سيمفونية عبدالعزيز اسماعيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يطربني عبدالعزيز إسماعيل مرتين، مرة حينما يرتل الشعر، وأخرى حينما يكتبه. صوته يمتلك بحة عميقة وتميزاً، وهو يعرف تماماً لفظ الحروف بدقة مستفيداً من مواقع صدورها في جوف الفم، كما يدرك سحر الموسيقى الشعري، فسيتخدمه لمرتين أيضاً، مرة حينما تسمعه نثراً أو شعراً، ومرة حينما يحيله إلى سيمفونياته فتزداد طرباً.

«لا زال صوتك هداراً على الحقب/ السيف أصدق أنباء من الكتب/ لا زال صوتك عبر الدهر يجلدنا / بأننا أمة حمالة الحطب»

عبدالعزيز إسماعيل شاعر مخضرم درس الأدب في القاهرة وتخرج فيها عام ‬1963، وتقلب في المناصب أستاذاً في مدارس دبي ودبلوماسياً في إيران وجنيف والهند والجزائر واليابان والأمم المتحدة.

رحلة طويلة امتدت سنوات في التنقل من بلد إلى آخر، غير أن السنونو لم ينس الشعر أغنية ونغماً وموسيقى، عاد إلى شواطئ الأمان بعد رحلته تلك ليستقر دون جمود في موقع المسؤولية في مكتب الإعلام في دبي.

لم يفرط في الشعر ولم يبتذله، بل تسامى به رغم أنه مقل أو على حد قوله (لا يكتب الشعر إلا حتى يشاء هو ولا يشاء إلا أن يشاء الله) تلك معادلة صعبة لشاعر عرف كيف يبحر دون أن تسقط صواريه وهو يواجه العواصف.

«ألوذ بصمتي كلما شفني الأسى/ وللصمت آماد أجل وأبعد/ أعيذ قصيدي أن يكون مطية/ فشعري كقلبي جامح متمرد»

فارس من فرسان الشعر في العقد الوسيط في دولة الإمارات لم تكن مسيرته مفروشة بسجادة حمراء بقدر ما هو طريق غير سالك، أجبره على أن يكون ممتداً وإن كان عصياً، أحس بعمق المرارة في مواقف قومه، وفي الرزايا حينما تخضع الهامات، إلا أنه ظل لصيقاً بقضايا الأمة، واعياً بصمت، ثم يثور يقول عنه الدكتور علي فخرو «إذا كان شاعرنا قد صمت من قبل طويلاً أمام معارفه، كاحتجاج وكاحتقار للغو الذي لا يصبح فعلاً في النهاية، فإن قصائده تفضحه، إذ إن صمته لم يكن إلا تهيئة له للبوح بالثورة والأمل».

«قلمي مكسور مسحوق حتى النسغ الأسود/ لن أغمسه في حبر مشبوه مستورد/ لن أكتب إلا ما شئت أنا/ ألا ما أرضى عنه/ لن أستفتي إلا قلبي/ أني أحتج عليكم بالصمت ولا أتردد».

رغم ثورته فهو هادئ، هو يحترق في دواخله، ولا تطفئ ثورته بعض الأبيات التي تنبثق من عمق حواسه وعواطفه، فيسكبها شعراً وجدانياً رقيقاً كرقة زهر البنفسج وعطرها.

«كتمتك في دمي سراً/ ومن ذا يكتم الألمَ/وضعتك لحن أغنية/ توالد في دمي ونمى»

أعرفه، ولا أعرفه من أي عام، غير أن قصيدته تتخثر في دمي كلما رجعت إليها، هو الصمت، والغليان، الرقة، والعنفوان، هو مثال لشاعر فارس يصر على إشهار سيفه حتى الشهادة.

Email