أ. دكتور نجيب الخاجة مؤسس أول مركز الأ مراض وجراحة القلب المفتوح في دبي

أ. دكتور نجيب الخاجة مؤسس أول مركز الأ مراض وجراحة القلب المفتوح في دبي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن أن يهمل الإنسان أي عضو في جسمه، إلا القلب لأن تداعياته المرضية ستنعكس على الجسم كله، والقلب بمثابة محرك السيارة، فإذا أصاب هذا المحرك الخلل، لا تستطيع السيارة تحمل عناء السفر، وقد تتوقف تماما وستخذلك في أي رحلة. وإذا كان يمكن الاستغناء عن عضو في أي حادثة أو عملية جراحية، إلا أن أي خلل في القلب قد يؤدي إلى فقد القدرة على الحركة أو فقد الحياة.

كما أن إجراء أية عملية قلب مفتوح لا تحتمل أي خطأ، لأن أي فشل لا سمح الله ستكون عواقبه وخيمة على المريض. ومن هنا يأتي دور الطبيب الجراح الماهر الذي يكتسب ثقة المريض فيحترم مهنته ويصل معها إلى درجة العشق والتعلق. مجلة «الصحة أولاً» التقت الأستاذ الدكتور نجيب الخاجة، حيث روى تجربته الثرية مع دراسة الطب، وفي قرابة الساعة والربع ساعة اختزل تجربة دامت أكثر من ثلاثة عقود ما بين الدراسة والتخصص في جراحة القلب في السويد ليقدم لنا أنموذجا راقيا ومثاليا عن شاب كافح سحابة طويلة من عمره في أكاديميات الطب الشهيرة ما بين القاهرة والسويد ليصل به المطاف في النهاية إلى وطنه الإمارات ليصبح أول طبيب في جراحة القلب يؤسس قسماً لجراحة وأمراض القلب في مستشفى دبي. سيرته الذاتية تعد رصيدا من الخبرات وسيظل كتابا مفتوحا يقرأه الشبان الطامحون في اقتفاء أثره علما ومهارة وخلقا وشجاعة.

25 عاما مضت على عمله في ميدان جراحة القلب المفتوح، أجرى خلالها عمليات قلب خطيرة ومعقدة، كللت جميعها بالنجاح والحمد لله، كما قدم للمكتبة العلمية العالمية المتخصصة في جراحة القلب المفتوح وأمراض القلب ثروة هي عبارة عن 140 بحثا، أضافت الكثير إلى تطوير عمليات جراحة القلب. وهو عدا عن ذلك احترف مهنة البحث العلمي، ولذلك هو يتبوأ الآن منصب الأمين العام لجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية رئيس المركز العربي للدراسات الجينية.

* ما هو الحافز الذي جعلكم تتخذون ذلك القرار المصيري بدراسة الطب؟ هل كان في حياتكم أنموذج ما أضاء لكم الطريق وأقنعكم لولوج هذا المعترك الدراسي الصعب؟

- الحقيقة إن توجهاتي وهواياتي في الحياة كانت تنصب على العلوم، أي أن ميولي هي علمية بالكامل. وكانت قراءاتي السائدة تخص العلم، ولم يكن يجول في ذهني في ذلك الوقت سوى دراسة الطب. وأذكر أنهم عندما طلبوا مني كتابة التخصص الذي أود دراسته في الجامعة، فكتبت أولا وأخيرا الطب.

لقد مر الكثير من الأطباء في طفولتي، ولكن لم يكن أحد من أهلي طبيبا. ولكن أكثر ما لفت نظري كان شقيق أحد أصدقائي وكان يدرس الطب. أعجبت بشخصيته، وأذكر أنني أعجبت بالطريقة التي كان يتحدث بها والتي يذاكر بها، فكانت ملفتة للنظر، وكنت أتخيله طبيبا على الرغم من أنه كان لا يزال في أول الطريق.

وقد استهواني لأنه كان شابا مثابرا ويختلف عن باقي الشباب. لقد تبلورت لدي رغبة قوية في أن أصبح طبيبا، فضلا عن دعم أهلي لهذه الفكرة، فلم يكن بين أفراد الأسرة أي طبيب،بل كان جميع أفراد أسرتي يعملون في التجارة والمجال التجاري. وهكذا اخترت مجالا مخالفا للتجارة، وهو مجال كان وطني في أشد الحاجة إليه.

