ملامح

أحمد عمر مدير تحرير «ماجد» يملك مكتبة ذات فروع

ت + ت - الحجم الطبيعي

معروف أن أصعب الكتابات هي الكتابة للطفل، فإذا أردت الإشراف على مطبوعة تهتم بعالم الأطفال فأنت بحاجة إلى التسلُّح بالمعرفة حول خبايا الطفولة وأسرارها، هو كذلك، استطاع أن يستحوذ على اهتمام الأطفال العرب من المحيط إلى الخليج على مدار خمسة وعشرين عاماً، وحصل على شهادة الريادة في خدمة الطفولة العربية من خلال إشرافه على مجلة «ماجد» التي يقرأها مئات الآلاف من الأولاد والبنات في مختلف البلدان العربية، وحصل على جائزة الصحافة العربية ليتوِّج مسيرته الناجحة بشهادة ذات قيمة عالية.

أحمد عمر، مدير تحرير مجلة «ماجد» الحاصل على ليسانس آداب في الصحافة، تنقَّل بين الصحف والمجلات إلى أن استقرّت به الحال في مطبوعة ذات فضاء رحب وخصوصية تغوص في عوالم الصغار، يعود بنا أحمد عمر إلى زمن الطفولة.

وهو في الرابعة من عمره، أي قبل أن يتعلَّم القراءة والكتابة، لتبدأ علاقته بالكتب بأعظم كتاب وهو القرآن الكريم، هناك في حضانة صغيرة تُسمَّى «الكُتَّاب» بدأ يحفظ ثلث القرآن خلال عام واحد، ورغم أن الكثير من معاني الكلمات كانت صعبة، إلا أن البداية كانت هي الأساس المتين التي أفادته خلال مسيرته القرائية اللاحقة.

لكن دائرة المعرفة بدأت تتسع بعد الالتحاق بالمدارس التي كانت تهتم آنذاك بالمكتبات التي تضم ثروة من المؤلفات التي يمكن قراءتها واستعارتها من دون أعباء مادية، حتى الفترة الصيفية كانت حافلة بالقراءات والاستعارات من المكتبات العامة، وتأتي المرحلة الجامعية واتساع الرؤية لتشمل بالإضافة إلى الكتب التخصصية قراءات مختلفة في جميع المجالات.

ويعرِّج بنا أحمد عمر على مرحلة مهمة شهدت اللبنات الأولى في إنشاء مكتبته الخاصة التي تضم آلاف العناوين، والتي اكتظت بالكتب إلى درجة حتّمت عليه إنشاء فروع لها ومخازن، يقول: أثناء دراستي الجامعية تعرفت على سوق «سور الأزبكية».

وهو مكان لا أعتقد أن مثقفاً مصرياً لم يستفد منه، هناك كانت تُباع الكتب بأسعار رخيصة، وقد سبق للآخرين قراءتها ثم أعادوا بيعها، وعقدت مع الباعة صداقات، وكانوا يحتفظون لي بالكتب التي يعرفون اهتمامي بها، وبعد التخرج تنوّعت قراءاتي وتعدَّدت وكنت أشعر في كثير من الأحيان بأن الوقت ليس كافياً لقراءة الإصدارات الجديدة.

وعن الكتب التي أثرت فيه ويعاود قراءتها باستمتاع يقول أحمد عمر: القائمة طويلة جداً، واعتقد أن كل كتاب قرأته كان له تأثير، سواء اقتنعت بمضمونه أو اختلفت معه!

فأنا أقرأ لأصنع مخزوناً فكرياً في ذاكرتي، غير أن كتب التراث التي قرأت عدداً منها في وقت مبكر، هي التي تتصدر اهتماماتي، إضافة إلى روايات نجيب محفوظ التي تغوص في حياة الحارة المصرية بكل تفاصيلها وتفاعلاتها، وهناك مؤلفون آخرون تأثرت بكتاباتهم أمثال يوسف إدريس وجمال الغيطاني ومحمد حسنين هيكل وغيرهم.

ويقسم أحمد عمر مكتبته إلى أجزاء ليضم كل جزء الكتب المتشابهة، فالمؤلفات الأدبية متجاورة إلى بعضها بعضاً، هناك عناوين روايات محفوظ إلى جانب الغيطاني، وهنا روايات الكاتب الإماراتي علي أبو الريش إلى جانب أعمال عبدالرحمن منيف، الشعر هناك، والمراجع والدراسات في ركن منفصل، ترى هل يتبع أحمد عمر منهجاً معيناً في تنسيق مكتبته؟ يقول: بالطبع الأمر يحتم عليك أن تضع الكتاب في موضعه.

