صرح تعليمي وتنويري عمره 27 عاماً

المدارس الخيرية.. عطاء بلاحدود

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال العام الدراسي الحالي اضطرت المدارس الأهلية الخيرية في دبي للعمل بطاقة استيعابية فاقت الحد المسموح بنسبة 115% معتذرة في الوقت نفسه عن قبول ألفي طالب وطالبة آخرين بحكم حالة الإشباع التي بلغتها..

ذلك لم يكن أملاً في زيادة دخل المدرسة المتوقع من الرسوم الدراسية وقد درجت العادة أن تظل رسوم المدارس الخاصة الباهظة مصدر الدخل الأوفر حظاً لها، وعلى العكس من ذلك فقد استوعبت تلك المدارس هذا العدد الكبير من الطلبة. والذي يصل إلى 10 آلاف و175 طالباً وطالبة على مستوى دبي والإمارات الشمالية، انطلاقاً من مسماها الذي لا تزال تتشبث به في عصر لا يرحم من لا يملك، لا سيما وأن أكثر من 30% من طلبة المدارس يدرسون في مختلف المراحل ودون مقابل مادي، منهم آلاف يدرسون في الفترة المسائية.

كل عام تُخنق إدارة المدارس الأهلية الخيرية بمئات الآباء والأمهات الباحثين عن أمل الحصول على مقعد دراسي لأبنائهم في تلك المدرسة والتي آخر همها مدى توفر المقابل المادي أو دفع الرسوم المدرسية، كيف لا.وهي الصرح التعليمي الذي أوجده رجل الأعمال الإماراتي معالي جمعة الماجد بداية ثمانينات القرن الماضي من أجل الفقراء وحسب، حيث ظلت المدارس الأهلية الخيرية ومنذ أكثر من 27 عاماً ملاذاً لكل من تضيق في وجهه آفاق المستقبل، وهي اليوم بيتاً آمناً لآلاف الطلبة الموزعين على 28 جنسية.. كل ذلك يسير بدعم مباشر وسخي من مؤسس تلك المدارس ونجله خالد الماجد.

حصة كبيرة

إلى جانب التدريس في قالب العمل الخيري بما يضمن الاستقرار لمن لا أمل له في الحصول على مدرسة تأويه في ظل زخم مادي فرضته متطلبات عصر وقوده الأقساط والمبالغ المادية الكبيرة، فقد تمكنت المدارس الأهلية الخيرية من توفير تعليم نظامي لآلاف الطلبة من جنسيات مختلفة.

فمنذ انطلاقتها في العام 1983 وحتى العام الماضي استطاعت تخريج 6 آلاف و305 طلاب وطالبات، منهم 1315 من المتفوقين الحاصلين على معدل فوق 90%، مع الإشارة إلى أن هذه المدرسة وحدها تخرج كل عام ما نسبته 25 إلى 30% من الطلبة على مستوى مدارس دبي الحكومية والخاصة.

يقول الدكتور محمد روبين إدريس المدير العام للمدارس الأهلية الخيرية في دبي، إن فلسفة المدارس تقوم على مبدأ تعزيز الانتماء الوطني والعربي والإسلامي، فهي جزء من الهوية الوطنية والعربية.

وتنطلق دائماً في ظل هذا الواقع المنسجم مع ما هو موجود في المدارس الحكومية، مشيراً إلى أن المدارس وكونها خيرية فذلك لا يلغي واقع التميز فيها، والنتائج العامة لطلبة المدرسة تؤكد ذلك.

حيث أنه وفي كل عام تتمسك المدارس الأهلية الخيرية بحصة متزايدة من التفوق، ونصيبها السنوي يتراوح بين 1 إلى 6 من طلبتها ضمن العشرة الأوائل على مستوى الدولة.