لقد كنا في ذلك الوقت في بداية نشوء دولة جديدة دولة، كانت فيما مضى إمارات متفرقة أو دويلات صغيرة على أرض واحدة، وتحولت بفضل الله وجهود حكامها إلى دولة اتحادية انصهرت في كيان واحد. وتشكلت نواة وحدوية في تجربة رائدة لم يسبق لها مثيل في الدولة، وأصبحت في مصافي الدولة المتقدمة وأنموذجا اتحاديا يحتذى.

وبعد مرور نحو 35 عاما على قيام هذا الاتحاد لم يتعرض إلى أية هزة ولو كانت بسيطة والفضل يعود لله تعالى والحكام الذين آمنوا بحتمية أن يكون أبناء هذا البلد في إطار سياسي واقتصادي واحد.

ونجحت هذه الدولة في استثمار مواردها بشكل جيد وبطريقة سليمة جدا من خلال التأسيس لبنية تحتية لا مثيل لها في المنطقة العربية، حتى أنها باتت تنافس أية بنية تحتية متقدمة في العالم. وأصبح لهذه الدولة طرق حديثة ومستشفيات ومطارات متطورة تنافس أهم المنشآت في العالم. وباتت الدولة تنتقل من إنجاز إلى آخر بخطى حثيثة وواكبت عملية بناء البنى التحتية بناء الإنسان القادر على تحمل مسؤولياته في الدولة العصرية.

الحقيقة إننا عندما تخرجنا من جامعة عين شمس في العام ,1974 لم يكن هناك في الإمارات أي جامعة ولم تكن جامعة الإمارات قد أنشأت بعد. وقبيل فترة إنشاء الجامعة كانت الدولة ابتعثت مجموعات من الطلبة للدراسة في الخارج.

لقد انتشر طلبة الإمارات في أنحاء الأرض ينشدون العلم للعودة لخدمة بلادهم، وكانت تخصصاتهم في كل المجالات: في الطب، الهندسة، العلوم التقنية المختلفة، في العلوم السياسية والاقتصاد).

وكان هؤلاء الطلبة اللبنة الحقيقية والبنية الأساسية لهذه الدولة. وعادوا بعد أن أمضوا أعوامهم الدراسية وتخرجوا ليستلموا أرفع المناصب في مختلف وزارات ومؤسسات الدولة، في المرافق الخدمية، في المستشفيات وفي السفارات وفي التجارة والمؤسسات الاقتصادية.

وبالطبع فإن كل الفضل يعود إلى رغبة الدولة وحكومتها في خلق جيل جديد من المتعلمين والمتخصصين، وجيل قادر على حمل هذه المسؤولية الكبيرة التي وضعت على عاتقهم.

أنا أعتبر نفسي محظوظا جدا، لأنني عشت في تلك الفترة الخصبة المليئة بالأحداث والتحديات وفترة تأسيس الدولة ورؤية هذه الدولة تتبلور وتتحول من مدن صغيرة وبنية تحتية فقيرة، إلى دولة تمتلك أفضل بنية تحتية في المنطقة العربية. حتى أنها وصلت إلى مصافي الدول المتقدمة. ولم يتوقف الأمر عند تلك المرحلة، بل أصبحنا روادا على المستوى العالمي وباتت دول كثيرة تستعين بخبراتنا وأصبحنا ندير مؤسسات ضخمة عالمية في أوروبا وأميركا وشرق آسيا.

* وماذا بعد دراسة القاهرة والماجستير؟

- مرحلة القاهرة كانت جميلة عرف جدا، وهي مرحلة دراسة الطب وأنا أرى أن السنوات السبع التي أمضيتها في القاهرة كانت سنوات عظيمة في حياتي، وهي تجربة الغربة الأولى، وقد اكتسبنا تجربة الازدحامات والمدينة الكبيرة.

لقد كانت القاهرة بالنسبة لنا مدينة جميلة، ففيها منابع الفن والأدب والعلوم فضلا عن حياة مختلفة عن حياة البساطة التي كنا نعيشها هنا في الإمارات.

علمتنا الغربة التحدي والاعتماد على النفس وجعلني كل ذلك التحدي أصبح طبيبا، وأعود لأخدم هذا الوطن.

