لمحات حول المرشدية

لمحات حول المرشدية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو نور المضيء أحد أبناء سلمان المرشد منشئ حركة المرشدية التي يحاول الكتاب الذي نعرض له تقديم لمحة عنها تعبر بالطبع عن رؤية الحركة باعتبار الصفة التي تسم المؤلف كابن للمؤسس الأول وهو ما يكشف نور المضيء عنه منذ البداية.

يشير المؤلف في هذا الخصوص إلى أنه يتوخى تقديم صورة حقيقية ولو مصغرة عما يسميه الهوية المرشدية من خلال لمحات عن الحركة وماهيتها وتاريخها وأعرافها في محاولة كما يذكر نور المضيء مرشد لدحض بعض الافتراءات على الحركة، وحسبما يذكر المؤلف فقد اعتمد في كتابة الأحداث على روايات المعاصرين من المرشدين وعلى الوثائق الرسمية ووثائق عربية وأجنبية وإن كان اعتمد بشكل كبير على مشاهداته العينية خاصة انه يكتب عن تاريخ كان طرفا فيه.

والمرشدية حسب تعريف الكتاب هي حركة وليست حزباً سياسياً وإن كان التمعن في طبيعة المرشدية وفق أغلب الكتابات التي تناولتها يشير الى أنها في التعريف النهائي طائفة انشقت على طائفة أخرى هي العلوية في سوريا.

وقد أكسبها صاحبها ومؤسسها سلمان المرشد ، حسب نور المضيء، طابعا أخلاقيا طاهرا يقصد اكتساب رحمة الله، فهي كما يقول المؤلف ليست نظاما اجتماعيا ولا برنامجا اقتصاديا، وهي تعنى أو تعتني بطهارة السريرة لا بقوانين الإدارة وهي تبارك كل ما من شأنه تهيئة إكمال الفرد وإبراز جمال المجموع وترفض كل ما من شأنه إعاقة كمال الفرد وتشويه جمال المجموع.

ويقسم المؤلف كتابه إلى عدة أقسام منها التأسيس وقيام الدعوة، ثم قسم بعنوان مجابهة وأخير بعنوان اقتلاع الأشواك، في حديثه عن التأسيس يعرفنا بالعشيرة الغسانية والتي استقرت في أعالي جبال الساحل السوري التي لم يطلها حكم الإقطاع ويذكر أن العشيرة الغسانية كانت تتألف من ثلاث عشائر هي العمامرة والدراوسة والمهالبة.

وتنتشر مجموعات من أبناء هذه العشائر في جبل الحلو وفي جوار دمشق وعلى حدود فلسطين وذلك قبل أن يوحدها حسب الكتاب سلمان المرشد في عشيرة واحدة تحت اسم بني غسان. وكان جيران هذه العشيرة يطلقون عليها اسم الغيبية أي الذين يؤمنون بالله أنه غيب ولا يمثلونه بأي شيء في الكون.

ثم يعرض لصيحة سلمان مؤسس الطائفة ودعوته الى المساواة في عام 1923 أي أنها زامنت الحركات السورية الداعية الى الاستقلال وقد كان من الطبيعي أن تتماشى معها ولكن بشروط المساواة وتغيير النظرة الطائفية والطبقية بحيث يصبح جميع أبناء البلاد متساوين في الحقوق ويصبح للغساني وغيره من سكان الريف حق سكان المدن.

وقد سمعت حكومة الانتداب بحركة سلمان فحاربتها كما حاربت بقية الحركات وبشكل أشد حيث نظروا إليها على أنها حركة مذهبية تحررية ولذلك فهي أخطر من سواها لما لها من قابلية الانتشار بين الناس في دولة الساحل التي كانت فرنسا قد احتلتها في 1918 وقضمتها عن سوريا سنة 1920.

ثم يرصد صدى صيحة سلمان في دول عربية وأجنبية نلمح من خلالها إشارة بعض وسائل الإعلام اليه باعتباره «نبياً» في منطقة العلويين ولعل ذلك هو سر نفور الناس من الدعوة خاصة في ضوء ما أشارت اليه بعض المصادر من جدل بشأن دعوة سلمان المرشد الناس الى اتخاذه إلها وهو ما ينفيه أتباع المذهب.

غير أننا نجد في سياق الشهادات التي يوردها نور المضيء رؤى مختلفة حيث أشارت بعض المصادر الى أن سلمان أوجب على اتباعه صيام رمضان والصلوات الخمس وتعليم النساء خلافا لما جرى عليه الأسلاف بالمذهب العلوي من حظر التدين على النساء.

وقد كان من جراء دعوة سلمان وما رأته فيها السلطات الفرنسية من خطر عليها أن قررت نفي صاحبها ثم أعادته من المنفى بعد ذلك حيث جرى إعدامه عام 1946 من قبل الحكومة المركزية في دمشق.

ورغم ما سبق إلا أنه يمكن التأريخ للحركة من خلال مجيب المرشد ابن سلمان الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للحركة المرشدية والذي أطلق الدعوة باعتباره القائم الموعود في 25 أغسطس 1951، وحسب الكتاب فإنه لم يطلق على الحركة اسم المرشدية إلا بعد نشاط مجيب حيث كانت كل الأحداث السياسية والصراعات الاجتماعية التي وقعت قبل تحرك مجيب لا تلقي الضوء على الحركة المرشدية ولا تجلو حقيقتها.