دور مجتمعي

أهم من ذلك فقد تجاوزت المدارس الخيرية تصنفيها كمدرسة خاصة إلى ما هو أسمى بكثير، حيث يؤكد المدير العام أن المدارس الأهلية في دبي والشارقة وعجمان تضطلع بدور مجتمعي مهم وحساس، فهي التي تحتضن الطلبة من مختلف الجنسيات والمستويات المادية.

وهي بذلك تكفل للعائلات المهددة بالتشتت الاستقرار والثبات، لاسيما وأن إمكانية الحصول على مقعد دراسي مجاني فيها أمر في غاية السهولة لمن تقف ظروفه المادية عائقاً في مواصلة مشوار حياته الحالم على أرض دولة الإمارات.

وبنظرة عابرة على واقع الرسوم الرمزية التي تجنيها المدارس من طلبتها غير المشمولين بنظام الإعفاءات أو المساعدات بحكم عدم موافاتهم الشروط المتبعة والمحصورة في نظام «دراسة الحالة» الذي تتعامل فيه إدارة المدرسة مع أولياء الأمور، فإن أقساط الفترة الصباحية تقل عن ثلث أرخص مدرسة خاصة في دبي.

بينما تنخفض أقساط الفترة المسائية لتصل إلى نسبة 10% من رسوم أرخص مدرسة في دبي، وكذلك الأمر ينطبق على فروع المدارس في إمارتي الشارقة وعجمان، وهي بهذا الواقع الميسر تبقي الباب مفتوحاً أمام الجميع، دون إنقاص حق أحد في تعليم يرقى إلى مستويات رفيعة ومتميزة، كما يوضح الدكتور محمد روبين إدريس.

إقبال مسائي

ومثلما تحظى الدراسة في الفترة الصباحية بالمدارس الأهلية الخيرية بثقة عريضة من الطلبة وأولياء أمورهم، تجد أن نسبة الإقبال على الدراسة المسائية ظلت تفوق نظيرتها للفترة الصباحية منذ سنوات، إلا أن إدارة المدرسة ارتأت مؤخراً أن تعيد النظر في قرار قبول الطلبة في الفترة المسائية، لاسيما بعد تفاقم أعداد الطلبة فيها إلى آلاف كثيرة.

وفي دراسة الحالة تبين أن عائلات كثيرة تفضل الفترة المسائية إما لموافقة واقع عمل وانشغال الأب أو من أجل التوفير في المصاريف حيث أن الرسوم تنخفض فيها إلى ما دون النصف.

وعند هذا الواقع عمدت إدارة المدارس إلى غربلة المتقدمين للفترة المسائية وقد أبقت فقط على الطلبة ذوي الدخل المحدود والمحتاجين أكثر، لا سيما أبناء صغار الموظفين من العمال والسائقين وأصحاب المهن وخدم المساجد وما سواهم، وبذلك ضمنت إدارة المدارس الإبقاء على مبدأ التعليم لمن يحتاج، وهي التي وجدت منذ البداية لتكون يداً حانية فوق رؤوس الميسورين.

رواتب متواضعة

حالياً يعمل في المدارس الأهلية الخيرية أكثر من 574 معلماً ومعلمة، كما يؤكد المدير العام الدكتور محمد روبين، من هؤلاء المعلمين 334 في الفترة المسائية فقط، وجميعهم ارتضوا لأنفسهم أن يكونواً جزءاً صغيراً من عمل خيري فاق في حجمه كثيراً من المتغيرات، خاصة وأنهم يتقاضون رواتب شهرية متواضعة.

ويرغمون أنفسهم في المقابل على بذل مزيد من الجهد والعطاء والتميز، وهو ما ترك المدارس منتشية بثقة طلبتها المتربعين على عرش التميز على مستوى أوائل دبي ودولة الإمارات عامة.

يبقى الأهم من وجهة نظر الدكتور إدريس أن المدرسة تعتمد على نظام إداري متميز في دعم مسيرة الخير والعطاء التي رسخها مؤسس وراعي المدارس، ولعل نظام «دراسة الحالة» المتبع فيها واحداً من ملامح استكمال العمل الخيري الإداري.

