الولادة بلا ألم.. راحة وأمان للأم والوليد

الولادة بلا ألم.. راحة وأمان للأم والوليد

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«الولادة بلا ألم» عبارة ترنو إليها النساء منذ القدم، وتتمنى كل أم حامل أن يزول عنها ألم المخاض كلما حانت ولادتها. لكن سنة الكون أن تحمل المرأة وتتألم، لكن سرعان ما تنسى الألم وتشعر بسعادة غامرة عندما يحضر إليها وليدها. وخلال لحظات، ما ان يحدث هذا اللقاء الفريد، حتى تنفرج أسارير الأم عن سعادة غامرة.

الحديث الذي ساد فيه تطور الطب كان أول تفكير أطباء أمراض النساء والولادة استخدام تقنيات التخدير لتخفيف الجهد عن الأم أثناء الوضع خاصة إذا كانت من النوع العصبي. "العصر" الدكتورة الألمانية أندريه فرحات طبيبة أمراض النساء والولادة في المستشفى الدولي الحديث في دبي تؤكد دائما أن الولادة الطبيعية هي الأهم، بينما تبقى مرحلة الألم في المخاض قصيرة ونهايتها فرحة الخلاص من هذا الألم الذي يأتي سريعا ويذهب سريعا في ومضة عين، وترى أن الأم يمكن أن تتعلم تقنيات مثل التنفس العميق أثناء المخاض فيخف عنها الألم كما أن إبعاد تفكيرها عن الألم يساعدها كثيرا على تجاوز تلك المرحلة الطارئة جداً.

«الصحة أولا» قامت بزيارة المستشفى الدولي الحديث، الذي يضم بين جوانبه بعضا من أبرز الأطباء العالميين في مختلف الاختصاصات، وأجرت حوارا مع الدكتورة أندريه التي أكدت أن الولادة الطبيعية دون تدخل أحد بها هي الولادة المثالية التي تنسجم مع التكوين الجسماني للمرأة، وطبيعة الأشياء.

وقالت ان العلاقة الحميمة والإنسانية التي تنشأ ما بين الطبيبة والأم الحامل على مدى 9 أشهر بالغة الأهمية وبخاصة مسألة الثقة التي توفر للمرأة الحامل الراحة النفسية قبل المخاض وأثنائه حتى تكون الولادة طبيعية مشيرة إلى أن % فقط من الحوامل اللواتي تقمن بفحصهن وتوليدهن يطلبن الخضوع للتخدير بسبب مخاوفهن أن ينتابهن الفزع من شدة الألم.

- ما هو تعريفك للولادة دون ألم ؟

ـ تهدف الولادة دون ألم إلى تخفيف المعاناة أثناء الولادة الطبيعية التي قد لا ترغب بها البعض من النساء. وفي الحالات العادية نقوم بتزويد الأم بالإرشادات وإيضاح طبيعة ما يجري فعلا أثناء الولادة. وفي حال استعدادها لفهم جميع آليات الولادة ولتحمل مرحلة الألم بصبر أقوم بإرشادها وتعليمها حول تقنيات التنفس الضرورية أثناء عملية المخاض للتغلب على الألم.

وينبغي على الأم أن يكون لها الاستعداد لقبول الألم على أنه مسألة طبيعية تمر به كل النساء في مرحلة المخاض والوضع. لكن الأم تكون مرشحة لعملية التخدير في حال عدم قدرتها على تحمل الألم بأية صورة من الصور. وعندما تكتشف الطبيبة أن عملية الوضع ستطول ،عند ذلك تتاح الفرصة للقيام بعملية تخدير الفقرات القطنية وهو ما يعينها على تحمل الأوجاع. وعقب الولادة سيعود للأم نشاطها الطبيعي العادي وتمارس حياتها العائلية.

وفي حال التخدير العميق يتم توليد الطفل بالشفط، وذلك لأن الأم لم تكن نشطة الحركة أثناء المخاض والولادة. وإذا تطلب الأمر القيام بإجراء عملية قيصرية فإن التخدير سيتم فوق منطقة العملية وهنا ستكون الأم في كامل وعيها وستشعر بالصرخة الأولى التي سيطلقها الطفل.

