الدراسة الأكاديمية للفنون البصرية تصقل الموهبة

الفنون تقارب بين الشعوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الفنون البصرية اللغة المشتركة بين شعوب العالم، حيث تتجاوز الفوارق بين الحضارات والثقافات وآلية التفكير، فمن خلال الفن تمتد جسور التواصل والتقارب والتعارف بين الثقافات، وعليه فإن تعلم الفنون يساعد الفنان على توسيع آفاق تفكيره وبالتالي الارتقاء بقدراته الإنسانية وفنه.

 تعد الفنون مفتاح التعرف على حضارات الماضي، حيث يُعلمنا فن كل حضارة عن حقبتها التاريخية وما وصلت إليه من تطور وازدهار. ولا تزال الفنون في الزمن المعاصر محوراً أساسيا من ثقافة الحياة، خاصة وأن مفهوم الإبداع لم يعد مقتصراً على قلة، إذ بات مطلوباً من الجميع في شتى مناحي الحياة. والإبداع في إطار الفنون البصرية بأجمعها يتطلب أكثر من الموهبة، فما يميز المخترع عن العالم، والأديب عن الكاتب، هو الاستزادة من المعرفة والمثابرة والصبر. وعليه فإن ما يميز الفنان عن الرسام هو سعة أفق الأول الذي يتجاوز بإدراكه ومخيلته حدود العالم المحيط به، وبالتالي تجاوز اللوحة التي يرسمها حدود محاكاة ونسخ الطبيعة.

 

بين الماضي والحاضر

كان الانطباع السائد عن الفنان فيما مضى خاصة في المجتمعات العربية، بأنه حالة ميؤوس منها، شخص فوضوي أو عبثي أو (بوهيمي)، وبالخطوط العريضة شخص فاشل خمول متقاعس يتخذ من الفن ذريعة للانعزال عن محيط عالمه، لينفصل عن الواقـــع ويعيش في عالم الأوهام. بالطبع نحن لا ننكر وجود مثل هذه الصورة بيننا في الماضي والحاضر، لكن الفنانين الذين استطاعـــوا ترسيــخ مكانتهـــم في عالم الفن خاصة في الستينيات من القرن الماضي وما تلاها، تختلف كلياً عن شخصيـــة الفنـــان التي رسخت في أذهاننا.

 

المناخ الأكاديمي

بقصد التعرف على السبل التي يمكن من خلالها الارتقاء بالموهبة إلى مرتبة الإبداع في الفنون البصرية، قامت (مسارات) بجولة ميدانية في كلية الفنون الجميلة بجامعة الشارقة، بهدف الاطلاع على المناخ الأكاديمي والفرص المتاحة في حقول الفنون للطلبة الذين يمكنهم تسخير قدراتهم في الواقع المهني والعملي في الحياة. بدأت الجولة الميدانية بزيارة طلبة السنة الأولى أو التأسيسية.

حيث تجمعوا في الاستوديو (‬1) من مبنى الجامعة، كان ذلك بعد خروجهم من قاعة المسرح مقر لقائهم الصباحي بأساتذتهم لوضع خطة عملهم اليومي. وسرعان ما تم توزيعهم إلى ‬7 مجموعات لتضم كل مجموعة ما يقارب من ‬15 طالبـــة وطالبا، أما المشروع الذي كانوا يعملون عليه فيندرج في حقل الفن التشكيلي، ويتمحور حول (الشارقة عاصمة للثقافــة الإسلامية عام ‬2014).

 

خلف كل لوحة

اتخذ كل فريق من طلبة السنة الأولى ركناً من القاعة، وبدأ الطلبة يفتحون ملفاتهم ودفاتر الرسم ومناقشة أفكارهم، في هذا الإطار قالت شيخة عبدالله قائد الفريق (‬3)، (نحن نعد للوحة مستلهمة من التعلم والتعليم. من العلوم والرياضيات واللغات والفنون إلى التقنيات الحديثة التي مهدت لعصر جديد من العلوم المتقدمة).

كانت الفنانة والدكتورة نجاة مكي تستمع إلى شرح الطلبة وحينما انتهوا من تقديم شروحاتهم وبعد مشاهدتها لرسوماتهم قالت، (من المفيد أن تستمروا في رسم المزيد من الدراسات لرؤيتكم مع البحث عن القيم الفنية، وستلاحظون بعد مدة أن رؤيتكم الجديدة للفكرة تختلف وتتطور، وكيفية اختزال العناصر). وقال مهند محمود قائد الفريق رقم (‬3)، (ثيمة مشروعنا الضيافة والسياحة في الشارقة. وقمنا خلال الشهر الماضي بالعديد من البحوث عبر الانترنت والمكتبات والصور.

