هاشم الأتاسي حياته وعصره

هاشم الأتاسي حياته وعصره

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو محمد رضوان الأتاسي هو أحد أحفاد الرئيس السوري الراحل هاشم الأتاسي. حيث يتناول مرحلة كفاحية مهمة في تاريخ سوريا الحديثة. فهو كما يقول المؤلف في مقدمة كتابه: «الوحيد في العالم العربي الذي استقال من رئاسة الجمهورية ثلاث مرات دون أن يكون مرغماً على ذلك، وهو الوحيد الذي رفض العودة إلى رئاسة الجمهورية مرتين.

وهو الوحيد الذي لم يجرؤ أي ضابط التطاول عليه ،وهو الوحيد الذي قاد المقاومة والمعارضة بشكل علني». وضع المؤلف كتابه في ستة فصول ومقدمة: تحدث فيها عن البيئة، وأصل عائلة الأتاسي، وولادة هاشم الأتاسي، عام 1873 في مدينة حمص وسط سوريا ، وقد خصص فصلاً يتحدث فيه عن حياة هاشم الأتاسي في اسطنبول، طالباً ثم موظفاً إدارياً في بيروت وبعض مدن بلاد الشام، كما تسلم القائمقامية منذ عام 1897.

وفي هذه الفترة القصيرة من حياته تعرف على أهالي المدن والمناطق التي عمل فيها، وكسب صداقة الناس، واحترامهم، ودلل المؤلف على مكانة هاشم الأتاسي في الفصل الثالث حيث انتخب رئيساً لأول مؤتمر سوري عام 1919 ليقود البلاد نحو الحرية والاستقلال. واجه الاتاسي الحلفاء وقد أعلنوا عن نواياهم في مؤتمر سان ريمو 26 نيسان 1920 في وضع سوريا بجميع مناطقها تحت الانتداب الفرنسي.

وعندما استقالت وزارة رضا الركابي يكلف الملك فيصل هاشم الاتاسي بتأليف الوزارة، وهي الوزارة الوطنية الثانية التي أُطلق عليها اسم الحكومة الدفاعية لتخوض معركة الاستقلال، ورفض الانتداب أو أي اتفاق مع الصهاينة.

ويقول المؤلف: «كان هناك توافق تام بين المؤتمر السوري ووزارة هاشم الأتاسي على وجوب الدفاع عن الاستقلال وعدم التنازل عنه مهما كانت التحديات» كما بيَّن المؤلف وطنية اللبنانيين ووحدويتهم، في هذه الظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد الشامية. يتحدث المؤلف بعد ذلك عن إنذار غورو ومعركة ميسلون وإعلان حكومة الأتاسي الجهاد المقدس، كما يشير إلى الحكم الديمقراطي الذي نعمت به الدولة السورية خلال أقل من عامين.

وذلك بعد أربعة قرون من السبات العميق في ظل الحكم العثماني. لكن هاشم الأتاسي لم تلن قناته بعد دخول غورو دمشق، ولم تستطع حكومة الانتداب ولا رئيس سوريا المعين من قبل سلطة الانتداب «الداماد أحمد نامي» من إقناعه في تأليف حكومة جديدة.

هنا تنادى أحرار سوريا إلى عقد مؤتمر لهم في بيروت برئاسته. وكان النواة الأولى للكتلة الوطنية التي قادت النضال في سبيل استقلال سوريا كما يتبين ذلك من بيانها: «نحن نؤمن بضرورة التعاون القائم على مبدأ المصالح المشتركة وإرادة قيام كل طرف بواجباته....».

ثم يتابع المؤلف حديثه عن المجلس التأسيسي والانتخابات التي جرت في البلاد وفوز الكتلة الوطنية تحت رايته وقد أصبح رئيساً للدولة بدستور جديد في أغسطس 1928 دون الرضوخ للمندوب السامي الذي اعترض على ست مواد سيادية، مما سبّب في قيام مظاهرات شعبية احتجاجاً على تعطيل الحياة النيابية، واعتراضات المندوب السامي وتدخلاته.

