تاريخ الأتراك والتركمان ما قبل الإسلام وما بعده

تاريخ الأتراك والتركمان ما قبل الإسلام وما بعده

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستعرض الباحث السوري الدكتور أسامة أحمد تركماني في كتابه الأول عن دار الإرشاد « تاريخ الأتراك والتركمان ما قبل الإسلام وما بعده»، وذلك عبر بقاع الأرض من اليابان شرقاً وحتى فرنسا والجزائر غرباً، ومن موسكو وشواطئ البلطيق شمالاً وحتى أقصى نقطة في جنوب القارة الهندية وأقصى نقطة في حدود السودان في إفريقيا جنوباً. أسامة أحمد تركماني ينتمي إلى عائلة تركمانية وهو دكتور في الطب البشري العام بحمص، ويعتبر تاريخ الأتراك والتركمان أول كتاب له.

تطرق المؤلف في الجزء الأول في كتابه إلى الدول والإمبراطوريات التركية التي نشأت في العصور القديمة والوسطى قبل ظهور الإسلام، ورتبها حسب تسلسلها الزمني معتمدا في ذلك على الموسوعات الأجنبية بشكل خاص (الموسوعة البريطانية، والإنكارتا).

ويرى المؤلف أن التاريخ البشري يبدأ مع بدء الكتابة، مع ما تركه السومريون (الأتراك) أصحاب أول حضارة وأعرقها في التاريخ (حوالي 3500 ق.م) في جنوب العراق ـ بلاد ما بين النهرين ـ إذ تعد الكتابة المسمارية التي ابتدعوها أقدم كتابة في التاريخ.

وحول اللغة السومرية ذهب الباحث إلى أن تقرير علماء اللغات الذين أجروا دراسة مقارنة مع لغات اليوم أنها قديمة جداً، وليس لها علاقة مطلقاً باللغات السامية ولا بالهندية والأوربية وإنما هي لغة إلصاقية تشبه اللغة التركية الحالية.

ويؤكد المؤلف على أن السومريين من أقدم الأمم التي سكنت بلاد الرافدين، فقد أقاموا في سهل شنعار عددا من المدن منها أور، لاكاش، نيبور، واستخدموا الكتابة المسمارية والمحراث إلى أن تمكنت العناصر العربية (السامية) القديمة التي نزحت من شبه الجزيرة العربية وتوطنت بجوار السومريين في شمال سهل شنعار وتأثرت بهم في إنشاء بعض المدن منها أكاد، كيش، بابل.

ومن هنا يعتبر الباحث أن السومريين هم من أسلاف الأتراك فالتاريخ التركي القديم كتبته عنهم الإمبراطوريات العظيمة التي كانت تخضع لهم إما خضوعاً مباشراً بأن تحكم من سلالات تركية حاكمة، أو أن تدفع لهم الجزية صاغرة بحيث عرفت قبائل شديدة البأس كانت تعيش في شمال الصين وكانت تعرف عند مؤرخي الصين باسم هيونغ نو، وهي قبائل الهوه التركية المشهورة بمقاتليها الرماة الفرسان، والتي أنشأ الإمبراطور الصيني شين شيه هون سور الصين الشهير لدرء أخطارهم.

وفي السياق نفسه أشار تركماني إلى أهم الإمبراطوريات التركية القديمة التي كانت آنذاك، وهي إمبراطورية «هيونغ نو» (القرن 3 ق.م ـ 051 م )، إمبراطورية الهون البيض (الهياطلة) وهي قبائل تركية من أحفاد الهيونغ نو هاجروا من شمال غرب الصين وقاموا بغزو الأقاليم الشرقية من إيران (خراسان) وبلاد ما وراء النهر، وأفغانستان والهند في القرن الخامس الميلادي.

دولة الأتراك توبا ـ وايي، حكمت الصين من سنة 386 ـ 535 م، وكانت معاصرة لدولة «جوان ـ جوان» التركية المغولية (400 ـ 552 م) التي حكمت رقعة كبيرة من سهول منشوريا مروراً بالصين الشمالية وحتى أقاصي تركستان غرباً، وكذلك إمبراطورية الغز (توكيو) أو كوك ـ ترك.

وفي النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، نشأت إمبراطورية الغز / توكيو (كوك ـ ترك )، وكانت تحكم الصين الشمالية لتصبح أكبر إمبراطورية في آسيا، و بعدها ظهرت إمبراطوريات الآفار 565 ـ 796 م ،الخزر من آواخر ق 6 م ـ ق 11 م، الترك البجناك، إمبراطورية الأويغور 745 ـ 1250 م ودامت حوالي 500 سنة.

الجزء الثاني «تاريخ العلاقة ما بين الأتراك والعرب»، استعرض من خلاله الكاتب العلاقة بين العرب والأتراك في زمن الفتوحات العربية الإسلامية التي قضى فيها العرب على الإمبراطورية الساسانية (الفارسية) وبعد فتح أرمينيا تواجه العرب مع الأتراك على جبهتين، الأولى مع الخزر (في صراع متواصل لمدة 100 سنة تقريباً) في جبهة القوقاز، الثانية مع الهياطلة في شرق إيران ـ في أثناء فتوحات خراسان ثم بلاد ما وراء النهر ـ ودامت عشر سنوات.