- كيف يمكن أن تحدث الولادة بلا ألم؟

ـ يقوم طبيب التخدير بحقن مادة مخدرة في مرحلة ما من المخاض عن طريق قسطرة تمتد إلى حتى منطقة النخاع الشوكي بين الفقرات القطنية. ويؤدي التخدير إلى توقف الإحساس في منطقة الرحم وحتى فتحة الولادة طوال مرحلة المخاض والولادة. ويقوم طبيب متخصص بالتخدير بتوفير المادة المخدرة حسب وزن الأم وطولها ويتم إيصال الجرعات على مراحل وفي كل مرحلة يقوم الطبيب بمراقبة حالة الأم الصحية. وأثناء ذلك تتم مراقبة عملية المخاض بدقة شديدة.

يمكن لأي أم أن تكون مرشحة لعملية التخدير ما لم تكن أجريت لها عملية جراحية في العامود الفقري أو مصابة باضطرابات في الدم وارتفاع في الضغط.

- كيف يمكنك التأكد من أن الوقت قد حان للولادة بعد التخدير؟

ـ لا تشعر الأم بالألم وفي الواقع فإن أجهزة مراقبة الأم تبقى مفتوحة بالكامل وبالتالي فإن كل الاستعدادات تظل قائمة والطبيبة في حالة استعداد كاملة لتلقي تعاون المريضة في عملية المخاض وستعرف الطبيبة درجة المخاض من بدء الأم بالضغط أم لا وما إذا كان على الطبيبة البدء بشفط الطفل. ولكن الأمر يعتمد أيضا على وضعية الطفل وعلى ضربات قلب الطفل.

- في حال عدم وجود انقباض وبدأت العملية بطيئة، كيف تتصرفون في تلك اللحظات؟

ـ الحقيقة أن عملية الانقباض تمضي في طريقها، والتخدير لا يوقف الانقباضات، بل يمنع التخدير الألم فقط وليس له أية صلة باستمرار الانقباضات أو توقفها في أي حال.

- هل تحتاجون إلى توسيع مجرى الولادة خلال ذلك لتسهيل خروج الطفل ؟

ـ لا حاجة لذلك على الإطلاق، والشيء الأساسي الذي أقوله ان المريضة يمكن أن يضعف نشاطها ولا تعود قادرة على الحركة كالعادة .ويعتمد كل ذلك على مستوى التخدير، وفي حال التأخر نقوم بشفط الطفل وبشكل خاص عندما تضعف قدرة الأم على الدفع.

- من هي الأم المرشحة لتلقي التخدير في العادة؟

ـ على الأغلب لا أتحدث عن التخدير بغرض الترغيب، وغالبا ما أفضل أن تتم عملية الولادة بالشكل الطبيعي. ولكن في بعض الأحيان تكون السيدة التي تبدي رغبة في التخدير لها تجربة سابقة مع الألم بعد إنجابها عدداً من الأطفال وتخشى الولادة لأنها ستمر بنفس المتاعب والألم. والمسألة برمتها تعتمد على قدرة الأم على تحمل الألم الذي يكون طارئاً في معظم الأحيان.

ونبين للأم أن التخدير قد يطيل فترة المخاض، وليس الأمر كالولادة الطبيعية التي لا يكون فيها أي تدخل سوى استلام الطفل لدى خروجه ومراقبة الحالة الصحية للأم والعناية بها.

ويعتمد حجم أو مقدار جرعات التخدير على حجم الأم ووزنها ومدى استجابة جسمها لقدر معين من المادة التخديرية. وما لم تسأل الأم عن تقنية الولادة بلا ألم فعلى الأغلب لا آتي بذكر على هذه التقنية. والحقيقة أن التخدير ليس حلا لكل النساء، وتبقى في كل الأحوال عملية اختيارية. وانطلق من فكرة واعتقاد جوهريين، وهما أن الولادة هي عمل طبيعي. والحقيقة الجوهرية أن جسم المرأة في تكوينه مؤهل لعملية الولادة بصورة طبيعية.

وعلى الرغم من كل ذلك ينبغي أن نسأل كل أم على حدة، فمن هي الأم التي تحتاج التخدير والتي ليست بحاجة لها على الإطلاق، وقادرة على تحمل ألم الولادة بصورة طبيعية من دون الحاجة إلى تخدير الفقرات القطنية. ونضطر لتخدير الأم إذا أصبحت بحاجة إلى العملية الجراحية.