إن أول شيء قمت به بعد التخرج من كلية طب جامعة عين شمس هو الانضمام إلى دائرة الصحة التي ما زلت أعمل بها منذ العام .1982 عملت في الدولة وبالتحديد في مستشفى راشد في دبي حتى العام 1985 .

وفي العام 1985 غادرت إلى بريطانيا لاستكمال دراستي العليا، وأمضيت سنة كاملة في دورات تقوية العلوم الأساسية في لندن ذاتها في جامعة «رويال كوليج أوف سيرجنز» (الكلية الملكية للجراحين) مدة سنة تقريبا، وعملت هناك فترة شهرين في بريستول في تخصص جراحة القلب.

ولكن لأسباب كثيرة انتقلت بعدها للدراسة في السويد في جامعة جوتنبورغ في مدينة جوتنبورغ. كان ذلك في نهايات العام 1985 وكان التخصص الذي اخترته جراحة القلب والصدر، وحصلت على شهادتي الماجستير والدكتور. أولاً حصلت، بالطبع، على الماجستير ومن ثم الدكتوراه. وخلال الخمس سنوات التي قضيتها في السويد تعلمت اللغة السويدية واستطعت تعلم الجراحة (جراحة القلب) والصدر على أصولها.

؟ هل واجهتكم أية عقبات أو تحديات أثناء دراستكم في السويد؟

- نعم كان هناك تحديات وهناك بلا شك تحديات لكل طبيب مبتعث إلى الخارج، وهي تحديات التكيف مع الوضع والبيئة الجديدين. ففي الغربة هناك أجواء اجتماعية مختلفة عن الأجواء الاجتماعية في بلدك وأناس مختلفين والطبيعة أيضا. فالسويد بلد شديد البرودة والسويديون يتسمون بطبع الهدوء إلى درجة دفعك للشعور بالسأم.

وهناك تناقض شديد بين الصيف والشتاء، فالصيف نهاره طويل جدا والليل فيه قد لا يزيد على أربع ساعات، وبالمقابل فإن الشتاء نهاره قصير للغاية وليله طويل حالك الظلام. هذا الانطباع من شخص عاش حياته الدراسية في القاهرة التي تضج بالحيوية وقادم من بلاد صحراوية تنعم بالشمس ولا تعيش ثقل كثافة الأبنية وضيقها بالازدحامات السكانية.

والواقع فإن رحلتي إلى السويد كانت تغيير لنمط حياتي وبيئتي وانقلاب بنسبة 360 درجة، وحتى يمكنني التكيف مع هذه البيئة الباردة والهادئة حتى السأم كان لا بد من قدرة رهيبة على التحمل. أما التحدي الأكبر فكان مواجهة رد فعل السويديين الذين أحسوا أن القادم الأجنبي الجديد «جاء ليأخذ شغلنا ويأخذ مكاننا»...

والغير في العموم موجودة في أي مكان، والعصبية هذه كانت تعني بالنسبة لي موجهة تحد كبير ومنه مزاجية الأساتذة في التعامل مع مثل هذا الشخص الذي جاء ليحصل على أعلى الدرجات العلمية. كل تلك عوائق ينبغي على المبتعث أن يتعلم كيف يواجهها، وأحيانا يرخي وأحيانا يشد، لكن في آخر النهار فإن من يثبت ويكون صلب الإرادة ويصمد أمام كل تلك التحديات هو الذي يكتب له النجاح. وينبغي على المبتعث أن يتحمل وأن يكمل ما بدأه من مشوار علمي حتى يحقق أهدافه في التحصيل العلمي الذي سيفيده وسيفيد الوطن.

خلال تواجدي في السويد نجحت في المساعدة على إبرام اتفاق بين الإمارات والسويد لتدريس طلبة من الإمارات في جامعة جوتنبرغ وفي مدن أخرى من السويد، وفي أعقاب الاتفاق بدأ سيل من الدارسين يفدون إلى السويد حتى بلغوا أكثر من أربعين دارسا وكلهم درسوا الطب في الجامعات السويدية. ممكن القول أن هؤلاء الطلبة (الأطباء) أصبح بعضهم يتبوأ مراكز عالية جدا في تخصصات كثيرة وهم من أفضل الأطباء في دائرة الصحة وموزعون في مختلف مستشفيات الدولة.

