من المكتبة العربية

مغاربة في خدمة فرانكو

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلفة هذا الكتاب الصادرة ترجمته العربية حديثا عن منشورات الزمن بالرباط، هي الباحثة الاسبانية والأستاذة في جامعة باريس الثالثة، مارية روسا دي مادارياغا الخبيرة بالتاريخ المعاصر للعلاقات المغربية الاسبانية التي صدرت لها مجموعة من المؤلفات والدراسات التاريخية منها: «اسبانيا والريف،

أحداث تاريخ شبه منسي» عام 2000 و«المغاربة وفرانكو خلال الحرب الأهلية الاسبانية» عام 2002 و«خندق الذئب، حروب المغرب» عام 2005 بالإضافة إلى عدة مقالات تطرقت فيها للعلاقة بين المغرب واسبانيا نشرت بعدة مجلات اسبانية وأجنبية.

أما مترجمة هذا الكتاب فهي الباحثة المغربية كنزة الغالي عضو الشبكة الدولية للمرأة والهجرة، وعضو مركز الدراسات الإسلامية بالمتوسط ـ الجامعة المستقلة بمدريد. صدرت لها عدة مؤلفات حول الهجرة والمرأة والتنمية منها: «نساؤنا المهاجرات في اسبانيا» عام 2004، كما قامت بترجمة بعض الكتب ذات الصلة بالعلاقات المغربية الاسبانية،

كان آخرها هذا الكتاب، الصادر ضمن سلسلة ضفاف لمنشورات الزمن بالرباط بدعم من المديرية العامة للكتاب والأرشيف والمكتبات التابعة لوزارة الثقافة الإسبانية، الذي يتحدث عن مشاركة الجنود المغاربة في الحرب الأهلية الاسبانية (1936 ـ 1939 ) التي قادهم إليها الجنرال فرانكو، حينما تمرد على الحكومة الشرعية، انطلاقا من الأراضي المغربية، التي كانت خاضعة للنفوذ الاسباني.

إن موضوع هذا الكتاب موضوع في منتهى الدقة خلف التباسات مازالت قائمة إلى الآن، كما يرى محمد العربي المساري المتخصص في العلاقات المغربية الاسبانية في تقديمه لهذه الترجمة، أن لتلك المشاركة غير المرغوب فيها من لدن المغاربة مخلفات جد سيئة بل خطيرة على صورة المغرب والمغاربة في الذاكرة الاسبانية على الرغم من كون المغاربة قد اقتيدوا إلى تلك الحرب بإرادة من فرانكو لا بإرادتهم.

ولا أدل على ذلك من كلمة «الموروس» التي أطلقها الاسبان على المغاربة باعتبارهم العدو القديم لهم ولكل حركات التحرر المناوئة لحكم الجنرالات، حيث تقول الكاتبة مادارياغا ان مشاركة الجيوش المغربية خلال الحرب الأهلية عام 1936 إلى جانب فرانكو» كانت من بين العوامل التي عملت على تأجيج الصورة المتجذرة سلفاً في المتخيل الجماعي لدى الشعب الاسباني. وبقيت تلك النظرة المرعبة ملتهبة مع مرور الزمن، والتي واكبت المواجهات بين المسيحية والإسلام.

بالإضافة إلى الأحداث الحربية المتتالية بعد ذلك في أواسط القرن التاسع عشر والقرن العشرين، كحرب تطوان (1859 ـ 1860 )، ومليلية (1893 ـ1909)، ثم حرب الريف (1921 - 1962). كل هذا ساعد على تأليب الأحزان بصورة حادة بالإضافة إلى أحداث 1936، حينما كانت ميليشيات العمال والفلاحين تدافع باستماتة عن الجمهورية، أي النظام الجمهوري الذي اختاره الشعب، برز للوجود أمامها الموروس، لكن هذه المرة في عقر دارها وليس فوق تراب افريقيا.

وانطلاقا من هذه الكلمة «الموروس»، التي يعتبر هذا الكتاب بمثابة تصحيح لها، تعمد الكاتبة إلى جرد العديد من التفاصيل والمعلومات التاريخية لتخفف شيئاً ما من الاتهامات التي لحقت بالجيوش المغربية، التي اقتيدت مرغمة لجلب النصر لفرانكو في الحرب الأهلية عام 1936، بسبب الضائقة الاقتصادية وغياب تأطير الحركة الوطنية آنذاك لها وعدم مبالاة الجنرال فرانكو لانتقاد السلطان ولا لخليفته بتطوان لعملية إشراك الجنود المغاربة في معارك لا تعنيهم.