ثم يذكر بعضا من ذكريات عن مجيب ومن ذلك أنه عندما كان يذهب الى السينما في دمشق كان يأخذ معه بعضا من اخوته وبعضا من أتباعه لا يخجل لثياب بعضهم الرثة ويجلس معهم في أفخم الأماكن وعندما أعيب عليه هذا العمل من بعض أخوته أرسل لهم أخاهم مرشد ليقول لهم عن لسانه بما معناه اذا كانوا هم يخجلون فهو لا يخجل بجماعته ولا يستحي بهم وقد كان مجيب كثيرا ما يقرأ في القرآن أمام الحضور وينبههم الى حقائق ـ حسب الكتاب ـ لم يكونوا لينتبهوا اليها لولا تعريفه لها.

وفي سرده لحياة مجيب يشير الى شعوره بأنه كان سيقتل وهو الأمر الذي كان يردده ويذكره، حسبما يذكر المؤلف، في مختلف المناسبات، الأمر الذي يصفه المؤلف بالغيبة، وفق بعض المذاهب، ومما يرد في الكتاب أن مجيبا سأل من معه في احدى الجلسات تحديد المدة الباقية حتى تقع غيبته وقد تراوحت الإجابات بين سنتين وثمانية أيام وسط حزن وضيق الحاضرين فكان حديثه أنها أقل من ذلك وبعد ذلك قتل على يد الملازم اول عبدالحق شحادة من الشرطة العسكرية.

من الغريب الذي يذكره المؤلف أنه بعد الغيبة - أو القتل ـ هبت رياح شديدة وتجمعت الغيوم بلحظات واستمر المطر والبرق والرعد ثلاثة أيام متتالية دون انقطاع، والمؤلف في ذلك لا يجزم تماما بحدوث هذه الظواهر وإن كان ينسب حدوثها الى حديث لمجيب بأنها ستقع عند مقتله.

يحاول المؤلف في الجزء المتعلق بالمجابهة أن يغطي الأحداث ودور ساجي خلال الفترة من أواخر 52 وحتى 1963 التي اعتاد المرشدين على تسميتها فترة العذاب وهي في الحقيقة، وفق رؤية المؤلف، فترة المجابهة حيث بقوا في الإقامة الجبرية حتى 1970.

حيث كانت المرشدية ملاحقة وكان كل مرشدي يقر بمرشديته يعتقل ويحاكم بتهمة الانتساب إلى جمعية سرية وقد واصل ساجي توليه مهام المرشد والإمام الى أن توفي في 1998 دون وصية حيث لم يوص لأحد من بعده، ولذلك يقال عند المرشديين أن إمامهم ساجي غاب ولم يمت انطلاقاً من المعتقد المرشدي بأن موت الإمام غيبته.

وقد كان من المفترض أن يكون الأخ الأصغر نور المضيء هو خليفته ولكن نظرا لأنه، حسب بعض المصادر، لا يتمتع بسلطة دينية لم يعد هناك مرجعية دينية أو «رجال دين» عند المرشدية بل هناك شخص يسمى «الملقن» يتم اختياره من قبل الجماعة المرشدية في المحلة التي يعيشون فيها، والذي يقتصر عمله على تلقين طقس الصلاة لكل من أراد مِمن يبلغ الرابعة عشرة من عمره ذكرا أو أنثى.

وفي تأكيد على هذا الأمر ينقل المؤلف نفسه سؤالا وجهه كاتب أميركي لساجي عن المكانة التي يحتلها أخيه نور المضيء ـ مؤلف الكتاب ـ في الحركة ؟ وقد كانت إجابته أن نور المضيء رجل أعمال أما مركزه في الحركة فهو مركز أخ محترم معترف له بحسن الرأي.

والمهم هنا أنه بعد 1970، وبالتحديد بعد تسلم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد للسلطة في سوريا، أطلق سراح «ساجي المرشد» وأخويه محمد الفاتح ونور المضيء من الإقامة الجبرية واكتسبت الطائفة حرية في ممارسة طقوسها مثل بقية الطوائف.

والخلاصة التي يمكن الانتهاء إليها من سرد المؤلف الذي يمكن اعتباره محاولة لتقديم المرشدية في أبهى صورها والدفاع عنها في وجه منتقديها ومن خلال غوص في الكتابات التي قدمت بشأن المرشدية أنها طائفة دينية انبثقت اثنياً وليس عقائدياً من الطائفة العلوية، أي أن المرشدين كانوا في بدايتهم من العلويين من ناحية الدم والعادات والتقاليد.

ولا يزال هؤلاء يشكلون الأغلبية بعد أن انضم إلى المرشدية أفراد من مناطق وأديان أخرى، ولكن من الناحية العقائدية فقد استقلت المرشدية تماماً عن العلوية وأصبحت طائفة دينية مختلفة عنها لها عقيدتها وطقوسها الخاصة.

ولعله مما يؤكد ذلك ما ينقله المؤلف من أقوال عن ساجي حيث يقرر: لسنا حزبا سياسيا ولا منظمة اجتماعية، نحن طائفة دينية ولكن ليس لدينا سلك مشايخ أو كهنة ولا نمارس التبشير فالدور الوحيد المتبقي لكل أخ مرشدي هو أن يستنير بدينه ويكون عونا قدر إمكانه لمن يسأل من إخوانه.

مصطفى عبد الرازق

*الكتاب:لمحات حول المرشدية

*الناشر:على نفقة المؤلف - بيروت 2007

*الصفحات:511 من القطع الكبير

Email