النساء في لوحات المستشرقين

النساء في لوحات المستشرقين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يحاول كتاب «النساء في لوحات المستشرقين» لمؤلفه لين ثورنتون رصد تجليات هذا الكائن الجميل، في لوحات المستشرقين الباحثين عن الجديد المختلف والمتميز، من العوالم، بعد أن استهلكوا عوالمهم وفنونهم التي اجتروا فيها قروناً طويلة، التراث الإغريقي الروماني.

حيث يجتهد المؤلف في رسم صورة شاملة للنساء في لوحات المستشرقين، حيث تمتعت القصص النابضة بالحيوية التي كانت (شهرزاد) ترويها في (ألف ليلة وليلة) وهو الكتاب المعروف على نطاق واسع في أوروبا باسم (الليالي العربية) والمستمر حضوره وتأثيره في عوالم الغرب عموماً، حتى يومنا هذا. بعد استعراض تفاصيل كثيرة مدعومة بالتواريخ والأسماء، لتأثير الليالي في الغرب، بدءاً من العام 1704 الذي أنجز فيه (أنطوان غالان أول ترجمة لكتاب ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية، وحتى تاريخه، يعدد الكاتب (ثورنتون) العوامل التي أدت إلى إيقاظ الغرب على الشرق.

والمظاهر والوسائل التي ساهمت بتسريع هذا الاهتمام، كالمسرحيات، والحفلات، والأزياء، والمشغولات الحرفيّة، وغير ذلك من الفنون التي عبرت إلى أوروبا من الشرق، عبر تركيا العثمانية.

وفي بداية القرن التاسع عشر، بدأت أعداد الأوروبيين الذين يسافرون إلى الشرق الأوسط، تتزايد، وتالياً أخذ اهتمام الأوروبيين يتجاوز الدولة التركية إلى ما ورائها.

من جانب آخر يعتبر لين ثورنتون أن (ألف ليلة وليلة) بداية القرن العشرين أطلقت ثورة جديدة باتجاه الشرق، عندما قام عالم البصريات (إدوارد لين بوضع ترجمة رصينة لهذه القصص إلى اللغة الإنجليزية بين سنتي 1838 ـ 1840.

وتبعه بعد ذلك المستعرب (ريتشارد بورتون الذي وضع ترجمة لتلك القصص مرة أخرى، بطريقة رائعة ومفعمة بالأحداث الشهوانيّة. وتسبب هذا العمل النابض بالحيويّة لدى نشره سنة 1885، بحواشيه الرائعة الممتلئة بالتفاصيل والمعلومات المعرفيّة التي لم يُحذف منا ما يمكن اعتباره مساساً بالفضيلة، بإحداث ضجة بين الأوروبيين.

يرصد لين ثورنتون العديد من لوحات المستشرقين، التي تظهر فيها النساء حالة من الاسترخاء ؛ دون أن يقمن بأي عمل. وكن إما وحيدات أو يتبادلن الإشاعات مع مرافقاتهن، أو يغرقن في أحلام اليقظة، أو يلوّحن بمروحة أو بمذبة لطرد الذباب.

وكان قضاء الوقت على هذه الشاكلة يشبه إلى حد بعيد، عمل جمعيات الترفيه في العالم الغربي في ذلك الوقت. وفي معظم الأحيان، كان يتم تصوير امرأة الحرملك، خليعة ولعوباً، مهووسة باللهو والتسلية. كما احتل التبغ ركناً بارزاً في الحياة اليومية لكل الطبقات الاجتماعية، وكان شائعاً بين النساء، كما صورته هذه اللوحات.

ويشير لين ثورنتون إلى أن نظافة وطهارة الجسد، واجب ديني في بلاد الإسلام، لكل من الرجال والنساء، على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، ولهذا ليس مفاجئاً أن تتطور مؤسسة الغسل العام أو (الحمام) بسرعة وبشكل منظم، تزامناً مع توسع الإسلام.

وفيما كان الحمام العام لدى الرومان يتركز في المدن الكبرى، كانت الحمامات الإسلاميّة أكثر انتشاراً، وكانت تجري فيها، عمليات التجميل والتزيين والتدليك، ونتف شعر الوجه، وتبييض الأسنان، ووضع الماكياج، وهذا كله (إضافة إلى الملابس الرائعة) قدم المرأة الشرقية في الحرملك، بصورة رائعة وبهية وجميلة، انبهرت بها نساء الغرب.

يقول لين ثورنتون ان لوحات المستشرقين صورت النساء الشرقيات، ضمن وضعيات مختلفة: في الحرملك، وفي الحمامات والمغاطس، وفي الاحتفالات الترفيهية المتعددة الأشكال والطرز.

وكان بينهن الموسيقيّة، والراقصة. وكانت هذه الاحتفالات، إما دينيّة أو دنيويّة، لكنها كانت جزءاً أساساً من الطقوس والشعائر، وليست مخصصة للترفيه الشخصي. وقد عالج الفنان الفرنسي الشهير (أوغست رودان) هذا الموضوع في لوحة (احتفال عربي في الجزائر العاصمة 1881) والموجودة في متحف (أورساي) في باريس، وفيها يحيط حشد من المتفرجين بالراقصين في العيد الكبير (عيد الأضحى).

لطالما كانت قوافل الجمال جزءاً من الصورة المجازية للعالم الشرقي، ولهذا تظهر غالباً في لوحات المستشرقين، عبر قوافل يقودها جمل أبيض، وتعلو ظهور بعضها، الهوادج التي تجلس فيها النساء. كما سجل فنانون آخرون النساء وهن يقمن بالنسيج في ورشات خاصة، أو في بيوتهن، أو وهن يمارسن الفلاحة والزراعة، أو ينقلن الماء، أو يغسلن الملابس.

أو وهن في الشوارع والأسواق، أو وهن يمارسن مهنة البيع، وغير ذلك من المشاهد التي تقدم المرأة الشرقية، بصورة موضوعيّة، خالية من البهرجة والمبالغات الخيالية، التي حاول بعض الفنانين الأوروبيين من خلالها، إسقاط أهوائهم ونزوعاتهم وأحلامهم، على الرؤية الأحادية الجانب التي نظروا من خلالها إلى الشرق، وكانت المرأة الجميلة، المثيرة، والمثاليّة، بطلتها المطلقة.

الحرملك

يؤكد لين ثورنتون أن موضوع تصوير النساء الشرقيات في مخادعهن كان الأكثر انتشاراً في لوحات المستشرقين. وقد كان (الحرملك تحديداً) منطقة يُحظر على الرجال الغرباء دخولها، وهذا ما أطلق العنان لمخيلة الفنانين لنسج عوالم عجيبة وغريبة مترفة بالجماليات الحسيّة في أعمالهم، مع ملاحظة اختلاف تعاطيهم مع هذا الموضوع، بحيث كان الأمر مثيراً للشهوات لدى فئة، وتجسيداً لألفة العائلة الشرقية المعروفة لدى الأوربيين، لدى فئة أخرى.

د. محمود شاهين

الكتاب: النساء في لوحات

المستشرقين

المؤلف: لين ثورنتون

الناشر: دار المدى

دمشق 2010

الصفحات: 120 صفحة

القطع: الصغيرة

Email