وقد سجلت الكاتبة في الفصل الخامس من الكتاب المخصص للحركة الوطنية في الشمال أن موقف هذه الأخيرة إزاء مشاركة مقاتلين مغاربة في صفوف فرانكو كان براغماتيا، إذ انهم وازنوا بين سلبية حكومة الجمهورية الاسبانية إزاءهم من 1931 إلى 1936، وبين الآفاق التي فتحت أمامهم حينما سمح لهم الجنرالات الانقلابيون بتأسيس حزب سياسي، والتحرك في المجالين السياسي بالداخل وفي مجال العلاقات مع المشرق.

ولهذا فالكتاب بقدر ما يصحح بعض الحقائق ويثير أخرى غفلت عنها الكتابات الغزيرة التي سجلها الاسبان عن المغرب أو العكس، فإنه يسلط الضوء على الأهمية التي يحتلها المغرب بالنسبة لاسبانيا القرن العشرين. ويبرز الأهمية التي اكتسبها الجيش في الحياة الوطنية الاسبانية بسبب المغرب، ذلك أنه بعد اندثار الامبراطورية الاسبانية عام 1898 بفقدان كوبا. لم يبق لاسبانيا سوى المغرب كمشروع يدفعها إلى أن تحتل مكانا بين الدول الأوروبية التي كانت تتنافس على تقاسم المستعمرات.

وهكذا تكونت على هدي الاقتناع بهذه الفكرة عقيدة لدى قادة الجيش مفادها أن المغرب شأن يجب أن يقرر فيه الجيش لا أي طرف آخر. وهنا يسجل التاريخ أنه حينما مال الدكتاتور بريمو دي ريفيرا إلى الانسحاب من المغرب عام 1924 انتفض الضباط، وصاح في وجهه أصغر الجنرالات سنا، وهو فرانكو «هذه الأرض اسبانية لأننا أرقنا فيها دمنا».فإذا كانت المراجع حول الحرب الأهلية كثيرة جدا فإنها متباينة الرؤى والمواقف والتبريرات وذلك لأنها تتوزع إلى تيارين، كما ترى المؤلفة، تيار فرانكاوي وآخر جمهوري.

فإذا كانت مؤلفات المؤرخين الفرانكاويين أمثال لويس ماريا دي لوخيندو ومانويل أثنار وخواكيم أراروس، تسهب في شرح أسباب الحرب الأهلية وتضفي عليها الصبغة الدينية وتقول أنها كانت بمثابة صراع بين قوي الخير وقوى الشر المتمثلة في «الإلحاد الماركسي» أو ما أطلق عليه البعض بالحرب الصليبية، فإن مؤلفات المؤرخين الجمهوريين أمثال جوليان زوكازاكويتيا، فإنها لا تبرر شيئاً بل تحلل تلك الحرب وتصف بشاعاتها بشكل دقيق وبالخصوص ما اقترفه «جيش افريقيا» أو المغاربة على وجه التحديد من عنف ووحشية وأعمال إجرامية في حق الاسبان على مرأى من رؤسائهم الاسبان.

وهي الأعمال التي كانت مقصودة بدليل ما نقلته الكتابات الصحفية المزامنة للمعارك، والموالية للمعسكر الجمهوري، من شهادات عن ضراوة المعارك وعن تحريض الجنرال كيبو ديل يانو الجنود المغاربة على الاعتداء الجنسي على النساء الاسبانيات. هذا ناهيك عما دون الشعر والنثر عن تلك الفظاعات وهو ما جعل صورة المغاربة في خطاب اليسار والمعسكر الديمقراطي عموماً في منتهى السلبية.

ومن هنا فإذا كانت هناك من مزية لهذا الكتاب، كما يرى محمد العربي المساري في تقديمه له، فإنها تكمن في تقديمه للقارئ صفحة متكاملة من تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية لأنها تضم مختلف الرؤى والتحليلات الفرانكاوية أو الجمهورية وحتى المحايدة منها لباحثين أجانب، كما انه يعد إضافة مهمة للمكتبة المغربية والاسبانية ومحاولة لتعميق التفاهم بين المغاربة والاسبان.

*الكتاب: مغاربة في خدمة فرانكو

*ترجمة:كنزة الغالي

*الناشر:منشورات الزمن - بالرباط 2006

*الصفحات:300 صفحة من القطع المتوسط

سعيدة شريف

Email