قراءة وشهادات حول تاريخ المسرح الإماراتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

زخرت الساحة المسرحية في الإمارات بمجموعة من الأسماء المسرحية، وقد وثق باحثون ومؤلفون للإرهاصات الأولى لحركتها، ولمراحل التأسيس اللاحقة، نرصد هنا مجموعة من الشهادات في قراءة ورؤية لمراحل كان لها صداها في تاريخ المسرح الإماراتي، من ضمن هذه الشهادات ما كتبه كل من الباحث عبدالإله عبدالقادر، وعبدالله الطابور .

 

بدأت تترسم عناوين خشبة المسرح الإماراتي، لكن دون توثيق رسمي، مع محاولات عدة في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، ويعد كتاب تاريخ الحركة المسرحية في دولة الإمارات ‬1960-‬1986 للمؤلف عبد لإله عبدالقادر، أحد أهم المراجع عن بوادر الفنون المسرحية في الإمارات، ومع أن التأكيدات جاءت بصدد الميلاد الرسمي لظهور المسرح الإماراتي بظهور المسرحي العراقي واثق السامرائي في الستينات، إلا أن الذين عاصروا وعملوا في بداياته أشاروا إلى أن شواهد الحركة المسرحية بدأت في الفترة ذاتها في الأندية الرياضية.

 ويؤكد عبد الاله عبدالقادر في كتابة على لسان عبيد صندل، أحد المسرحيين المخضرمين والمعاصرين لبوادر المسرح في الإمارات أن «النية كانت موجودة قبل الستينات، كما كانت لديهم القدرات والهوايات وكانوا يعملون بشكل مستمر، لكن الستينات أظهرت أن المسرح بدأ يقدم بشكل علمي».

 

سيناريو شعبي.. ومشاهد فطرية

استعرض الكاتب عبدالله الطابور، وهو باحث في تاريخ الإمارات الحديث والمعاصر، في مجلة الملتقى الأدبي، التي يصدرها مسرح رأس الخيمة الوطني في العددين الرابع والخامس في ديسمبر ‬1991 ؟ ومارس ‬1992 في مقال لملامح بداية الحركة المسرحية في الإمارات، في حديث عن ظهور الحركة المسرحية بالإمارات أنها خاضت ثلاث مراحل تتلخص فيها المظاهر المسرحية في التراث الشعبي، وظهور فن التمثيل ضمن النشاط المدرسي، وظهور فرق التمثيل في النوادي الرياضية وجمعيات الفنون، ليصف بعدها تأسيس الفرق المسرحية، التي تلت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.

وربط الطابور بين الفنون من جهة والألعاب والحكايات والأمثال الشعبية من جهة أخرى، وما لعبته من دور في خلق سيناريو ومشاهد تمثيلية أبرز بوادر المظاهر المسرحية في الإمارات وقتها، حيث قال «إذا تتبعنا بعض المظاهر المسرحية في الألعاب الشعبية والحكايات أو (الخرايف) والرقصات الشعبية والأغاني والمعتقدات كالزار، الذي يمارس بطريقة غنائية وحركية يصاحبها دق طبول، فإننا نلحظ مشاهد تمثيلية تدور بين أشخاص معنيين يؤدون أدوارهم ببراعة واقتدار».

 

المسـرح المدرسـي و المعسكرات الكشفية

يعد المسرح المدرسي النواة الحقيقية في تشكيل الفن المسرحي وتجذره في ثقافة الفن بالإمارات، بدءاً من أول مسرحية عرضت في العام ‬1950 بعنوان «فاصل تمثيلي» شهدتها مدرسة القاسمية بالشارقة، والتي كتبها وأخرجها ومثلها المرحوم بورحيمة، لتليها مسرحية «جابر عثرات الكرام» ‬1955 للمؤلف محمود غنيم والمخرج فايز أبو النعاج، وقد مثل وقتها في تلك النشاطات أبرز الوجوه التي شهدتها الساحة الثقافية في الإمارات، مثل تريم عمران تريم، محمد الشامسي، محمد الناصر، خلف الفندي، وصاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي.

ووصف الفنان محمد صفر النشاط المسرحي في المدارس بالخمسينات، أنه لم يكن يتعدى كونه «محاكاة المواقف الكاريكاتورية والحكايات الشعبية القصيرة التي تتناول حياة البدو، إضافة إلى احتفاظه بفقرات لبعض الأغاني الشعبية بمصاحبة العود». مضيفا أنه في سنة ‬1958 قامت أول بعثة مدرسية من الكويت بزيارة للمدرسة القادسية بالشارقة وتقديم بعض التمثيليات.

