: أوّلها الغزل في مقدّمات القصائد، جرياً على عادة الشعراء القدماء في المقدمات الطللية الغزلية، وقد تتبّع المؤلّف العديد من القصائد التي احتوت غزلاً في مقدّماتها،

لينتقل بعد ذلك إلى ما أسماه الغزل الحسّي فحلل قصيدتين لكلّ من الشاعرين: أحمد محمّد آل خليفة، والشيخ علي بن سعود آل ثاني. ومن الإمارات سيختار من غزليات الشاعر سلطان العويس قصيدة «وتعجبني» ليؤكّد من خلالها براعة الشاعر في بناء اللقطة المشهدية الغرامية.

أما الغزل العفيف، فهو بدوره حاضر في المشهد الشعري الخليجي، ويبرر المؤلّف هذا الحضور بسبب من «جوّ الخليج المحكوم بسلطة التقاليد وسلطة الأصالة» اللتين فرضتا الكثير من الضوابط الدينية والاجتماعية والأخلاقية، فانعكس ذلك على شعرهم الغزلي الذي امتاز بـ «عفة الشاعر في هواه وصدقه في حبّه» كما جاء بتعبيره.

وإلى ذلك فإن المؤلّف سيميز بين نسقين شعريين في قصيدة الغزل: النسق التقليدي الذي أشرنا إليه بالغزل الحسّي والعفيف، والنسق الحديث الذي تأثّر بالواقع المستجد وقيمه الثقافية، وخصوصاً التطوّر الحضاري الذي ألمّ بالمنطقة،

فجاءت الغزليات أكثر ارتباطاً بثقافة العصر، ومن ذلك سيختار قصيدة للشاعر صقر بن سلطان القاسمي، ليبيّن مدى اقترابها من القصيدة «النزاريّة» لغة وصورة وإيقاعاً وقافية، وسوف يؤكّد بعد ذلك أن هذه القصيدة تشكّل وجهاً متطوّراً مما نسمّيه بـ «حداثة الشعر» وذلك من حيث الدخول المباشر إلى الموضوع، والتلقائية في الحوار والعفوية وغير ذلك.

الشاعر الخليجي في مواجهة القضايا العربية والخليجية، هو عنوان الفصل الرابع، الذي ضمّ مبحثين: الوحدة العربية بين الواقع والآفاق، و معركة التحرير والبناء في الشعر الخليجي، وقد تساءل في مستهل بحثه عن ممكنات نهضة الثقافة والأدب والشعر في الخليج، وعن الكيفية التي عبّرت عنها القصيدة الثورية مختزلة تراكماً كبيراً من الدراسات على حدّ تعبيره،

ليستخلص بعد ذلك وجود خطّين تحكّما في مسيرة الحركة القومية والوحدوية التي نادت بالتحرر والبناء: حركة الثقافة وما جرى فيها من تعديل وتصحيح وتجديد، مما كوّن استعداداً ذاتياً للأديب الشاعر قاده إلى تغيير الفعل الثقافي ومن ثمّ الشعري.

وبموازاة هذا الخطّ سينوّه المؤلّف إلى وجود خطّ مواز، هو خطّ الواقع المحلّي الخليجي ووعي الشاعر لمسألة الاستعمار وارتقائه إلى مستوى الحدث ثمّ الانطلاق به عربياً وإسلامياً وعالمياً، حيث على الصعيد العربي فقد تغنّى شعراء كثر بالوحدة السورية المصرية كخطوة أولى في سبيل الوحدة الكبرى،

وسوف يستعرض العديد من النصوص التي تناولت هذا الغرض، بالإضافة إلى رصده للشعر الخليجي وهو يخوض معركة التحرير والاستقلال، ومن ثمّ الأشعار التي تناولت البعد الاجتماعي والثقافي كجزء متمم لمعركة التحرير، وما يتعلّق بها من تعليم هادف وتثقيف واع، ومشاركة المرأة في عملية التنمية وباء الأسرة والمجتمع.

وفي جانب البنية الفنية للقصيدة الخليجية، سيبحث المؤلّف في جملة الخصائص الفنية التي تأسست عليها هذه القصيدة، وذلك وفق مستويات عدة حددها ب: المستوى المعجمي، المستوى الإيقاعي العروضي واللفظي والتركيب، ثمّ المستوى التركيبي الأسلوبي ومجالاته المتعددة كوحدة الموضوع والوحدة العضوية، وربّما لو أن المؤلّف اعتمد هذا المنهج لدراسة القصيدة الخليجية وتطوّرها من حيث البناء والتوجّه ما بين مرحلتين أو أكثر، كان سيدفع بها نحو فضاءات أخرى أكثر حداثة، وأكثر تواصلاً مع المنتجة النقدية الحديثة في المشهد الثقافي العربي على الأقل.

الباب الثاني الذي خصّه للدراسات العامة والخاصة التي تناولت الشعر الخليجي، يمكن عنونته بـ «نقد النقد»، حيث يتساءل في مقدمة مبحثه عن مدى مشروعية هذا البحث، وعن أسباب تخصيصه في باب مستقل، وسيعلل ذلك بأن ثمة تراكماً هائلاً من الدراسات والأبحاث التي كانت كلّها، ولأسباب علمية ومنهجية، دافعاً أساسياً وراء اختيارنا هذا الموضوع مجالاً لهذه الرسالة، مما يفرض بالضرورة وضعه في مرآة الدارسين واختباره.

ومن ناحية أخرى أنه باعتماده المنهج التكاملي ورصده للنتاج الشعري الخليجي، سيغطّي جانباً من النقص الذي احتوته هذه الأعمال. وإلى ذلك فإنه سوف يقسّم الباب إلى فصلين رئيسين: أوّلها الدراسات العامّة حول الشعر الخليجي، وقد تابع من خلاله الكتب التالية: أدباء من الخليج العربي لعبد الله أحمد شباط، الأدب المعاصر في الخليج العربي لعبد الله محمد الطائي، ومعجم البابطين لشعراء العرب المعاصرين، وفي بحث مستقل سيدرس كتاب «تطوّر الشعر العربي الحديث بمنطقة الخليج» للدكتور ماهر حسن فهمي.

أما بالنسبة للدراسات الخليجية الخاصّة فإنه سيتابع العديد من الكتب والإصدارات ومن ذلك: موسوعة الأدباء والكتّاب السعوديين خلال ستين عاماً لأحمد سعيد بن سلم، والأدب القطري الحديث للدكتور محمّد عبد الرحيم كافود.

وأخيراً في المبحث الثاني سيتوقف عند الدراسات العربية الخاصّة لكلّ من الدكتور يوسف نوفل وكتابه «قراءة في ديوان الشعر السعودي، والدكتور نزار أباظة وكتابه «الاتجاهات الأساسية للشعر الحديث في دولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتور أحمد درويش في كتابه «تطوّر الأدب في عمان، ليختتم كتابه بخاتمة أوجز خلالها توجّهاته البحثية.

عزت عمر

الكتاب: الشعر العربي في الخليج موضوعاته وخصائصه

الناشر: ندوة الثقافة والعلوم دبي 2004

الصفحات: 262 صفحة من القطع الكبير

Email