في مديح الحب

في مديح الحب

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«في مديح الحب»، هذا هو عنوان فيلم سينمائي للمخرج جان لوك غودار، لكن الفيلسوف الفيلسوف الفرنسي الأكثر شهرة اليوم «يستعير» هذا العنوان لكتابه الأخير الذي يتحدث فيه عن الحب. من المعروف عن باديو أنه «أحبّ» دائما الثورة، لكن هذا لا يمنعه من القول: «بدون الحب ليس هناك فلسفة».

وهو يشرح مثل هذه المقولة بالاعتماد على أحد أكبر فلاسفة الإنسانية، أي أفلاطون الذي أقام، كما يؤكّد باديو، علاقة وثيقة «لا انفصام لها» بين الفلسفة والحب. ذلك على أساس أن الفلسفة في صميمها هي «حب الحقيقة»، بالمعنى العميق للكلمة. ويرى باديو أن من يعرف الحب، بالمعنى الأسمى للكلمة، وليس بالطريقة التي اختزله إليها مجتمع الاستهلاك، يكون قادرا للتعرّف على الحقيقة. ويأتي هذا الكتاب على صيغة حوار بين المؤلف-الفيلسوف وبين الصحفي نيكولا ترونغ. ويدافع فيه باديو عن مفهوم للحب بعيد عن الرومانسية، وبعيد أيضا عن الصيغ القانونية الجامدة. إنه يتصوره بالأحرى نوعا من إنتاج «حقيقة عن العالم» بصياغة كائنين. ذلك أنه: «ينبغي إعادة اختراع الإحساس بالمخاطرة والمغامرة، ضد الركون إلى الأمان والرفاهية. الحب هو سلوك للحقيقة... الحقيقة المنقسمة على اثنين. عالم واحد ينقسم فيه الكائن إلى اثنين» فيا «ليلى وقيس أين أنتما»؟

والحب، كما يقدمه الفيلسوف الكبير، هو عملية تحوّل، خلق، «الحب هو الانتقال من الحدث-اللقاء إلى بداية بناء للحقيقة. هذا معناه أن ما كان مجرد صدفة سأحاول أن أجعله استمرارا، شيئا آخر، إصرارا، التزاما، إخلاصا. هذا الانتصار الطويل له معنى أكبر قيمة بكثير من مجرّد التقرّب جسديا من آخر (...) وكل قرار بإنهاء الحب من طرف واحد هو كارثة دائما. الحب هو فكر».

وعبر «مديح الحب» يقدم الفيلسوف الان باديو مجموعة من الأفكار عن الحب في عالمنا المعاصر. إننا نفهم أن الحب مهدد ذلك منذ اللحظة التي يتم البحث عنه عبر شبكات الانترنت. والحب مهدد أيضا لدى أولئك الذين يصبغون عليه «مفهوما أمنيا». من هنا يبحثون عن يبحثون عن تطبيق قاعدة بسيطة، لكنها «خطيرة على الحب».

وتتمثل في المفاضلة بين هذا وذاك، أو بين هذه أو تلك، على أساس أن «الأمور ستجري بدون مخاطرة». كل شيء محسوب إذن، بعيدا عن الصدفة وعن اللقاء وبالتالي «يضيع كل الشعر عن الحياة». و لا يتردد المؤلف في التأكيد أن الحب لا يمكنه أن يقوم في ظل الغياب الكامل للمخاطرات.

فمجرد أن «يسقط المرء في حبال الحب» يعني أنه قد خاطر بإمكانية الألم والخطأ وخيبة الأمل. لكنه يعطي مع ذلك دلالة و«كثافة» للحياة. «الحب ينبغي اختراعه من جديد»، كتب ارتور رامبو ذات مرة.

ومن الملاحظ أن الان باديو يغرف الكثير من مرجعياته عن الحب من التراث الكلاسيكي لمشاهير العشّاق في التاريخ وفي الأدب مثل «روميو وجولييت» و«تريستان وايزوت» و«ليلى والمجنون-قيس».

