أمكنة

مسجد الملك فيصل..رحابة المكان تعانق فن المعمار الإسلامي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل مسجد الملك فيصل مفردة جميلة في لوحة استنفدت ألوانها الساحرة في تجسيد مشهد آسر للعين وللفؤاد، وهو أكبر مسجد في الشارقة ومميز بموقعه إلى جوار السوق المركزي بطرازه المعماري الإسلامي الأصيل وميدان وحديقة الاتحاد بخضرتهما

يعد مسجد الملك فيصل علامة بارزة من معالم مدينة الشارقة، ليس فقط لقيمة بنائه وتصميمه الهندسي الفريد، ولكن لموقعه الممتاز الذي تم اختياره بعناية فائقة، فهو يقع في منطقة السور بالقرب من السوق المركزي وميدان الاتحاد، وإذا توقفنا مليا أمام هذين المكانين وما يعنيانه من إضافات خفية للمسجد فسنكتشف الكثير. فالسوق المركزي ببنائه العتيق وهندسته المعمارية الجميلة وقبابه البارزة ونقوش جدرانه من الخارج يضع المتابع أمام لوحة فنية لحضارة إسلامية، فإذا دارت العين دورتها استوقفها مسجد الملك فيصل ببنائه الشامخ ومئذنتيه اللتين تنتصبان بارتفاع سبعين مترا، ليشكل البناءان المتجاوران والمتناسقان في الشكل والطراز المعماري الإسلامي مادة تستوقف العين كثيرا، أما ميدان الاتحاد المجاور تماما للمسجد فهو يضفي للمشهد العام مساحة خضراء متنوعة فيها النخيل والأشجار والورود ممتدة على بساط أخضر كبير.

ومن هنا تأتي أهمية موقع مسجد الملك فيصل ليكون مفردة جميلة في لوحة استنفذت ألوانها لتصبح مكتملة العناصر، غير أن المسجد في موقعه يعد أيضا مادة للفرجة لمستخدمي شارع العروبة والعابرين بسياراتهم على الجسر، وتظل بالطبع الخدمة التي يقدمها المسجد في موقعه هذا لأعداد كبيرة من المصلين، فهو يخدم تجمعا سكنيا كبيرا إضافة لرواد السوق المركزي وحديقة ميدان الاتحاد وفوق ذلك جموع المصلين الذين يأتون بسياراتهم، فإذا عرفنا أن موقف السيارات المخصص لمرتادي المسجد يتسع لثمنمئة سيارة فما هي سعة المسجد من المصلين إذن؟.

من ينظر ويتمعن في حجم المسجد وما يحيط به من مساحة للمواقف وما يجاورها من فضاءات يشكلها ميدان الاتحاد وحديقته سيكتشف دون أن يخبره أحد أنه أمام أكبر مسجد في مدينة الشارقة، أما تفاصيل المبنى من الداخل من حيث السعة والمساحة فإن المكان المخصص للصلاة تبلغ اثني عشر ألف متر مقسمة لعدة صالات منفصلة وتصل بينها فقط الأبواب.

وهذه الصالات تتسع لآلاف المصلين، وتحديدا فإن أمكنة الصلاة في المسجد تتسع لأكثر من 16670 مصلياً بغض النظر تماما عن المساحات المحيطة بالمسجد والتي يمكن للمصلين أن يصلوا فيها صلاة الجمعة مثلا، كما أن المسجد يحتوي على جزء من الطابق الأرضي مخصص كمصلى للسيدات، أما الطابق الأول فهو مصلى رئيسي للرجال، لكن مهمة بناء المسجد لا تتوقف عند استيعاب أعداد المصلين فقط.

وإنما هناك أجزاء مخصصة لخدمات أخرى، ففي الطابق الأرضي توجد مكاتب قسم الصيانة التي تتابع عن كثب ما يطرأ من تلفيات أو انتهاء صلاحية للأدوات المستخدمة سواء الكهربائية أو تلك المستخدمة في وصلات المياه وتقوم بإصلاحها أو صيانتها في الحال، وهناك مساحة أخرى مخصصة للمخازن بما تحتويه من قطع غيار ومعدات تابعة للمسجد.