حيث تحرص الإدارة في كل عام على إيجاد دراسة حالة مستوفاة كافة الإجراءات والملامح لغالبية الطلبة، ولاسيما المعوزين منهم، وذلك تمهيداً لإتاحة المجال لهم لمواصلة دراستهم دون عوائق مادية أو اجتماعية أو حتى نفسية.

دراسة الحالة

يجسد نظام «دراسة الحالة» في تلك المدارس تصنيفات محدودة من المساعدات المادية والعينية المقدمة للطلبة، والتي تستحقها كل حالة بحسب مجموع النقاط التي تحصل عليها، وذلك يكون استناداً إلى متغيرات تشمل وضع المعيل الوظيفي والراتب الذي يتقاضاه وعدد أفراد الأسرة وأجرة البيت والديون المترتبة على ولي الأمر وغيرها من المحددات.

وبذلك تتاح الفرصة للجميع للحصول على نصيبهم من التعليم، كما يوضح الدكتور إدريس الذي يشدد على أن نهج المدارس الأهلية الخيرية أتاح الفرصة لآلاف العائلات التي تعيش على أرض دولة الإمارات لمواصلة مشوار حياتها دون حرمانها متعة «اللمة» العائلية في حضرة الأم والأبناء.

الجدير ذكره أن المدارس الأهلية الخيرية تمكنت من المواظبة على نهج العطاء الذي ارتضته لواقعها التعليمي وقد تخطت في مشوارها يوبيلاً فضياً وأكثر، كل ذلك تم تجسيده بمبادرات سخية من مؤسسها، إلى جانب مكرمات سخية من العديد من المؤسسات والجهات الخيرية في المجتمع.

وفي هذا الصدد لا يغفل أبداً الدور المهم لوزارة التربية والتعليم في تعهدها بتأمين عشرات الآلاف من الكتب الدراسية المجانية لطلبة المدارس التي تعامل معاملة الحكومة وإن احتفظت في مسماها بكلمة «الخاصة».

مساعدات نقدية وعينية للطلبة وعائلاتهم

أولت المدارس الأهلية الخيرية عناية فائقة في تقديم المساعدات الممكنة للطلبة وعائلاتهم، وذلك استناداً إلى توجيهات جمعة الماجد مؤسس وراعي المدارس.

والتي تأتي بعد دراسة الحالات الاقتصادية للطلبة الذين يواجهون ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة، حيث بدأت المساعدات المالية منذ إيجاد الدراسة المسائية في تلك المدارس العام 1992، رغم أنها ظلت تقدم مساعدات متفاوتة للطلبة الدارسين في الفترة الصباحية منذ نشأتها مطلع الثمانينات، بحسب ما يؤكد المدير العام للمدارس الدكتور محمد روبين إدريس.

ويشير إدريس إلى وجود مساعدات أخرى غير المساهمات المالية المباشرة من مؤسس المدرسة أو القادمة من المؤسسات الخيرية، والتي تقدم للطالب وولي أمره على حد سواء.

وتتحدد في الحقائب المدرسية والأدوات والقرطاسية والنظارات الطبية والمواد التموينية وكسوة العيد والزي المدرسي والملابس الرياضية وغيرها الكثير من المساعدات التي تصرف للطلبة وللأسر الضعيفة والمحتاجة.

ويوضح المدير العام أن النهج الذي تسير عليه المدارس الأهلية الخيرية يمنحها ثقة المواصلة والتميز في الجوانب الخيرية، كيف لا وهي التي ساهمت وبشكل فعال في لمّ شمل العائلات وتمهيد الطريق أمامها للوصول إلى بر الأمان عبر احتضانها لمن لا يملك مقومات البقاء.

دبي ـ عنان كتانة

Email