ومنهم رئيس قسم الجراحة الدكتور فيصل ( جراحة القلب) والدكتور مأمون في جراحة الأطفال وهناك الدكتور في جراحة الأعصاب والأمراض النفسية والأسنان وفي الأطفال. عندنا في كثير من التخصصات اليوم لو رحت مستشفى راشد اليوم وقلت من يتحدث اللغة السويدية فيمكن أن تعثر على أكثر من 25 طبيب متخصص يتكلمون اللغة السويدية لأنهم كلهم درسوا، بفضل تلك الاتفاقية، اللغة السويدية.

؟ مارستم مهنة جراحة القلب المفتوح في مستشفى دبي ولا شك أنه تولد لديكم إحساس المبتكر والمبدع، فهل أضفتم إلى هذه المهنة أي ابتكار جديد أو خصوصية علمية جديدة؟

- أريد القول إنني محظوظ جدا ومن حظوظي أنني أخذت تخصصا لم يكن موجودا في الدولة، وكان إيماني أنني إذا درست شيئاً جديدا لم يكن مطروقا بين طلبة الإمارات فإن ذلك سيمنحني القدرة على أداء خدمات جليلة للدولة وللمواطنين.

عندما عدت من دراستي العام 1992 كلفت بتأسيس قسم جديد لم يكن له وجود في الإمارات الشمالية، وهو قسم جراحة القلب والصدر وقد قمت بتأسيسه، وقصة التأسيس تحتاج إلى سرد مطول لأنها تجربة عظيمة بحاجة للدراسة وأن تتطلع عليها الأجيال القادمة. فإنشاء قسم جراحة القلب والصدر في مستشفى دبي هو تحد كبير بحد ذاته.

فالذين عادوا من الخارج حاملين شهادات الدكتوراه في الاختصاصات المختلفة، غير جراحة القلب، عادوا فوجدوا كل شيء جاهز ومعد لهم فاستلموا مراكزهم فورا وباشروا العمل. أما بالنسبة لتأسيس وحدة جراحة القلب فلم يكون هناك قسم بهذا المسمى ولم يكن هناك كادر طبي، والحقيقة أنه لا يمكن الاستعانة بأقسام العيادات المختلفة لأن الكادر الطبي الذي يحتاج إليه برنامج جراحة القلب مختلف تماما عن الكوادر الطبية المختلفة الأخرى.

يعني طبيب التخدير يمكن أن يباشر عمله في كافة التخصصات. فهو يخدر النساء المريضات بأمراض النساء أو الحوامل أثناء الوضع وأطباء العناية المركزة للقلب يختلفون عن أطباء العناية المركزة للجراحات والأمراض المختلفة وكذلك الأمر بالنسبة للفنيين.

وينبغي أن يكون فني جراحة القلب المكلفة التحكم بأجهزة وأدوات غرفة عمليات جراحة القلب المفتوح مختلف عن الفنيين الآخرين، وعلى ذلك فإن الشخص الذي ينبغي أن يتحكم بأجهزة القلب والرئة الاصطناعية مختلف. كما أن الأجهزة والمعدات المستخدمة في جراحة القلب مختلفة تماما. وهنا أنت بحاجة لطاقة طبي كامل منفصل تماما عن الكادر الطبي الموجود في المستشفى، وهو قادر على أداء دوره في غرفة جراحة القلب بكفاءة عالية تصون للمريض عافيته وشفائه.

لقد كان إسهامي في بناء قسم جراحة القلب والأمراض القلبية كبيرا منذ البداية، ولتأسيس القسم كان لا بد من الاستعانة بطاقم من أطباء جراحة القلب والفنيين الآخرين السويديين لتدريب طواقم محلية، وقد مكث السويديون معنا طوال عام. أكملوا مهمتهم ورحلوا.

وأقول حتى تستطيع إقامة قسم جراحة قلب ينبغي أن يكون لديك تناغم في العمل والخبرة ونقل للخبرة السويدية،التي عشتها وعرفتها،إلى دبي وحتى يحصل الفريق الطبي الذي سيستلم من السويديين على الخبرة والمهارة بالكامل. والحمد لله يقوم هذا الفريق بواجبه بكل مهارة، بينما تظل علاقتنا العلمية بالسويديين قائمة، ولدينا أطباء زائرون من السويد يأتون لزيارتنا على فترات، ولكن فريقنا الطبي أتقن كل المهارات الجراحية وقد انقطعنا عن الفريق السويدي عشرة أعوام.

