اليهود والسينما في مصر

اليهود والسينما في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

اهتم الناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت بقضية أو قضايا التغلغل الصهيوني في السينما الأميركية، ومنذ ربع قرن أعد ملفاً عن «السينمائي اليهودي ودليل المتفرج إلى السينما الأميركية» اتبعه بكتب عدة عن «الشخصية العربية في السينما العالمية».

و« هوليوود والشعوب» و«الصهيونية وسينما الإرهاب» وسعت هذه الكتب ـ إضافة إلى أبحاثه في الدوريات العربية ـ إلى تجسيد دور السينما في خدمة القضايا الصهيونية. في كتابه الجديد الذي نشره على نفقته الخاصة، إيماناً برسالته «اليهود والسينما في مصر» يكرس أدوات بحثه الممكنة في تحري دور اليهود في السينما المصرية وهو لا يعتمد على المراجع والكتب.

وخاصة كتاب «تاريخ السينما في مصر» لأحمد الحضري، وما صدر من أكثر من دليل سينمائي في حينه والرسائل العلمية فحسب، بل إنه يعود إلى المجلات القديمة ولا يكفي بفحص الورق، فيقوم بمشاهدة الأفلام القديمة المتاحة على شرائط الفيديو، كما يلتقي بمصادر حية من شهود الحقب السابقة ليصل إلى حقائق تختلف عما ذهب إليه من اعتمد على النشرات الدعائية .

ويصحح كثيراً من المعلومات. يكشف الباحث عن سيطرة اليهود على دور العرض وشركات الإنتاج والتوزيع فقد تأسست عام (1897). شركة التيارات المصرية من اثني عشر شخصاً سبعة منهم من اليهود، من أسر تحمل جنسيات إيطالية وبريطانية ونمساوية ومجرية.

يربط بهجت بين سيطرة الرأسمالية اليهودية على دور العرض والحركة الصهيونية حيث قام جاك موصيري بتأسيس أول فرع للمنظمة الصهيونية، وقام ألبرت موصيري بإصدار مجلة «إسرائيل» المعبرة عن نشاط الحركة الصهيونية في مصر.

ويرصد أحمد الحضري في كتابه «تاريخ السينما في مصر» نماذج من الافلام التي عرضت في مصر عقب إعلان وعد بلفور 1917 من بينها «المستوطنات اليهودية في فلسطين» و«سفر الخروج» و«حياة العبرانيين و«قمر إسرائيل» و«بن هور».

ويعلق بهجت «مما يثير الأسف أن المثقف المصري لم يلتقط الابعاد الصهيونية لتلك الأفلام فقد كتب حسن جمعة عن فيلم بن هور إنه يدور حول اضطهاد الرومانيين لليهود بل إن الجمهور قد اقبل على مشاهدة فيلم «بن هور» ولم يدرك الاهداف الصهيونية التي شيدت ـ على أساسها ـ أحداث الفيلم وشخصياته .

وهذا يحيلنا إلى قضية مهمة تتعلق بالصهيونية والصحافة الفنية الباب الثالث «المبدع المصري وأساليب الاحتواء» إلى حيث يستند إلى ما ذهبت إليه الدكتورة سهام ناصر في كتابها «صحافة اليهود في مصر» من موقف الصهيونية في تجنيد بعض اليهود المقيمين في مصر من المتمكنين من اللغة العربية .

ومن ذوي الميول الأدبية والصحافية لتتبع ما ينشر في الصحافة المصرية وتقويمه والرد عليه بالإضافة إلى الكتابة في الصحف المصرية بدعوى تنوير المصريين فيما يتعلق بالحركة الصهيونية وتؤكد أنه قد أتيح لهؤلاء الكتاب الصهاينة النجاح في مهمتهم لأنهم كانوا على إتصال وثيق ببعض أصحاب الصحف ومديريها.

يتجاوز الإتهام الصحافيين اليهود إلى صحافيين فنيين مصريين روجوا لبعض الفنانين وفي مقدمتهم اليهود من ذوي الإتجاهات الصهيونية وخدمة الشركات السينمائية الأجنبية.. ويرى بهجت أن حسن جمعة وهو من أهم وأول من تخصصوا في الكتابة عن السينما في صحافتنا الفنية ارتبط بالنشاط السينمائي اليهودي في مصر وكان مدير دعاية لأفلام الأخوين لاما وكاتبا لحوار أفلامهما.. مثل فيلم «الهارب» 1938.

ويسوق له باعتباره عن المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني متجاهلا الصراع بين الفلسطينيين واليهود، كما أشاد بالتجارب اليهودية السينمائية ذات الطابع الصهيوني مثل «أرض الميعاد».. وهو في رئاسته لتحرير مجلة الكواكب «يساند النجوم اليهود في مصر ويضخم من صورة كل من كاميليا وراقية إبراهيم.