وقد جاء في مقدمة خطة عمل المسرح المدرسي لوزارة التربية والتعليم في العام ‬1972 (إن التربية المسرحية أساسها الحس الفني والذوق السليم، وتنمي في الطلاب والطالبات صفات الفنان من إحساس مرهف وصدر رحب وبذل وعطاء، وروح تربوية قائمة على أسس ودراسات نفسية تجعله مثلا يحتذى به في الخلق القويم والتوجيه السليم).لكن الكاتب عبد الإله عبدالقادر يرى أن تلك الخطة لم يتم تطبيقها في تلك الفترة، لأنه يرى أنه لو تم تحقيق نصفها على الأقل، لتوصلنا إلى تأسيس مسرح فعال ومؤثر، ويستطرد «بل لامتلأت مسارحنا بجمهور يعي ما يفعل ويتجاوب مع ما يرى.

كما كان للمعسكرات الكشفية في المدارس والأنشطة المصاحبة لها مساحة تفاعلية، مارس فيها الطلبة العديد من هواياتهم، ومن ضمنها التمثيل، ولفت عبدالله الطابور في موضوعه عن ملامح بداية الحركة المسرحية في الإمارات أن المسارح المدرسية كانت عبارة عن منصة يقوم الطلبة ببنائها بمساعدة من قبل المعلمين، عن طريق مجموعة من المواد تساعدهم على إنشاء مسرح بسيط يعكس صورة وطابع المجتمع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في تلك الفترة.

ويؤكد الطابور أن أثر الهيئات التعليمية، ودورها الكبير قد مهد لظهور الفرق المسرحية في النوادي الرياضية وجمعيات الفنون، والتي بدورها فعلت أسس الحركة المسرحية في الخليج العربي بشكل عام ودولة الإمارات بدرجة من الخصوص، كما كان للمعلمين الذين حضروا إلى الإمارات من مصر وفلسطين والأردن وسوريا أيادي بيضاء في انتشار الوعي، فنقلوا ما يوجد في بلادهم من مظاهر ثقافية وفنية ورياضية وكشفية إلى البلاد التي ابتعثوا إليها».

 

تشكل الفرق المسرحية

حسب المدخل التوثيقي لحركة المسرح في الإمارات، فإن الأندية الرياضية هي المساهم الأول في تشكل الفرق المسرحية في الإمارات، ففي عام ‬1958 قدم أول عرض مسرحي بنادي العماني بعنوان «طول عمر واشبع طماشة»، التي ألفها وأخرجها مجهود جماعي، وفي نفس السنة، تم عرض مسرحية «نهاية صهيون» في نادي الشعب، وهي بدايات صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي في الكتابة. والتي أشار إليها بأول نص مسرحي مكتوب في الإمارات.

وبين عبدالله الطابور أن النوادي الرياضية في فترة الخمسينات ساهمت في احتضان الأنشطة الثقافية والفنية، حيث يقول المسرحي حمد سلطان مؤسس فرقة التمثيل بنادي عمان برأس الخيمة معقبا على النص «تبدأ تلك التمثيليات بـ(فكرة) يطرحها أحد الشباب، ونقوم جميعا بتحويل هذه الفكرة إلى حوار نتفق عليه في ما بيننا، ثم نعرض التمثيلية في حفلات السمر، وفي المناسبات».

وتعتبر «نهاية صهيون» من المفارقات الجميلة في تاريخ المسرح في الإمارات، وذلك لكونها تلمس الحس القومي في تلك الفترة، وقد تم إيقاف عرضها من قبل المستعمر خوفا من آثارها، وقد سبقها عرض مسرحي مماثل بعنوان «الإسلام والتعاون» من تأليف وإخراج جمعة غريب، وعلى أثر عرض المسرحية قام الجمهور بعد العرض بتنظيم مظاهرات احتجاجية طافت شوارع المدينة.

ويذكر الطابور في مقالته حول ملامح بداية الحركة المسرحية في الامارات أن النشاط المسرحي بدأ في ‬9 أكتوبر من العام ‬1963 بالتدريب على مسرحية (سامحيني )، التي عرضت في ‬12 من ديسمبر ‬1963. التي ألفها وأخرجها واثق السامرائي ومثلها جمعة غريب، وأحمد صالح الخطيب، وبطي بن بشر، وعبدالرحمن الفارس، وعرضت على مسرح نادي الشباب.

 

منعطف صقر الرشود..

شهد المسرح في الإمارات قفزة مهمة مع مجيء الفنان صقر الرشود من الكويت، وهو مخرج وكاتب مسرحي كويتي من مواليد يونيو ‬1941، أسس في الكويت مع مجموعة من المسرحيين الكويتيين مثل غانم الصالح ومريم الغضبان ومريم الصالح فرقة مسرح الخليج العربي، وقدم معها أول عمل مسرحي من إخراجه، عام ‬1961.