لقد استمر الفريق الطبي في العمل ولم يتوقف إلا لفترات قصيرة خلالها قمنا بتطوير القسم وتحديثه. وخلال السنوات الماضية أجرى الفريق الطبي ألوف العمليات من كل الأنواع، وكان بعضها من أصعب العمليات.

* هل أنتج القسم منذ إنشائه عدداً من اختصاصيي القلب أو جراحي القلب يشهد لهم بالكفاءة العالية؟

- من الأطباء المشهود لهم بالكفاءة العالية والذي أكمل دراساته العليا في السويد الدكتور عبيد وهو الآن في القسم. هناك أطباء آخرون يمتازون بكفاءة عالية أيضاً. وخلال الفترة الماضية استطعنا، في القسم، تقديم أكثر من خمسين بحثا خاصا بجراحة القلب نشرت كلها في أهم المجلات والدوريات العملية الطبية العالمية المتخصصة، وحازت كلها على تقديرات عالية.الحمد لله ما تم إنجازه في مستشفى دبي كان مذهلا.

*هل يتوفر في قسم جراحة وأمراض القلب العدد الكافي من الأطباء؟

- لدينا حاليا ثلاثة أطباء بمرتبة استشاري بشكل دائم وهناك 4 اختصاصيين، والقسطرة موضوع آخر غير جراحة القلب المفتوح له أطباؤه واختصاصييه. ويجري الفريق الحالي ما بين عملية إلى عمليتي قلب مفتوح يوميا في القسم. ومنذ 4 سنوات أصبحت أنا رئيسا لمركز أمراض وجراحة القلب في مستشفى دبي.

أصبحت مسؤولاً حتى عن أمراض القلب ونجح المركز في تغيير مسماه ومسؤولياته، يعني حقق المركز في مستشفى دبي إنجازات كبيرة. وسأضرب على ذلك مثالا بسيطا وهو أن المركز أجرى في العام 2003 خمسمائة عملية قسطرة ولكن في نهاية 2006 أنجز المركز 2000 عملية قسطرة وزادت أنواع العلاج حتى أفرع الأقسام في مركز جراحة القلب اختلفت تماما.

وأصبح لدى المركز أطقم جديدة من الأطباء في تخصصات قلبية مختلفة دقيقة جدا. كل طبيب تخصصي لمرض معين في القلب، ولم نعد نقول أنا طبيب قلب فقط، بل أنا طبيب قلب متخصص في فرع مثل القسطرة أو متخصص في الموجات فوق الصوتية.

* كم هي نسبة الأطباء المتخصصين في جراحة القلب؟

- الحقيقة لدينا 3 أطباء مواطنون في تخصصات القلب في مستشفى دبي. وكما هو معروف فقد حقق المركز(مركز جراحة وأمراض القلب) نقلة نوعية كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية في خدماته وفي دوره العلاجي على مستوى الدولة وعلى مستوى الخدمات والحمد لله أسهمنا في تحقيق إنجازات رفيعة بسبب المهارات العالية لأطبائنا.

* هل تقومون بتدريب أطباء متخصصين من الدولة أو خارجها؟

- يأتي أطباء لزيارتنا لفترات محدودة لا تتجاوز الشهر أو الشهرين.يمكثون ويطلعون على إنجازاتنا.والحقيقة ليس لدينا برنامج تعليمي فعلي. إن تركيزنا على أطبائنا الذين يعملون معنا فهم يعملون في غرف العمليات مدة عامين أو ثلاثة يكتسبون خلالها الخبرات الكافية للقيام بعمليات بأنفسهم ويصبحون متمكنين في مجالات مختلفة مثل علاج أمراض القلب والقسطرة والموجات فوق الصوتية أو علاج القصور القلبي أو برنامج كهربة القلب أو سيولة الدم. هناك تخصصات كثيرة جدا، وهكذا فإننا في البداية نقوم بتدريب أطباءنا العاملين في القسم الذي بات يضم أكثر من 40 طبيبا يغطون كافة الاختصاصات.