- ما هي مزايا وسيئات التخدير الفقري؟

ـ يتحمل طبيب التخدير مسؤولية التخدير من البداية حتى النهاية وليست طبيبة الولادة. وينبغي على الأم الحامل أن تعلم أن لكل علاج طبي تداعيات وتعقيدات وينبغي أن نوضح للأم كل ذلك وأن تقبل شروط ذلك. ولذلك فإن أية تداعيات قد تنشأ نتيجة التخدير مثل الصداع وأي شيء آخر يكون على مسؤوليتها هي طالما أنها قبلت بأعراض ما بعد التخدير.

- كيف لمعت فكرة التخدير وجاءت إلى عمليات الولادة؟

ـ بدأت قضية التخدير في العمليات العادية وبشكل خاص عند المرضى الذين هم بحاجة إلى التخدير الكامل وبخاصة بالنسبة للأشخاص الذين ستجرى لهم عمليات جراحية كبيرة أيضا مثل مرضى القلب وبعد الجلطة والتخدير مهما جدا أيضا لرفع ضغط الألم عن المريض.

وقد بدأت علميات التخدير الفعلية في عمليات الولادة بعد عمليات التخدير في عمليات العمود الفقري. وإذا كانت استخدمت في الولادة فهي استخدمت في العمليات القيصرية فقط. وبدأت عمليات التخدير بتسريب جرعات لمنطقة في النخاع الشوكي تقع في منطقة الفقرات القطنية، حتى لا تجهد الأم مما قد يشكل خطورة على الأم والطفل في آن واحد.

وهكذا فإننا نستخدم حقن التخدير من أجل حالات العمليات القيصرية للحيلولة دون ألم الأم أثناء الجراحة. والواقع فإن تخدير الفقرات القطنية هي عملية اختيارية، لكن هذا الاختيار بدأ ينتشر وبات قطاع كبير من النساء يفضلن «ولادات دون ألم».

- ما هي نسبة الحوامل اللواتي يفضلن التخدير الموضعي عند الولادة؟

ـ % من الأمهات اللواتي يترددن على المستشفى يطلبن التخدير أحيانا بدافع الخوف من الألم وأحيانا أخرى كنوع من الترف لأن الأم لا تود الإحساس بالألم أثناء المخاض على الإطلاق.

وفي حال مجيء الأم إلى العيادة النسائية وطلبت التخدير فإننا نرفض إعطاءها لأنه سيكون دون جدوى إذا كانت فتحة خروج الطفل قد اتسعت ووصلت إلى ما بين 6 و 10 سنتيمترات. كما أنها عندما تطلب الأم في مثل هذه الحالات التخدير فإن التحضير لعملية التخدير قد يستغرق نحو الساعة وعندها تكون الأم قد شارفت على الوضع أو أنها وضعت طفلها بالفعل.

وأنصح الأمهات في العادة أن يتحملن ألم الولادة لأنه من آليات المخاض التي جهزت بها الأم بصورة طبيعية ، وأقول لهن بأن الألم طارئ ولن يستغرق فترة طويلة وسيزول الألم عندما ترى الأم أن طفلها خرج سليما معافى.

وأعلم الأم كيف يمكنها أن تتنفس خلال الوضع لأن ذلك يخفف عنها الألم. والحقيقة فإنني أقول للأمهات اللواتي يحضرن للولادة بأن الألم مسألة طبيعية والأفضل تحمله. كما أن الأم بدون تخدير تساعد الطبيبة على تسهيل عملية الولادة وخروج الجنين بفضل استجابتها لطلب الطبيبة في أن تواصل الضغط لخروج الجنين.

وتكون الأم في تلك اللحظات في كامل نشاطها. وأكرر القول إن انفتاح باب الرحم وبدء التمهيد لخروج الجنين هي مرحلة متقدمة جدا في الوضع لا تستدعي التخدير على الإطلاق. وبالمقابل إذا جاءت أم وباب الرحم قد فتح سنتمترين، وهي مرحلة تحتاج إلى وقت طويل من المخاض للولادة، أبلغ الأم بأن التخدير سيؤدي إلى إطالة المخاض والولادة. ولكن في هذه الحالة يمكن أن يقوم طبيب التخدير بتخديره عبر قسطرة في أسفل العامود الفقري.

وأود القول هنا إن التخدير، من جانب آخر، لا يؤثر على نشاط الأم كثيرا. وهي تحتاج إلى أن ينتشر المخدر في البطن والجزء السفلي من جسمها وفي منطقة الحوض خلال الولادة. وينحصر تأثير التخدير في تغطية مرحلة ذروة الألم.