 

ووصف عبدالإله عبدالقادر الحدث بأنه «أول ما جرى في المنطقة هو حماس غير طبيعي، وارتباط بيئي، وفهم مشترك، وسهولة في التعامل بين المسرحيين من جهة وبين الراحل صقر». وعقب المسرحي والكاتب الاماراتي عبدالرحمن الصالح أن خروج الرشود من الكويت إلى الإمارات كان بمثابة تحدي لتحقيق النجاح في الإمارات».

 

ويتمثل جهد صقر الرشود ومن شاركه المهمة الفنان إبراهيم جلال من العراق، والتي نتج عنها تأسيس قسم المسرح في وزارة الثقافة والإعلام في تلك الفترة، والتي عمدت على أخذ دور قيادي وأساسي في الحركة المسرحية في الدولة، إضافة إلى رفعهما مذكرة إلى الوزارة، ومن بين أبرز المقترحات إيجاد طريقة للعمل مع (الدراماتورج) وهو الرجل المتخصص في علم المسرح.

 

ويمكنه مساعدة الكاتب المسرحي في التقنية الموضوعية للكتابة، لإبراز كوادر كتابية شابة قادرة على إثراء المسرح المحلي. وبدأت فكرة تأسيس فرقة المسرح القومي للشباب عام ‬1972، وقد أعلنت عام ‬1973 كأول مؤسسة فنية بالإمارات تضم شباب الأندية بالدولة، حيث قدمت عروضا فنية وشعبية بنادي النصر بدبي بإشراف وزارة الشباب والرياضة وإخراج سيد بدران.

 

.» ، واعتبر الفنان ضاعن جمعة أحمد والذي عمل رئيسا لقسم المسرح المدرسي بوزارة التربية والتعليم أن «السيد بدران هو صاحب الفضل الحقيقي في هذا التأسيس، إذ جمع كثيرا من العناصر حتى بلغوا نحو ‬75 ممثلا. ثم تفرعت المسارح في الدولة بعد إشهارها، وما زال المسرح القومي قائما، وأما عناصره الأولى فهي التي شكلت بقية المسارح الأخرى». كما تشكلت تسعة عشرة فرقة مسرحية ومنها: في أبوظبي:

 

مسرح الاتحاد، ومسرح ليلى للطفل، مسرح الشرطة، مسرح الإمارات القومي، وفي دبي: المسرح القومي للشباب، والمسرح التجريبي، ومسرح دبي الشعبي، ومسرح عوض الدوخي. وفي الشارقة: مسرح الشارقة الوطني، والمسرح الحر. وفي العين: المسرح الحر بالجامعة.

 

وفي أم القيوين: مسرح أم القيوين الوطني. وفي عجمان: مسرح عجمان، ومسرح النادي الوطني للثقافة والفنون. وفي الفجيرة: مسرح الفجيرة القومي. وفي خورفكان: مسرح خورفكان الشعبي. وفي كلباء: مسرح كلباء. وفي رأس الخيمة: مسرح صقر رشود.

 

العناصر النسائية..بين التأسيس والكتابة

حسب المشاهدات فإن أول مشاركة للمرأة في المسرح بدأت في عام ‬1972، حيث ذكر كتاب تاريخ الحركة المسرحية في الإمارات أن «المرأة لم تشارك في المسرح حتى عام ‬1972 وقبل هذه الفترة كان بعض الشباب يقوم بالأدوار النسائية، وقد تخصص أمين محمد أمين بهذه الأدوار والفنان أحمد يوسف وسلطان الشاعر. وقد أكد البعض أن أول فنانتين من الإمارات أسهمتا في المسرح هما شادية جمعة، ومنى مبارك عام ‬1972.

 

وقد كانتا مطربتين شاركتا في الوفد إلى ليبيا بهذه الصفة، وسافرتا مع فريق الشباب إلى ليبيا عام ‬1975 لتمثيل دولة الإمارات في مهرجان الشباب العربي الثاني في مسرحية «غلطة أبو أحمد» من إخراج أبو عبيد»، مما سيشجع بعد ذلك ظهور العديد من الأوجه النسائية كموزة المزروعي ورزيقة الطارش ومريم أحمد ومريم سلطان ومريم سيف ومنى حمزة وعايدة حمزة وسميرة أحمد ورئاسة عبدالرحمن.

 

وتميزت العناصر النسائية في مجال الكتابة المسرحية في السبعينات، ولكنها اختفت ضمن سقف الحرم المدرسي، أو البيئي. حيث شكلت أقلامهم «ظاهرة حضارية»، كما وصفها الكاتب عبدالإله عبدالقادر في الجهود النسوية في إثراء النص المسرحي. حيث بين أن طاقاتهم شكلت حلماً واعياً وخص بالذكر الشيخة مهرة القاسمي، وفاطمة لوتاه، ونورة القاسمي، ومريم مدفع.

 

 

 

Email