وهذا يسهّل على المرء الحصول على ما يريد من دون أن يتكبّد عناء البحث، وهذا التصنيف مهم جداً لكل صاحب مكتبة، أما التنسيق فتتعاون معي زوجتي في إنجازه، وهي بالمناسبة قارئة من الطراز الأول ولنا ميولنا المشتركة التي تحكم انضمام كتاب جديد إلى المكتبة، أما الكتاب المترجم فهو حكاية أخرى.

وهذا الركن يضم مؤلفات لكتَّاب أجانب ومفكرين عالميين، وأنا حريص على التواصل مع هذه المؤلفات حتى أكون قريباً من الفكر الإنساني العالمي.

ومن أبرز الكتب التي أحتفظ بها وأعود إليها كتاب رأس المال لكارل ماركس والذي تضمن آراءه المعارضة للنظام الرأسمالي، كذلك كتاب تفسير الأحلام لسيغموند فرويد الذي أسس مدرسة التحليل النفسي، وهذا الكتاب أفادني كثيراً في حياتي المهنية.

أما عن طقوس القراءة وأوقاتها فيقول: القارئ النهم لا يحكمه مكان ولا زمان، اللهم إلا أعباء المهنة التي تأخذ الوقت الكثير، ولذلك تكون قراءاتي بعد أوقات العمل، فأنا أغتنم الفترة الصباحية التي تمتد ساعة وأحياناً أكثر لأقرأ كتاباً جديداً.

لكن الفرصة الحقيقية تكمن في أيام العطل لتعويض ما فات، لكن يزعجني أحياناً الوزن الثقيل لبعض الكتب وأجد صعوبة في الإمساك بها لفترة طويلة، خصوصاً وأنني أقرأ كثيراً وأنا مستلقُ على أريكة أو على السرير، وأعتقد أن هذه المشكلة في طريقها إلى الحل بعد أن انتشرت في أوروبا أنواع من الورق الخفيف للمؤلفات الضخمة.

ويستبعد أحمد عمر أن يسيطر الكتاب الإلكتروني أو المسموع فيلغي بالتالي دور المكتبة الخاصة، إذ إن للكتاب الورقي متعته الخاصة ويستطيع المرء قراءته في أي زمان ومكان، إضافة إلى أن الشاشة لا توفر هذه المتعة ويصعب على المرء المكوث طويلاً أمامها.

ويرفض أحمد عمر مبدأ الاستعارة من مكتبته، قائلاً: يعزّ علي أن يفارقني كتاب واحد من كتبي، وبالتالي فأنا لا أرحب مطلقاً بأن يستعير أحد من مكتبتي، خصوصاً الكتب الثمينة التي يصعب الحصول على نسخة أخرى منها.

وأنا آخذ بالمقولة التي تقول إن الذي يعير كتاباً لأحد مجنون، والأكثر جنوناً هو الذي يستعير كتاباً ثم يعيده، لكنني أستثني أحد الأصدقاء من هذا التوجه وأسمح له بالاستعارة لأنني أعرف أنه شغوف بالقراءة، ويتعامل مع الكتاب كأنه جوهرة ثمينة ويحرص على إعادته حال الانتهاء من قراءته.

وعن أول كتاب قرأه أحمد عمر يقول: كانت رواية لأرسين لوبين، وهذا النوع من الروايات مشوّق للغاية، وقد يرى البعض أن هذه النوعية لا يصبح للأطفال الاطلاع عليها، لكنني أرى العكس ولسبب مهم جداً هو أنها تنمي الذكاء، كما أن الطفل لن يتركها قبل أن ينتهي من قراءتها ثم يبحث عن غيرها وهذا يعوّده القراءة.

وعن دور مجلة «ماجد» في جذب اهتمام الطفل للقراءة، يقول: تشجيع الأطفال على القراءة مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجلة، فإذا لم يهتم الطفل منذ صغره بعادة القراءة فلن يهتم بها مستقبلاً، خاصة وأن الفضائيات تتصارع لجذب انتباهه وسرقة وقته. إن مجرد اهتمام الطفل بقراءة مجلة هو خطوة على طريق اكتساب عادة القراءة.

وعن أبرز ما تحتويه مكتبته غير الكتب يختتم أحمد عمر قائلاً: أحتفظ في مكتبتي بأشياء لها ذكريات عزيزة، مؤخراً خصصت مكاناً لأضع فيه تمثالاً بديعاً يرمز إلى جائزة الصحافة العربية، وهناك شهادات كثيرة، وجوائز حجزت أمكنتها منذ فترة، وأحتفظ بتذكارات قدمها لي أطفال صغار مثل لوحة من الخوص كُتب عليها باللون الذهبي «ما شاء الله على ماجد».

عز الدين الاسواني

Email