تأرجحت الفترة ما بين حرب 48 وقيام ثورة يوليو 52 بين الدراما الاجتماعية ذات النبرة الوطنية أو السيكولوجية وبين الكوميديا التي تنحي جانباً كل عناصر الصراع بين العرب والصهاينة، وطعمت بعض الأفلام بمواقف ساخرة وهزلية دون أن تقع في مصيدة العداء لليهودية كعقيدة هذا هو ما انتهى إليه الباحث في الفصل الذي تناول فيه الفترة ما بعد قيام إسرائيل..

. ويشير الدكتور على شلش في كتابه «اليهود والماسون في مصر» إلى أنه بعد اعلان دولة إسرائيل لم يعد الموقف الرسمي ومعه الموقف الشعبي معاديا لليهود كيهود، وأصبح هناك تمييز واضح بين اليهودية والصهيونية.

وفي هذه الظروف تنتج عزيزة أمير بعد النكبة مباشرة فيلم «فتاة من فلسطين» الذي نجح في أن يقدم لأول مرة الحالة المؤلمة للاجئين العرب ومعاناتهم من جراء اعتداء الصهاينة عليهم.. وقد ظلت أغاني الفيلم تؤثر على المتلقي العربي .

وخاصة أغنية «يا مجاهد في سبيل الله» وبعد شهر واحد تنتج فيلم «نادية».. وهو أول فيلم يقدم من قرب الشخصية الإسرائيلية، سواء في المعارك الحربية أو مشاهد التعذيب وخلق معادلة تربط بين المصرية المسلمة والراهبات الفلسطينيات في مواجهة البطش الصهيوني.

وفيما يتعلق بفترة ما بعد ثورة يوليو 52 يستوقفنا ما كتبه بهجت مؤكداً أنه في إطار ما يبدو أنه تخطيط صهيوني منظم طلبت معظم شركات السينما الأميركية في وقت واحد من السلطات المصرية السماح لها بتصوير أفلام روائية ضخمة التكاليف.. من بينها «الوصايا العشر» لسيسيل دي ميل الذي استقبله عبد الناصر .

كما يحضر عبد الناصر عرض بعض المشاهد التي تم تصويرها من فيلم «أرض الفراعنة» الذي يرجع بناء الهرم الأكبر إلى اليهود وعلمائهم الذين استبعدهم الفرعون الطاغية خوفو.. والغريب أن أغلب هذه الافلام منع عرضه في مصر بعد أن تم تصويره على أرضها.

ولكن.. مع أحداث التفجير التي قام بها عملاء الموساد فيما عرف بفضيحة «لافون»، يبدأ تعامل آخر أكثر حدة مع الشخصية اليهودية في السينما المصرية.. كما في فيلم «شياطين الجو» 1956 لنيازي مصطفى و«أرض السلام» 1957 لكمال الشيخ.

حيث يوجه لهما بهجت انتقادا شديدا لأنهما فضلا - في منظورة ـ في تكوين عقيدة سياسية داعية لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي.. وفي الوقت نفسه عندما تحاول آسيا إنتاج فيلم عن فضيحة لافون، وشبكة الجاسوسية الصهيونية..

فإن المسؤولين يرفضون الفكرة ويبرر بهجت الموقف الرسمي بوجود دلائل كثيرة تشير إلى أن الكبرياء القومي جعلنا نتخذ موقف التجاهل لبعض أحداث الإرهاب الصهيوني داخل مصر.. بدءا من فضيحة لافون، وإرهاب العملاء الألمان في مصر واغتيال علماء الفيزياء والذرة من أمثال د. سميرة موسى .

ود. يحيي المشد وسعد بدير.. نسمع عن محاولات إنتاج تنتهي دائما بالفشل.. بل إن فيلما في إطار المواجهة مع العدو الصهيوني كتبه المخرج محمد كريم عام 1957 باسم «الملعونة» لم يتم تنفيذه.. بل إننا نجد في فيلم مثل «أنا حرة» للكاتب إحسان عبد القدوس وإخراج صلاح أبو سيف 1959 شخصيات يهودية بعيدة تماما عن إطار الصراع العربي الإسرائيلي سواء قبل أو بعد 48.

الباب الرابع والأخير حول الشخصية اليهودية في الفيلم المصري.. فالشخصية اليهودية لم يكن لها وجود ملموس في بدايات السينما المصرية سوى في أفلام توجو مزراحي الكوميدية خلال الثلاثينات التي قام ببطولتها الممثل اليهودي «تشالوم» .