أما هاشم الإتاسي فقد رفض المادة 116 التي تقيد الدستور كما فشل المندوب السامي تزوير انتخابات 1932 التي رفعت الاتاسي إلى رئاسة الدولة مما اضطر فرنسا إلى تعيين مندوب سامي جديد هو «داميادو مارتيل». وفي فبراير 1934 عقد الوطنيون مؤتمرهم في الوقت الذي يعمل فيه المندوب السامي بقوة على استقرار الوضع من أجل استمرارية الوجود الفرنسي على الرغم من ذلك فقد نجحت الكتلة الوطنية بزعامة الإتاسي بإعادة وحدة البلاد في مارس 1936،

وصدر عن ذلك بيان جاء فيه: «إن المفوض السامي وهو يثني على وطنية الشعب السوري الكريم نزل على الرغبة التي أبديت له». كما تم الاتفاق على تشكيل وفد مفاوض للسفر إلى فرنسا. وقد بينت الكتلة الوطنية برئاسة هاشم الأتاسي في بيان لاحق هذا الاتفاق. «تصريح الجانب الفرنسي بأنه ليس له مصلحة ما في تجزئة البلاد السورية.... والموافقة على نقل ساحة العمل إلى العاصمة الفرنسية....» في الوقت نفسه كان هاشم الأتاسي يلح على الانتخابات الشعبية لتقرير وضع لبنان.

كانت المفاوضات صعبة، فيما يخص لبنان، وكانت الجبهة الشعبية الفرنسية التي فازت بالانتخابات تحاول فرض قرارها على الوفد السوري، لكن دون جدوى أمام صلابة رجال الوفد المفاوض حيث انتهت إلى توقيع الحكومة الفرنسية برئاسة ليون بلوم رئيس الوزارة في التاسع من سبتمبر 1936 على المعاهدة مع سوريا باحتفال رسمي كبير،

ألقى رئيس الوفد الفرنسي المفاوض «فييو» كلمة قال فيها: «تتضمن النصوص الأساسية للاتفاق جميع وجوه مستقبل العلاقات بين فرنسا وسوريا على قواعد السيادة الكاملة والاستقلال التام...» واستقبلت جماهير سوريا الوفد العائد من فرنسا، وألقى هاشم الأتاسي خطاباً أثنى فيه على أحرار فرنسا الذين تفهموا النضال السوري كحقيقة من أجل حريتهم. في الوقت الذي كان مشروع اتحاد فيدرالي لبلاد الشام يشغل ذهنية هاشم الأتاسي إلى جانب القضية الفلسطينية والوضع الداخلي في سوريا وقضية لواء اسكندرون التي أثارتها فرنسا بتنازلها إلى تركيا يوم 23 يونيو 1939.

وقد كانت هذه سبباً في استقالة هاشم الأتاسي من رئاسة الجمهورية احتجاجاً على فرنسا التي لم تحترم حدود سوريا حسب صك الانتداب، لكن المندوب السامي جاء بـ «تاج الدين حسني» رئيساً للبلاد في حين كان رأي ديغول الذي زار الإتاسي أن يكون هذا رئيساً للدولة حرصاً على سمعة فرنسا الدولية. وقد قال ديغول في إحدى لقاءاته مع الاتاسي «لقد انتهيت بنتيجة اتصالي برجال يمثلون كافة النزاعات السياسية السورية إلى الاعتقاد بأنكم وحدكم تتمتعون بثقة البلاد».

