ضربة الحظ.. قصة عملية فالكيري

ضربة الحظ.. قصة عملية فالكيري

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«ضربة الحظ» كتاب يتعرّض مؤلفه ايّان كيرشو، الاختصاصي في التاريخ لقصة «عملية فالكيري». والمقصود بذلك تلك العملية التي عرف فيها ذات يوم من شهر يوليو 1944 محاولة اغتيال الفوهرر الألماني أدولف هتلر.

أما القائمون بتلك العملية فقد كانوا مجموعة من الضباط الألمان الذين تحرّكوا بدافع ما اعتبروه «إنقاذ شرف ألمانيا» ووضع حد نهائي للحرب المدمّرة التي كان هتلر قد بدأها في عام 1939 وما مثّل الإعلان عن بداية الحرب العالمية الثانية. كان قائد تلك العملية ضابطا برتبة عقيد اسمه كلاوز فون ستوفنبرغ. ويلخص المؤلف دافعه لتحضير محاولة الاغتيال تلك بجملة تقول: «كان قد حان الوقت لفعل شيء ما. لكن الرجل الذي كانت لديه شجاعة فعل ذلك الشيء كان يعرف أنه كان سيتم النظر إليه بازدراء في التاريخ الألماني كخائن. لكنه لو لم يكن قد فعل ذلك، فإنه سوف يكون خائنا مع ذلك أمام ضميره».

وما يؤكده ايان كيرشو في توصيفاته للأجواء التي رافقت تدبير تلك العملية هو أن أولئك الذين حضروها قد قاموا بعمل «بطولي»، ذلك على قاعدة إدراكهم أن «حظ نجاحها» ضئيل جدا وأن مآلها إلى الفشل يعني أنهم سوف يعرفون الموت الزؤام. لكنهم، ومع إدراكهم لجميع هذه الاعتبارات، قرروا تنفيذها بدافع أن يتركوا للأجيال اللاحقة رسالة مفادها أنه كان هناك ألمان أدركوا المزالق الخطيرة التي انحرف باتجاهها النظام النازي وأنهم لم يكتفوا بإدراك ذلك ولكنهم انتقلوا إلى الفعل في محاولة قتل المسؤول الأول عن ذلك كله.

ويُعيد المؤلف أول إعلان أفصح عنه الضابط ستوفنبرغ عن استعداده لقتل ادولف هتلر إلى تاريخ 24 سبتمبر 1942. كانت الحرب العالمية الثانية آنذاك في أوج اشتعالها ذلك أمام ضباط آخرين وفي ذلك اليوم قال الضابط الشاب ستوفينبرغ غاضبا حيال النوايا المعلنة لهتلر في الذهاب أبعد في المجهود الحربي وتوسيع رقعة العمليات عبر فتح جبهات جديدة ما نصّه أن «هتلر هو المسؤول الرئيسي. ولإجراء تبدل حقيقي في مجريات الأمور، تنبغي إزاحته والتخلّص منه. وأنا مستعد لفعل ذلك». صمت المستمعون، وبدا مع ذلك أن الكثير يشاركونه أفكاره.

وتشير التحليلات المقدّمة إلى أن الضابط كلاوز فون ستوفنبرغ كان في مطلع عقد الثلاثينات متحمسا لصعود هتلر سلّم السلطة. ولكن مع بدايات الحرب العالمية الثانية ومشاركة الضابط الشاب في الحرب بأوكرانيا اكتشف «المعالجة غير الإنسانية التي كان يتعرّض لها المدنيون» ورأى بعينيه «رعب المجازر». وتكوّنت لديه شيئا فشيئا قناعات ثابتة أن «المستبد يبحث دائما عن مصلحته وليس عن مصلحة رعاياه»، كما جاء في كلمة كان يرددها وهي للقديس توما الأكويني.على خلفية دوافع وطنية وعلى مثل تلك الأفكار والقناعات غدت الدعوة إلى التمرّد بالنسبة له «واجبا أخلاقيا».