تجدر الإشارة إلى أن اندريه ميكل، أستاذ الأدب السابق في جامعة السوربون قد ترجم «ليلى والمجنون» إلى اللغة الفرنسية. كذلك تتردد كثيرا في تحليلات المؤلف عن الحب أعمال كبار الكتّاب والأدباء من أمثال موليير وماريفو، صاحب المسرحية الكلاسيكية الخالدة «لا يمكن المزاح مع الحب»، وذلك كي يبيّن موقع «الحب» في منظومته الفلسفية.

يقول افلاطون في جملة له: «عندما يُثير إعجابي جسد جميل، أكون في الطريق نحو الفكرة». ويقول الشاعر بول كلوديل: «الحب هو التحرر من أمر ما كان يبدو وكأنه مستحيل».

ألان باديو يرى أن الحب هو العاطفة التي يشترك فيها البشر و«الحب يقاوم (...) ويمكن لملك أن يعاني من عذاب الحب حقيقة»، ذلك مثل أي إنسان بسيط.ويرى الان باديو أن هناك أربع تجارب أساسية في الحياة الإنسانية تمثل شروطا لا يمكن تجاوزها لولوج الفكر الفلسفي وهي العلم والفنون والسياسة والحب.

ويردد القول إنه ربما يوجد من المآسي في الحب بمقدار ما يوجد منها في السياسة. لكن الحب أصبح نادرا بالقياس إلى الفشل وسوء التفاهم. ومن واجب الفلسفة أن تمنح الإنسانية الشجاعة من أجل الخلق والإبداع وتأكيد ذاتها.

ومن هنا تأتي أهمية الدعوة للحب. هذا الحب المهدد اليوم من قبل «الجبهة اللبرالية» التي تحاول «توظيفه» اجتماعيا واقتصاديا، ومن قبل «الجبهة اللبرالية» التي تحاول «توظيفه» اجتماعيا واقتصاديا، ومن قبل «الجبهة الداعية للتحرر» التي اختزلته إلى مجرد إشباع الغرائز واللحظات العابرة، ولجميع أولئك الذين فقدوا ملكة قول «أحبك» لصياغة العالم «على اثنين»، قد يكون هذا الكتاب «صدمة».

الحب والفلاسفة

يناقش المؤلف في هذا الكتاب علاقة الفلاسفة بالحب. وهكذا يتحدث عن علاقات متنوعة أقاموها مع هذه العاطفة الإنسانية وتراوحت بين «الحب-المضاد» أو «مناهضة الحب» لدى شوبنهاور وصولا إلى «الحب كمستوى أعلى للحياة» عند كيركيغارد.

وبكل الحالات يرى باديو أنه لا يمكن اختزال الحب إلى مجرّد مفهوم باعتباره «بناء للحقيقة». إنه العالم، كما يعيشه اثنان «انطلاقا من الاختلاف بينهما وليس ومن التشابه». ويركّز على القول أن الحب «بناء ومستدام» يعرف كيف ينتصر رغم جميع العقبات التي تواجهه.

المؤلف في سطور

الان باديو أحد أشهر فلاسفة فرنسا المعاصرين، بل الفيلسوف الفرنسي الأكثر شهرة في الولايات المتحدة الأميركية. من مواليد المغرب، عمل أستاذا في العديد من الجامعات الفرنسية والأميركية. من المعروف عنه التزامه المستمر بالأفكار اليسارية بل و«الثورية».من مؤلفاته: «نظرية الذات» و«الوجود والأحداث» و«ممَ يتكوّن نيكولا ساركوزي».

الكتاب: في مديح الحب

تأليف: الان باديو

الناشر: فلاماريون ـ باريس 2009

الصفحات: 90 صفحة

القطع: الصغير

Eloge de L'amour

Alain Badiou

Flammarion - Paris - 2009

P.90

Email