وفي نفس الطابق توجد مكاتب الجمعية الخيرية النسائية، وهذه بدورها تضفي على المسجد ومبناه صورة من صور التعاون والتكافل في الإسلام، كما يضم هذا الطابق مكانا خصص لدورات المياه ملحقا بها زاوية للوضوء، وكما قلنا أنفا ان الطابق الأول هو مصلى للرجال ولكنه يحتوي أيضا على مكاتب لقسم الوعظ، ويبقى الطابق الثاني والذي تم تخصيصه لمكاتب دائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ولما كانت هناك طوابق متعددة في المسجد فقد استدعى ذلك أن يكون هناك مصعدان لخدمة الموظفين والمراجعين.

وإذا عدنا لمساحة المسجد وعملية اختيار موقعه فسنعرف أن كل شيء لم يكن مجرد صدفة بل كانت هناك دراسات لكل كبيرة وصغيرة، فتاريخ بناء المسجد يعود إلى منتصف الثمانينات، أي قبل ثلاثة وعشرين عاما، ومع مرور هذه المدة الكبيرة فإن المسجد لم يتأثر لا بزيادة حركة مرور تؤدي إلى زحام حوله، ولا بأعداد متزايدة من المصلين جراء تنامي عدد البنايات السكنية التي يتم إنشاؤها في المنطقة، أما المساحات الواسعة التي تحيط بالمسجد بما في ذلك مواقف السيارات والمحافظة عليها .

كما هي فهي التي تمنح المكان أريحية من الناحية العملية والبصرية، فمن يمر بجانب المسجد يشعر بهيبة للمكان، هذه الهيبة مصدرها الرحابة وبفضائها الواسع وبالطبع شموخ بناء المسجد بحجمه الكبير، أما إنشاء المسجد فقد بدأ أولا باختيار المكان ووضع الرسومات الهندسية المتضمنة شكل المسجد وملحقاته، أما عملية البناء نفسها متضمنة وضع اللمسات الأخيرة فقد استغرقت عامين، وتم الافتتاح بتاريخ 23 يناير 1987.

وبلغت تكاليف الإنشاء سبعة وثلاثين مليون درهم، وقد صممت واجهة المسجد بشكل هندسي إسلامي واستخدم الحجر الصناعي في زخرفتها، أما الأعمدة الداخلية فقد تم كسوتها بالرخام مع تواصلها بأقواس مقلوبة متصلة بسقف المبنى، وتم الأخذ في الاعتبار كبر مساحة وحجم المسجد وتوقع العدد الكبير للمصلين فيه وقد روعي أن تكون المداخل مقسمة على ثلاث جهات حيوية وعبر سبعة أبواب موزعة بطريقة تضمن سلاسة الدخول والخروج دون حدوث ازدحام.

يقول محمد علي ناصر (من سكان المنطقة المجاورة للمسجد): منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أصلي في مسجد الملك فيصل، فأنا أسكن في هذه البناية المقابلة، وأرى أنني محظوظ بهذه الجيرة مع هذا المسجد الجميل، لقد تعودت على الصلاة فيه وحفظت وجوه كثير من المصلين الذين يواظبون على المجيء إليه.

وفي اعتقادي أن المساحة الكبيرة التي يتمتع بها المسجد هي أكبر مميزاته وأهمها، فالمساحة تضفي أريحية على المصلين من حيث ارتفاع سقف المسجد وجودة أنظمة التهوية والتكييف، كما أن المكان كلما كان واسعا كلما كانت هناك فرصة أكبر للحركة بحرية ويسر، أما الزخارف المستخدمة على الجدران فهي في غاية الروعة وتصاميمها مختارة بعناية ودقة، فهي عميقة في دلالاتها وبسيطة في ألوانها وخطوطها حتى لا تأخذ المصلي بعيدا عن صلاته.

وما يقال عن زخرفة الجدران ينطبق تماما على السجاد وخطوطه المتناسقة والمتواضعة في ألوانها وتعاريجها كثيرة هي المساجد الجميلة والرائعة التي صليت فيها سواء داخل دولة الإمارات أو خارجها، لكنني ارتبطت كثيرا بهذا المسجد، ربما لأنني تعودت على ذلك منذ سنين طويلة وحفظت قدماي الطريق إليه، لكننا في النهاية نتحدث عن بيت من بيوت الله وكلها جميلة ومحببة للنفوس.

عز الدين الأسواني

Email