* ما هي المؤتمرات التي قمتم بتنظيمها لفائدة أطبائكم وأطباء الإمارات عموما في تخصصات أمراض وجراحة القلب؟

- نظمنا مؤتمر قصور القلب في شهر مارس الماضي وسنقوم بتنظيم مؤتمر آخر بعد شهرين أي في ديسمبر المقبل. الحقيقة قمنا بتنظيم ورش عمل كثيرة وأعطيك إحصائية بسيطة، فقبل العام 2006 عملينا إحصائية لعدد المحاضرات التي ألقيت من قبل أطبائنا في مختلف الأنشطة العلمية في دولة الإمارات .

وقد تجاوزت تلك المحاضرات المائة والأربعين محاضرة وبحث قدمها أطباؤنا في كافة الأنشطة العلمية التي درسوها، وهذه بالطبع نسبة عالية.وتخيل قسم واحد يقدم 140 بحثا، بكل المقاييس العلمية يعد ذلك إنجازا كبيرا. وقد قدمت تلك الأبحاث سواء عن طريق جمعية الإمارات الطبية أو في المؤتمرات المختلفة وفي الأنشطة المختلفة أو في المؤتمرات العربية والعالمية.

* هل ترون أنه يمكن إجراء عمليات قلب دون الحاجة إلى فتح الصدر، كما قرأنا في أحد الإعلانات المحلية؟ هل هذا صحيح وممكن؟ ومتى يمكن أن يتحقق مثل هذا الإنجاز الطبي الكبير؟

- ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن العملية الجراحية هي آخر المطاف والحل الأخير بعد تجربة كل وسائل العلاج.أقول إن أي مرض، حتى الخراج، إذا أمكن علاجه دوائيا فهو أفضل، ودائما تبقى الجراحة الحل الأخير. وبالنسبة لأمراض القلب إذا كان ممكن علاجها حتى دون دواء فهو أفضل، وأقصد عن طريق الوجبات الغذائية الخاصة والرياضة وبعض الالتزامات الأخرى في أسلوب الحياة اليومية.

نحن ننصح الناس بالوقاية عن طريق ممارسة الرياضة عن طريق التغذية السليمة، ولكن إذا فشلت هذه ننتقل عند ذلك إلى الخطوة التالية وهو العلاج الدوائي وإذا فشل ننتقل إلى القسطرة وتوسعة الشرايين بالبالون. ولكن إذا فشلت هذه أيضا فإن الجراحة أو القلب المفتوح يكون نهاية المطاف. طبعا التدخل الجراحي عن طريق القسطرة والشبكات قلل من العمليات الجراحية إلى أكثر من الربع. أي أن 75% من الحالات أصبحت تعالج بالقسطرة، ولكن هناك حالات، مهما قيل، تحتاج إلى تدخل جراحي في نهاية المطاف. ودائما نترك الحالات المعقدة والمتأزمة للجراحة.

وما قرأناه في الإعلان كلام غير صحيح فلا توجد عمليات جراحة للقلب دون فتح للصدر ولم نر ذلك حتى في مراكز قلب عالمية شهيرة مثل كليفلاند في أميركا أو مراكز جراحة وأمراض القلب الشهيرة في أوروبا. كل تلك المراكز والمستشفيات العالمية لم تتخل عن جراحة القلب المفتوح. إذن ما قيل في الإعلان هو مجرد ترهات ومجرد عمل دعائي. وهناك الكثير من الحالات أجريت لها قسطرة مرتين وثلاث مرات وعندما لم يستفد المريض منها أجريت له عملية قلب مفتوح.

ولذلك أقول أن مثل ذلك الإعلان خاطئ.ومن الناحية العلمية والطبية الصرفة ينبغي أن نضع أمام الناس الحقائق العلمية كما هي. نعم، تراجعت العمليات الجراحية بسبب تطور عمليات القسطرة، ولكن لا أرى الاستغناء عن عمليات القلب المفتوح فهي مستمرة، على الأقل على مستوى المنظور القريب.