وشرع في ذلك السياق بالاتصال بعدد من الجنرالات كي يحثّهم على عدم الانصياع لكل ما يصدر إليهم من أوامر دون أي نقاش. وما تتم الإشارة إليه هو أن ستوفنبرغ كان يعتقد بصورة ما أن القدر قد اصطفاه لتنفيذ مهمة التخلّص من هتلر. وكان بذلك أحد خصوم النازية رغم كونه بنفس الوقت من المقرّبين من هرم سلطتها.

وفي الأول من شهر يوليو- تموز 1944 جرى تعيينه كرئيس أركان لجيش الاحتياط مما أعطاه فرصة إمكانية الدخول باستمرار إلى حيث يوجد هتلر. هكذا وجد نفسه بتاريخ 20 يوليو من نفس السنة في مقر قيادة أركان الفوهرر وهناك طلب أن يخلد للراحة قليلا ويغيّر سترته، فأدخله الضابط المسؤول، باعتباره من معاقي الحرب، إلى غرفة الخرائط حيث كان سيتم الاجتماع مع هتلر وجنرالاته. لقد وضع قنبلة تحت الطاولة التي سيجري فيها ذلك الاجتماع وحرص على جلوسه بالقرب من «الفوهرر» فكان له ذلك. وبعد أن جهّز القنبلة وصاعقها خرج من الغرفة بحجة القيام باتصال هاتفي. انفجرت القنبلة ورأى ستوفنبرغ رجال الإسعاف وهم يُخرجون أحدهم على نقّالة وهو مغطّى بمعطف هتلر. لقد أيقن أن هتلر قد مات. وأن «عملية فالكيري» قد نجحت.

توجّه ستوفنبرغ بعد خروجه مسرعا من مقر القيادة إلى برلين لتنفيذ الانقلاب الذي كان قد حضّره مع متآمرين آخرين. لكن «الحظ العاثر» تدخل فهتلر لم يُصب سوى بجروح طفيفة. بل ويؤكد المؤلف أنه قد حافظ على هدوء أعصابه، لكن ذلك لم يمنع واقع أنه اهتز بداخله بسبب «خيانة» جزء من قيادة أركانه. وكان انتقامه رهيبا، كما يشرح المؤلف في فصلين من الكتاب تحت عنوان «نجاة الفوهرر» و«العقاب». تجدر الإشارة إلى أن «عملية فالكيري» هي موضوع عمل سينمائي جرى عرضه للمرّة الأولى في الفترة القريبة الماضية.

التصميم

كاد ستوفنبرغ أن يفقد حياته في تونس أثناء الحرب العالمية في تونس. لقد أصابته شظايا قنبلة مما أدّى إلى فقدانه عينه اليسرى ويده اليمنى وثلاث أصابع من يده اليسرى. عاد بعدها إلى ألمانيا في نيّة استكمال الخطة التي كانت قد أصبحت ملحّة في نظره ؛وذلك ما عبّر عنه بالقول في أحد الاجتماعات: «لقد انتهى زمن احتساء الشاي والنقاش في الصالونات».

المؤلف في سطور

يعمل ايان كيرشو أستاذا للتاريخ الحديث في جامعة شيفيلد البريطانية. وهو أحد المؤرخين البريطانيين ذوي الشهرة العالمية في التاريخ الألماني خلال فترة الحكم النازي. سبق له وقدّم العديد من الأعمال عن تلك الفترة من بينها «سيرة حياة هتلر» الذي غدا مرجعا عن النازية، و«أسطورة هتلر، المخيلة والواقع في ظل الرايخ الثالث» الخ.

الكتاب: ضربة الحظ: قصة عملية فالكيري

تأليف: ايان كيرشو

الناشر: بنغوان برس - لندن ـ 2008

الصفحات: 176 صفحة

القطع: المتوسط

Luck of the devil: the story of operation Valkyrie

Ian Kershaw

Penguin Press - London- 2008

176 P.

Email