تاريخ أوروبا في العصور الوسطى

تاريخ أوروبا في العصور الوسطى

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور محمود عمران أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية، والعميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة بيروت العربية. حائز على العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية. وله العديد من الكتب والبحوث العربية والأجنبية والمنشورة عربياً وعالمياً ومن تلك الكتب:

الحملة الصليبية الخامسة، ومعالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، وتاريخ الحروب الصليبية، وحضارة أوروبا في العصور الوسطى، وأوروبا والمغول، وتاريخ مصر في العصر البيزنطي، ومملكة الوندال في شمال إفريقيا، والمغول والأوربيون والصليبيون وقضية القدس.يناقش الكاتب في ستة عشر فصلاً وجداول بأسماء الباباوات والحكام، والخرائط وقائمة بالمصادر والمراجع العربية والأجنبية، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، في مدى زمني امتد لأكثر من عشرة قرون، وتحديداً من القرن الرابع وحتى القرن الخامس عشر الميلادي. خلال تلك الفترة تحركت قبائل من أقصى الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وقامت دول وسقطت وقامت أخرى وبقيت، وكان لكل منها سياستها وحضارتها.

يحاول المؤلف إبراز أهم معالم التاريخ الأوروبي الوسيط، وهي اعتناق المسيحية بدلاً عن الوثنية، ونزوح البرابرة إلى داخل أوروبا، وإقامة ممالك خاصة بهم على أنقاض الامبراطورية الرومانية في الغرب، وظهور الإقطاع، والملكية المستبدة، والحروب الصليبية، والصراع بين الباباوات والأباطرة.

يرى الكاتب أن أوروبا وإن كانت قد عاشت في عصورها الوسطى عصراً مظلماً، إلا أنها نجحت في الاستفادة من الحضارات اليونانية والرومانية والجرمانية والإسلامية، وصاغتها بصورة تتفق مع الظروف التي أحاطت بالمجتمع الأوروبي في كل مرحلة من مراحل تاريخه الوسيط.

ففي الوقت الذي كانت تسير فيه أوروبا وفقاً لرؤية الكنيسة، إلا أنه قد حدث في نهاية تلك العصور نهضة فكرية رائعة تمثلت في مناداة بعض رجال القانون في فرنسا في القرن الثالث عشر بإقامة محكمة دولية للنظر في النزاعات فيما بين الدول، كما نادى البعض بإعطاء المرأة بعض الحقوق السياسية، ووضعت اللبنات الأولى للبرلمانات والتي أصبحت أنموذجاً يحتذى به حالياً.

يتناول الكتاب المراحل الرئيسة في تاريخ العصور الوسطى، وهي ثلاث مراحل، المرحلة الأولى وهي الممتدة من القرن الرابع إلى القرن العاشر الميلادي، وفيها اضمحلت الامبراطورية الرومانية وأخذت أجناس عديدة تغير على ممتلكات الدولة وقد أطلق الرومانيون على هؤلاء الشعوب لفظ «البرابرة» أي كل من لا يتحدث اللاتينية، مثل: القوط ـ الهون ـ الوندال ـ السكسون ـ البرجند ـ اللومبارد.

والمرحلة الثانية وهي الممتدة ما بين القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وهي مرحلة الاستقرار النسبي والإقطاع وبداية النهضة الفكرية والحركة التجارية. كما شهدت أواخر تلك الفترة الزعامة الباباوية في الشأن الديني، والزعامة الامبراطورية في الشأن المدني. والمرحلة الثالثة وهي التي تشتمل على القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، وهي مرحلة الصدام بين الأفكار الحديثة وتلك الأفكار الوسيطة.

فقد تغيرت النظرة إلى النظام الملكي، وظهر انقسام الكنيسة، وازداد النقد إلى الهيكل الكنسي، وتضاربت السلطة السياسية مع تلك الدينية. يتجول المؤلف في المرحلة الأولى ويرصد اعتناق الامبراطور «دقلديانوس» ومن بعده «قسطنطين» للمسيحية ديناً رسمياً للامبراطورية، ونقل العاصمة من روما غرباً إلى القسطنطينية شرقاً والتي أصبحت مركزاً لتبلور الحضارة «الهلينستية» والتي أصبحت من العلامات المميزة لتلك الامبراطورية الشرقية أي «البيزنطية».

كما يستعرض الأخطار السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تنازعت الامبراطورية، وتربص الفرس والجرمان والقوط والبرجند واللمبارد بها، حيث تراجع الرومان من انجلترا، وسيطر القوط على أجزاء من غرب أوروبا، وسيطر البرجند على أجزاء من غاله، واستقر الجرمان في الراين الأعلى، والفرنجة في الراين الأدنى.

وفي خضم ذلك التنازع والاقتتال على أشلاء الامبراطورية، والاضطراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ظلت الكنيسة وعلى رأسها البابا القوة الوحيدة المقدرة من قبل كل الأمم التي تنازعت السيطرة على أراضيها، تلك الأمم التي تعثرت في بناء حضارات مماثلة.