واستطعنا جمع كمٍ من الصور لمبان معمارية قديمة، إضافة إلى شعارات الهيئات والمؤسسات الكبرى، إلى جانب أهم معالم الشارقة من المناظر الطبيعية إلى أسواقها القديمة ومتاحفها)، وأضاف، (يكمن التحدي بالنسبة لنا في ترجمة هذه الصور واختزالها بمفهوم فني معاصر من خلال لوحة واحدة).

أما الفريق رقم (‬4) فاختار موضوع البيئة وقالت مرام ابراهيم قائدة الفريق، (استطاع أفراد الفريق خلال هذا الشهر انجاز بحوثهم ومن ثم رسم تصورهم من خلال اسكتش، واليوم بين أيدينا مجموعة من الرسومات التي أثارت إعجاب المدرسين، ونحن الآن بصدد وضع تصور السكتش النهائي لنقوم بتنفيذه في المرحلة التالية، بالطبع لدينا ما يكفي من الزمن لإنجازه كما نريد، حيث يتم عرض هذا المشروع مع أعمال طلبة السنوات العليا على هامش المعرض السنوي لحفل الخريجين).

 

آفاق الفن

بالعودة إلى المنهج الأكاديمي للفنون قال ثائر هلال، يركز المنهج في السنة التأسيسية على تأهيل الطالب على صعيد التعرف على مختلف توجهات الفنون البصرية، من الرسم إلى الحفر، والتصميم المعماري، الداخلي، وتصميم الأزياء والمنسوجات، الغرافيك والوسائط المتعددة في وسائل التعبير الصورية، إضافة إلى امتلاكه آلية التفكير التي تعد المصدر الأول لقيمة العمل الفني وبالتالي تميزه). ويتجلى من خلال الجولة بين مختلف سنوات الدراسة وفروع التخصصات في الكلية، حقائق تؤكد أن المفهوم العام الاجتماعي والوعي السائد بدور الفنان لا زال محدوداً.

وما يؤكد على ذلك هو المفارقة الكبيرة بين نسبة عدد الطالبات مقارنة بنسبة الطلبة التي تشكل ‬10٪ فقط، كذلك نسبة المشاركات العالية في بعض التخصصات، كالتصميم المعماري الداخلي وتصميم الغرافيك والوسائط المتعددة. تعكس هذه النسب كما ذكرنا قناعة المجتمع، سواء من خلال الطلبة أو أهاليهم الذين تتبلور قناعتهم في اختيار الاختصاص الذي يؤمن لهم فرص عمل واسعة في حياتهم المهنية مستقبلاً. وما يجهله الكثيرون أن فرص النجاح والإبداع إنما تكمن في ميول وموهبة الإنسان، وليس في التخصص المطلوب أو الذي يدر مالاً.

 

معايير النجاح

الأمثلة على معايير النجاح في التاريخ عديدة، فكم من طبيب هجر مهنته لصالح الأدب أو الموسيقى أو أي من الفنون الأخرى ليخلد التاريخ اسمهم. ونذكر على سبيل المثال الأديب الروسي أنطون تشيخوف (‬1860- ‬1904)، والسكوتلندي آرثر كونان دويل (‬1895 ؟ ‬1930) الذي ابتكر شخصية شرلوك هولمز. في العالم العربي الموسيقار أحمد صبري النجريدي الذي هجر مهنته في طب الأسنان ليضع الألحان لكوكب الشرق أم كلثوم، والطبيب الجراح حسن محمد حسن الفقي (‬1906 ؟ ‬1990) الذي أصبح أحد أبرز رواد حركة الفن التشكيلي في مصر.

 

آخر المطاف

في الختام قال الدكتور حسن عبدالله عميد كلية الفنون الجميلة حول واقع الفن في مجتمعاتنا العربية، (ما لا يدركه الكثيرون أن دراسة الفنون تفتح الكثير من الآفاق أمام مريديها، من النقد الفني إلى العمل في المتاحف فالتدريس إضافة إلى تفرغ الفنان لإبداعاته.

بالطبع لم يعد المفهوم المحدود لأهمية دور الفنان مهيمناً على المجتمع كما كان في الماضي خاصة في السنوات الأخيرة، ويظهر ذلك من ارتفاع نسبة عدد الطلبة المنتسبين للكلية، ففي عام ‬2006 بلغ عدد الطلبة المنتسبين ‬30 طالباً وطالبة، ووصل عدد المنتسبين في عام ‬2010 إلى ‬127. ولا زلنا نطمح إلى تفعيل دورنا في الارتقاء بوعي مجتمعاتنا في هذا الإطار، وذلك من خلالنا مشاركتنا في العديد من الأنشطة بالتعاون مع الجهات المعنية بالثقافة والفن).

Email