وهنا يرد أحمد رأفت بهجت بالأدلة والقراءة المتأنية لأفلام مزراحي هي ما ذهب إليه بعض النقاد المصريين ومن بينهم الناقد كمال رمزي الذي نشر مقالا عن مزراحي عام 2000 بعنوان «صانع النجوم» الذي ما زال أسيرا لسوء الفهم يرى فيه أن هناك روحا عامة من التسامح والتفاهم لدى جميع الشخصيات في أفلامه .

وقد رأي أن شخصية شالوم بإجادة مزراحي لرسمها تؤكد على مدى الإندماج الذي كان يعيشه اليهود في المجتمع المصري.. وأن قيمتها التاريخية والثقافية مهمة في تاريخ السينما المصرية ومن قراءته الفاحصة للفيلم ذاته لا الملخص أو الكتيب الدعائي يرى أن الصورة التي قدمها مزراحي عن شالوم كرجل فقير محروم صورة مراوغة تتنافى مع الحقيقة .

حيث تحققت لهم الثروة والنفوذ بل كانت لهم أندية اجتماعية ورياضية وتحولت جمعية المكابي اليهودية بالاسكندرية إلى الإتحاد اليهودي الرياضي وكان من أهدافها خلق أجيال من الشبيبة الرياضيين الاصحاء من أجل تحقيق الاهداف الصهيونية في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، نقلا عن كتاب «اليهود والحركة الصهيونية في مصر 1897 - 7491 لأحمد غنيم وأحمد أبو كف 1969.

موقف السينما المصرية من حرب 1973 موقف هزيل.. حيث لم يتجاوز عدد الأفلام خمسة اتجهت إلى إثارة الشجن وكراهية الحرب، فيما كان يجب أن يكون هدفها هو الإحساس بالفخر ووردت الشخصية الإسرائيلية مجرد ظلال تتوارى خلف الحواجز والمعدات العسكرية.

ولم يستطع سوى مشهد واحد في فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» أن يعكس واقعة تم تجاهلها لسنوات طويلة وهي واقعة المذابح الإسرائيلية التي ارتكبت في حق الأسرى المصريين في سيناء بعد هزيمة 67 فقد كان له تأثير كبير على المتفرج المصري .

وقد أصبح نقطة ارتكاز لأحداث فيلم «فتاة من إسرائيل» إخراج إيهاب راضي 1999 وكما يقول الباحث «ويعد هذا المشهد سببا كافيا لمواجهة دعاة التطبيع للحد من إندفاعهم تجاه إسرائيل بعد إتفاقية كامب ديفيد.. ولكن السيناريو يقضي على كل عناصر القوة ويحولها إلى صخب حواري يفتقد العمق والمعادل المرئي القادر على أن ينتشله من الخطابية الفجة».

وفي أعقاب زيارة السادات لإسرائيل تعرض فيلمان لإمكانية التعايش مع اليهود وهما: «الصعود إلى الهاوية» لكمال الشيخ 1978 و«إسكندرية ليه» ليوسف شاهين 1979 ،يشير الأول إلى صعوبة التعايش بين الجانب المصري والإسرائيلي، أما الثاني فقد عرض لتعايش اليهود قديماً في المجتمع المصري كجزء من نسيجه وأن رحيلهم إلى أرض الميعاد كان اضطرارياً.

فيلم «إعدام ميت» لعلي عبد الخالق 1985 ينتهي إلى أن مفاعل ديمونة لا يملك أي إمكانيات لإنتاج القنبلة الذرية. من حق الباحث أن يجد فيما وصل إليه نتيجة غريبة تتجاهل حقائق مطروحة منذ الستينات حول الخطر النووي الإسرائيلي ومن حقه أن يتساءل : ما الهدف من هذا التغييب ولصالح من ؟

يصل بهجت في نهاية كتابه إلى خلاصة أن المرحلة التالية لحرب 73 أعطت السينما حرية أكبر للحركة ولكن لم تتوافر لها القدرة على التعامل مع حرب أكتوبر كحدث عسكري عظيم.

ونتج عن ذلك ظاهرة مؤسفه هي الإبداع المضاد لهذه الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر، وفيه يصبح التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي هدفا مقصودا لذاته دون أن تكون هناك قضية تثار أو رأي يبدي أو حدث يجسد على مستوى هذا الصراع وأهمية مواجهته من خلال فن نجح اليهود في جعله سلاحا لمساندة كل مواقفهم وطموحاتهم.

فوزي سليمان

الكتاب : اليهود والسينما في مصر

الناشر: على نفقة المؤلف ـ القاهرة 2005

الصفحات: 300 صفحة من القطع المتوسط

Email