- كيف يقدر طبيب التخدير جرعات التخدير؟

ـ يعتمد الأمر على الوزن والطول والسن والحالة الصحية للأم، وتبدأ عملية التخدير بجرعة ابتدائية وتتعرف على الطبيبة في الوقت ذاتها على حالتها الصحية وكيفية تلقيها للألم وحجم هذا الشعور، وما إذا كانت لا تزال تشكو من الألم، وتظل عملية التخدير تجري باستمرار في منطقة الفقرات القطنية بلا توقف.

وأعيد وأكرر أن تخدير الفقرات القطنية لن يؤثر بأي شكل على عملية الانقباضات التي تساعد على خروج الجنين. ويبقى الألم خفيفاً للغاية طوال مرحلة المخاض والوضع. وتستطيع الأم أن تخرج من المستشفى في اليوم التالي إن أرادت كما الحال بالنسبة للأم الواضعة التي لم تتلق أي تخدير.

في اللحظة المناسبة نقوم بسحب أنبوب القسطرة وإزالته، وخلال ساعة أو ساعتين تستعيد إحساسها في منطقة التخدير ويعود كل شيء إلى مجراه الطبيعي وتشعر الأم بتحسن بالغ.

أعيد وأكرر أنني أوضح للأم الحامل طبيعة الولادة وأهمية أن تلد الأم ولادة طبيعية دون أي تدخل تقني. وأشرح لها ماذا يحدث لجسمها أثناء عملية الوضع، فإذا رضيت خوض تجربة الولادة الطبيعية فلا يمكن أن تحصل على التخدير لأنه ببساطة يمنع الألم فقط وليس له أية تداخلات من أي نوع.

ونادرا ما أدخل الأم إلى حجرة الولادة و البدء بتخديرها وبدلا من ذلك نقوم بالتحري على عملية خروج الجنين من بطن أمه بصورة طبيعية ونعجل في عملية الولادة إذا كان ضغط الأم مرتفعا. وقد تكون الأم تجاوزت مدة الولادة بأسبوع أو عشرة أيام فنضطر إلى القيام بعملية التحريض الضرورية حتى يخرج الجنين بسلام. وأقوم بالتحريض أيضا عندما أشعر أن عملية الولادة ستطول.

- ما هي نصيحتك لكل أم حامل بعد خبرتك الطويلة في مجال الولادة وأمراض النساء؟

ـ أتمنى أن تفهم كل أم حامل أن الوضع عملية طبيعية وجسمها مجهز لهذه الحالة الطبيعية التي لا توجد فيها أية عراقيل أو عوائق، وأن الحامل ليست مريضة بل هي حامل ويمكن أن تكون حياتها بعد الولادة بالتأكيد طبيعية. وفي ضوء ذلك فإن مهمة طبيبة الولادة والقابلة القانونية ( الداية ) هي المساعدة في الولادة والاستعداد لتوفير أقصى درجات المساعدة والأمان لإنقاذ الطفل إذا حدثت مضاعفات من نوع ما. ولكننا لا نقوم بأي نوع من التدخل طالما وضع الولادة كان عادياً.

وتعود أهمية طبيبة النساء والولادة أن رابط صداقة يجمعها مع الأم طوال فترة الحمل التي هي 9 أشهر وتتوطد عرى الصداقة والحميمة بينهما لدرجة أن الأم الحامل تضع كل ثقتها بالطبيبة وتصبح الأم مستجيبة لنصائحها في كل المراحل وهو ما يؤدي إلى زوال أية مخاوف أو حالة فزع، وتمضي الولادة دون أية مضاعفات أو عقبات.

وأقول للأمهات ان الوضع يتم سريعا بعد انفتاح الرحم بضعة سنتيمترات، وأنصح كل أم خلال الولادة أن تنسى الألم وتركز فكرها على استقبال ذلك الكائن الجديد الذي سيملأ حياتها فرحا.

وأرى أن العامل الإنساني يعلب دورا أهم من التخدير، وهو أهم من كل التقنيات المتوفرة.وغالبا ما أفضل الولادة الطبيعية ولا أجري عملية قيصرية مجرد أن تشعر الأم بالألم والعملية القيصرية هي آخر الحلول التي قد ألجأ إليها إذا شعرت أن حياة الطفل أو الأم في خطر. ولكن القيصرية ليست الحل الوحيد، وينبغي الجمع بتوازن جيد بين العاملين الإنساني والتقني حتى تكون جميع قرارات الوضع صائبة

حوار: محمد نبيل سبرطلي

Email