وفي هذا الإطار يرى تركماني أن انتشار الإسلام بين الأتراك اقتصر على إقليمي ما وراء النهر وخراسان وبعدها بدأ الإسلام يتسرب عن طريق التجارة والاحتكاك مع أقارب الأتراك المسلمين، حتى عام 349 الذي اعتنق فيه معظم الأتراك الإسلام على شكل كتل بشرية ضخمة عبر تكتلاتهم الكبيرة،

ومن هنا عاد استخدام المماليك الأتراك في المجتمع الإسلامي في الوظائف الكبرى بالدولة والاستعانة بهم كجيوش في الفتوحات الإسلامية أيام الخلافة (خاصة من أجناس أخرى كالصقالبة والزنوج والديلم) إلى أن انتقلت هذه الأخيرة إلى العثمانيين في وقت برز فيه العثمانيون كأعظم قوة إسلامية، وخاصة بعد فتحهم للقسطنطينية.

وسلط الباحث الضوء في الجزء الثالث من كتابه على «الدولة العثمانية» باعتبارها من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ، حيث عاشت ما يقارب ستة قرون وكان لها الفضل في نشر الإسلام في البلقان والقوقاز وتشركسيا (بلاد الشركس)، ومؤسسها هو عثمان بن أرطغل بن سليمان شاه التركماني إذ لعبت دورا هاما في الفتوحات الإسلامية.

وينقلنا المؤلف في الجزء الرابع «الأتراك يحكمون العالم القديم» حيث كان الأتراك يحكمون روسيا وأوروبا الشرقية اليوم، وبقيت لآلاف السنين فحكمتها قبائل السيث (تركية أو فارسية) قبل القرن السابع الميلادي، وبعدها تأسست إمبراطورية الهون لتليها في القرن السادس الميلادي قبائل الآفار (أتراك ومغول) لتحكم مناطق روسيا والمجر،

ثم ظهور إمبراطورية الخزر في القرن السابع الميلادي وحكمت خمسة قرون، وبعدها إمبراطورية البجناق والقبجاق (مغول جنكيز خان)، ثم وقعت تحت حكم المغول (التتار) حوالي ثلاثة قرون، والدخول بعدها في الإسلام. وحسب الكاتب أصبحت روسيا دولة مستقلة في أواخر ق 15 م ـ بعد ضربات تيمور لنك للتتار ـ وهكذا بقيت روسيا اليوم تحتوي على أقلية تركية تترية بنسبة 8,3 %.

وتطرق تركماني إلى إقليم الصين الذي كان تحت حكم الأتراك حوالي 900 سنة، حيث كان الجزء الشمالي منه خاضعا لحكم توبا لمدة 149 عاماً، أما القسم الآخر فقد كان تحت حكم إمبراطورية جوان جوان، وبعدها إمبراطورية توكيو، لتحكمها فيما بعد إمبراطوريات الخطا، جوتشين، المغول، كنغ (المنشورية التركية) وهي آخر سلالة تركية حكمت الصين.

ومن جهة أخرى أشار الكاتب إلى الإمبراطوريات التركية المتعاقبة التي حكمت إيران، فكانت البداية مع السلاجقة الغز الذين اشتهروا ببناء المدارس والمساجد لهذا فهم يحتلون مكانا هاما في تاريخ الفن الإسلامي، وبعدها وقعت تحت حكم كل من خوارزم شاه، الإمبراطورية المغولية، الدولة التيمورية، الدولة الصفوية لمدة 221سنة، الأفشاريين التركمان 17 سنة، القاجار التركمان 131 سنة،

وهكذا بقيت إيران تحت الحكم التركي أكثر من ألف سنة، فقد عرفت العهود التركية ـ حسب المؤلف ـ في إيران بالرخاء والازدهار وتشجيع الآداب والفنون والثقافة الفارسية. واستعرض المؤلف حكم الأتراك الذي وصل للهند في شمالها (دلهي وما حولها) وتأسست على يد ألتتميش وحكمها 25 سنة،

وبعدها تأسست الدولة الخلجية وحكمت لمدة 70سنة، ثم الدولة التغلقية 79 سنة، أما في وسط الهند وجنوبها فكانت هناك سلطنة بهمان التركية المسلمة حكمت مدة 171 عاما، وتلتها الإمبراطورية المغولية بقيادة تيمورلنك 52 سنة، وبعدها الدولة المغولية البابرية.

ومن هنا يرى الباحث أن العالم الإسلامي في القرون الأخيرة كان مؤلفا من ثلاث إمبراطوريات تركية عظيمة الشأن في التاريخ كانت متزامنة، وهي الإمبراطورية العثمانية، إمبراطورية المغول في الهند، الإمبراطورية الصفوية في فارس وما حولها، وقد عرفت برعايتها للعلوم والفنون والثقافة والأدب والمعمار.

وفي هذا الإطار تناول الكتاب تاريخ الأتراك منذ أقدم العصور المؤرخة وحتى العصر الحديث، أبرز العلاقة الوثيقة التي ربطها الإسلام بين الأتراك والعرب في تاريخ مشترك والدور الكبير الذي لعبته الأمة التركية في صناعة التاريخ عبر أنحاء العالم.

ناهد رضوان

*الكتاب: تاريخ الأتراك والتركمان ما قبل الإسلام وما بعده

*الناشر: دار الإرشاد ـ حمص 2007

*الصفحات:360 صفحة من القطع الكبير

Email