ومع هذا التعثر المتلاحق لتلك الشعوب أخذت الكنيسة تنمو ببطء وبقوة عبر القرون، واكتسبت مزيداً من الاتساع والوحدة. ومع ازدياد سلطة الكنيسة وضعف سلطة الدولة، حدث التصادم بين البابا والامبراطور في حالات عديدة مثل الصدام بين «البابا سرجيوس الأول» والامبراطور «جستنيان» عام 681م ، وبين «البابا جريجوري الثاني» والامبراطور «ليو الثالث» عام 726م ، وبين «البابا جريجوري الثالث» والامبراطور «بيبين» عام 752م.

وقد كان ميزان القوى يتأرجح بين سلطة البابا وسلطة الامبراطور على حسب قوة مركز كل منهما. ففي الفترة اللاحقة حدث ضعف وتدهور في سلطة الكنيسة ورجالها، إلى حد الدعوة لعزل البابا، بل ومحاكمته في عهد الامبراطور «شارلمان» 768- 814 م ، كما أدى إهمال رجال الدين المعينين من قبل البابا لرعاية شؤون الكنيسة، أن آل أمرها إلى الحكام والإقطاعيين التي تقع تلك الكنائس في نطاق أراضيهم، وضاعت وحدة الكنيسة أمام هذا التدخل المدني في شؤونها.

كما كان اختيار رجال دين غير مؤهلين لمناصب الكنيسة والأديرة، وخروج البعض منهم على طاعة البابا، دافعاً لهم لكي يعملوا لمصلحة الدولة المدنية ويصبحوا إقطاعيين في مناطقهم. وتجلت تلك المشاكل في ظهور حالات الرشوة، وزواج بعض رجال الدين والتقليد العلماني (قيام الحكام بتعيين رجال الدين في مناصبهم على عكس مقتضيات النظام الكنسي والقاضية بتعيين هؤلاء الرجال من قبل كبار المسؤولين بالكنيسة).

وفي القرن الحادي عشر بدأ المخلصون للكنيسة في محاولات الإصلاح، وكان الامبراطور «هنري الثالث» 1029- 1056 م والبابا «ليو التاسع» 1054 1044م من أشد مناصري الإصلاح الكنسي. وكان للبابا «جريجوري السابع» 1073- 1085 م دور كبير في إصلاح الكنيسة، خاصة فيما يتعلق باختيار البابا.

والذي جعله مقصوراً على رجال الدين من بعض الكنائس المختارة، بل انه قد ذهب إلى أبعد من ذلك بتقرير أن أي خرق لقواعد الاختيار هذه، يعني وفوراً طرد البابا ومن عاونه من رحمة الكنيسة وهو يعد من أشد أنواع العقاب وفقاً للعقيدة المسيحية. كما بدأ البابا في معالجة مشكلة الرشوة، وحرم المتزوجين من رجال الدين من إقامة القداس وإلقاء المواعظ، ونادى بسمو الباباوية على الامبراطورية وهي ما يعرف بـ «التقليد العلماني».

وقد كان لتلك الإجراءات أكبر الأثر في التصادم بين «هنري الرابع» 1056- 1105 م والبابا «جريجوري السابع» والذي انتهي بقيام الامبراطور بمحاربة روما عام 1081م وحتى 1084م، وقد انتصر هنري الرابع في تلك الحرب، وهرب البابا إلى «سالرنو» ومات بها عام 1085م.

وقد استمر الصراع بين السلطتين الدينية والمدنية وظهر مناصرون لكل منهما، فمنهم من كان ينظر إلى البابا على أنه خليفة الرب وظله على الأرض، ومنهم من كان ينادي بنظرية الوحدة، أي أن العالم المسيحي وحدة واحدة، دينه المسيحية ولغته اللاتينية، وحكومته الإقطاع، يكون الجانب الروحي والديني فيه للبابا أي الجانب الرئيسي، أما السلطة الإدارية للدولة فتكون للامبراطور.

وظهر فريق آخر ينادي بأن الامبراطور يستمد قوته من الرب ولا يجوز عزله إلا إذا خالف العقيدة المسيحية وقد استمد هذا الفريق قوته من عصر «شارلمان» والذي لم يكن امبراطوراً عظيماً فحسب، بل كان حامياً للمسيحية ومنادياً بعلو شأنها وموسعاً من رقعة امتدادها. وظهر فريق ثالث ينادي بالوسطية بين أنصار الباباوية وأنصار الامبراطورية حتى يجنبوا العالم المسيحي ويلات الصراع ورفعوا شعار «اعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر».

محمد جمعة

*الكتاب: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى

*الناشر:دار النهضة العربية

بيروت 2006

*الصفحات:471 صفحة من القطع الكبير

Email