وفي اتجاه آخر نقرأ في انتخابات 1943 رغبة شكري القوتلي بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية إذا لم يكن لدى هاشم الأتاسي اعتراض على ذلك، وكان الموقف النبيل، وبلا تردد، أن لا اعتراض له على ترشيح القوتلي، وفاز الاخير بالانتخابات، وبعث إلى الأتاسي خطاباً قال فيه:

«لابد لي أن أبعث بتحية الإخلاص والوفاء إلى الرئيس الجليل السيد هاشم الأتاسي...» ثم ينتقل المؤلف إلى الأحداث السورية بعد الجلاء فيتحدث عن أول انقلاب عسكري قاده حسني الزعيم، ثم الانقلاب الثاني الذي قاده سامي الحناوي، ومحاولة إرساء القواعد الديمقراطية في البلاد. وقد تنادت الشخصيات الوطنية بعد هذا الانقلاب إلى الاجتماع بعميدها الشيخ الجليل هاشم الأتاسي ترجوه قيادة السفينة، الذي أعلن عن تمسكه بالديمقراطية عندما اعتبر، قرارات حسني الزعيم بحل المجلس النيابي، واستقالة رئيس الجمهورية لاغية.

فلابدَّ للرئيس شكري القوتلي من العودة لممارسة مهامه. إنما بعض ضباط الجيش كانوا يكرهون عودته إلى الحكم، وأمام الإلحاح الوطني قبل هاشم تأليف الحكومة، وإجراء الانتخابات النيابية في البلاد حيث فاز فيها برئاسة الدولة في 14/12/1949. إلا أن أديب الشيشكلي وهو أحد الضباط المسرحين العائدين قام بانقلابه وهو الانقلاب الثالث في سوريا صبيحة 19/12/1949 واعتقل سامي الحناوي وبعض مساعديه. وبعد أيام قليلة في 27/12/ 1949 قدم هاشم الأتاسي استقالته من رئاسة الدولة. فنهض الوطنيون يطالبونه بالعدول عن الاستقالة وأن البلاد بحاجة إليه.

ويبرز المؤلف عروبة هاشم الإتاسي في نضاله من أجل تحقيق الوحدة مع العراق. وقد خص صفحات غير قليلة في شأن الوحدة السورية العراقية التي لم يكتب لها أن ترى النور، وذلك لمعارضة جميع القوى العظمى الدولية، في الوقت الذي بدأ يتعاظم فيه نفوذ الجيش وتدخلاته في السياسة، حتى «بات الجيش وكأنه دولة أخرى ضمن دولة»، على حد تعبير المؤلف.

وعلى رغم من إقرار الدستور في الخامس من سبتمبر 1950، وانتخاب هاشم الأتاسي في اليوم السابع رئيساً للجمهورية بدا الصراع بين حزب الشعب وقيادة الجيش ممثلة بالشيشكلي وأعوانه. لكن هذا لم يدم حكمه طويلاً فقد بدأت تلوح في الأفق منذ أواخر 1953 بوادر نهايته عندما راح يتحرش بالقائد العام للثورة السورية سلطان الأطرش وشرع يعتقل قادة الأحزاب الذين اتفقوا في معتقلهم على إسقاط حكمه، صبيحة 25 فبراير 1954 وإعادة هاشم الإتاسي لقيادة البلاد من جديد.

أما الفصل الأخير من هذا الكتاب فقد خصصه لأيام هاشم الاتاسي الأخيرة ووفاته صبيحة السادس من ديسمبر 1960، وفي الثامن من ابريل 1961 أقام الاتحاد القومي العربي حفل تأبين كبرى ألقى فيها الخطباء والشعراء أروع الخطب وأجمل الشعر لأعظم رجل عاش من أجل وطنه.

يذكر أن المؤلف أورد كثيراً من البيانات التي صدرت عن الكتلة الوطنية وعن هاشم الأتاسي، كما أنه وضع له صوراً كثيرة مع رجال الوطن ومع شخصيات عربية. في حين لم يكن للكتاب ملاحق كوثائق بخط الاتاسي كان قد أشار إليها المؤلف في مقدمته. لكن العودة إلى الكتاب سوف يرى القارئ وثيقة تاريخية يستفيد منها الدارس والباحث على السواء.

عبد الغفار نصر

الكتاب: هاشم الأتاسي

حياته ـ عصره

الناشر : خاص ـ دمشق 2005

الصفحات : 484 صفحة من القطع الكبير

Email