*كيف توفقون ما بين عملكم كطبيب جراح ومنصبكم الآخر أمينا عاما في جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية؟

- طبعا هناك بالنسبة لي، وحسب اعتقادي وقناعاتي الذاتية، وصلت إلى مرحلة ينبغي أن أتقاعد فيها وتسليم الرسالة إلى الأطباء القادرين،وهم قادرون على القيام بالواجب بامتياز. لقد أديت دوري خلال السنوات الخمسة والعشرين الماضية في مجال جراحة القلب وقد حان الوقت للتقاعد.

وقد تقدمت بطلب للتقاعد. وأنا متأكد من قدرات زملائي ولدى الثقة وكل الثقة بهم، وحان الوقت بالنسبة لي للقيام بدور آخر. ففي مؤسسة جائزة الشيخ حمدان، أقوم منذ تأسيسها قبل عشر سنوات برئاستها وأعمل أمينا عاما لها، لقد أديت دوري في العمل طبيبا لجراحة القلب.

* أنتم تعالجون قلوب الناس فأين موقع قلبكم من كل ذلك؟

- هذا سؤال صعب الإجابة، ولكنني أعترف أنني بحاجة إلى القيام بالمزيد من التدريبات الرياضية، لكن هناك متابعة مني منتظمة لوضعي الصحي خاصة صحة قلبي فأقوم برسم القلب بين الحين والآخر وإجراء فحوصات للدم.ولا أنكر أن لدي زيادة طفيفة في السكري ولا أنكر أيضا أن عندي زيادة في الوزن، لكن عدا عن ذلك فالأمور الصحية الأخرى تجري على ما يرام.

وأتمنى أن تكون صحتي أفضل مما هي عليه الآن. لا أدخن وأحاول التقليل من أكل الدهون ما استطعت ولا أتناول الوجبات السريعة مطلقا لأنها ضارة ولا أحبها.

* هل لديكم أحلام لم تسنح لكم الظروف أن تحققوها؟

- أعيش ليومي وأؤمن دائما بتلك اللحظات التي أعيشها. وأعتقد بأن الإنسان يواجه من حين لآخر مصاعب، وكنت ولا أزال أتساءل هل كان أفضل لو لم أكن طبيبا؟

وأطرح هذا السؤال على نفسي دائما. ولكن أشعر بالسعادة الآن لأنني أنجزت الكثير في حياتي على الرغم من التحديات التي واجهتها منذ سنوات شبابي الأولى. لقد حققت هدفي بأن أكون متعلما وطبيبا وجراحا وأستاذا في كلية الطب في السويد. وهي طموحات صعبة التحقيق وقد حققتها كلها.

لقد كان هدفي أن أكون طبيبا متميزا وحققت ذلك من خلال ما أنجزته خاصة إقامة قسم لجراحة القلب في مستشفى دبي، وقد أنشأته من لا شيء وهو في نظري إنجاز كبير.لقد كان هدفي التميز في ميدان البحث والمعرفة وبالتحديد في البحوث العلمية والمشاركة في وتأسيس جائزة مثل جائزة الشيخ حمدان للعلوم الطبية، هذا ما تمنيته وقد تحقق بحمد الله.

بالنسبة للفشل فإنني أنظر إليه بنظرة مختلفة عما هو متعارف عليه. الفشل، في نظري، هو تجربة يتعلمها الإنسان لتحقيق النجاح. والفشل تجربة يتعلم منها الإنسان بألا يخطئ في المرات المقبلة وهي أن تنظر إلى الماضي ككتاب مفتوح يعلمك الكثير من التجارب لتحقيق النجاح. وقد يقول الإنسان يا ليتني فعلت كذا وكذا، ولكن لو قمت بما كنت تفكر به يجوز أنك فشلت وانحرفت عن طريق النجاح والإنجاز.

أقول عشت حياتي في شبابي مسيرة مليئة بالتحديات، فلا بد، كما أرى، أن تكون أمام الإنسان تحديات يمكنه الانتصار عليها وتحقيقها. لقد كان هدفي التعلم فتعلمت وكان هدفي أن أكون طبيبا فأصبحت طبيباً وكان هدفي أن أكون طبيباً متخصصاً في جراحة القلب ونلت ما كنت أطمح إليه. واليوم وبعد سنوات طويلة لا تزال لدي طموحات من نوع آخر سأقوم بتحقيقها من خلال جائزة الشيخ حمدان للعلوم الطبية.

محمد نبيل سبرطلي

Email