الإحساس بالملل وعدم فعالية الحصة يؤثران سلباً

عنف الطلاب تغذيه مشكلات أسرية ومدرسية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في بحث أعده يوسف محمود السيد الاختصاصي الاجتماعي في مدرسة محمد بن راشد آل مكتوم للتعليم الثانوي حول ظاهرة الشغب بين الطلاب على مستوى الدولة، عمد الباحث إلى الاستعانة في مقدمته بدراسة أكاديمية أميركية تقول إن الطفل يشاهد حتى يصل إلى سن البلوغ ما يزيد على 1800 مشهد عنف.

حيث يعلق أحد الباحثين على ذلك بقوله «إننا نصدر العنف والشغب والقتل، ويوماً بعد يوم باتت ظاهرة الشغب بين طلاب المدارس تكتسب بعداً جديداً أشد خطورة».السيد صاحب الدراسة اعتبر في تعريفه للشغب أنه نوع من السلوك يقصد به ايذاء الآخرين أو مضايقتهم، وهو كل مخالفة لمشاعر الولاء الجماعي والأعراف الاجتماعية.وعزا الباحث أسباب وجود ظاهرة الشغب في المدارس إلى عدة متغيرات منها ضغط بعض الآباء على أبنائهم في البيت، ومعاناة الطالب من مشكلات أسرية وحب الظهور لدى البعض وإثبات الذات وتقمص دور الزعامة، إضافة إلى سوء المعاملة من قبل المدرسين والإدارات، ثم ضعف شخصية المعلم أحياناً وتساهله مع الطلاب.

***أشكال العنف***واستقصى الباحث آراء عدد من الطلاب حول هذه الظاهرة، حيث أوردوا مجموعة من الآراء التي يبررون بها ظاهرة الشغب، منها إحساس الطالب بالملل وعدم فعالية الحصة واقتناع البعض بأنه راسب لا محالة، إضافة إلى إثبات الذات وتضييع الوقت ومجاراة الآخرين وضعف شخصية المعلم وعدم إعطاء الفرصة للطلاب للتعبير عن آرائهم وملاحظاتهم.أشكال الشغب والعنف تبدو عديدة ولايمكن حصرها، وذلك يرجع إلى التباين في نفسيات الطلاب والتنشئة الاجتماعية لكل منهم كما يرى صاحب الدراسة، الذي يؤكد وجود أوجه كثيرة للشغب منها ما هو موجه إلى مدرسة كإتلاف أو تحطيم أثاث المدرسة أو الفصل، والتمرد وعدم احترام اللوائح والنظم، وإحداث شغب بين الحصص وسوى ذلك من السلوكيات.ومن مظاهر الشغب الطلابي ما هو موجه إلى الإدارة المدرسية أو المعلمينن ويتمثل بالاعتداء البدني على أحد التربويين، وإعاقة المعلم عن الشرح داخل الفصل وعدم احترامه وطاعته، والتأخر عن دخول الحصة أو الخروج دون إذن، وطرح أسئلة ساذجة لأهداف معينة في النفوس، إضافة إلى التعليقات التي تعوق من أداء عمل المعلم وشرح الدروس.

وهناك مظاهر أخرى للشغب تكون موجهة للطلاب أنفسهم، وتتمثل في الاعتداء والضرب، والاشتراك في مجموعات تمثل الشللية والزعامة واحتقار بعض الطلاب، وإتلاف ممتلكات الآخرين والسرقة والمشارجات داخل حافلات المدرسة والتهديد والوعيد وإثاة جو العداء ضد الآخرين.

استطلاع آراء

خلافاً لما سبق، عمد الباحث يوسف السيد إلى إيجاد استبيان وزع على الطلاب والمعلمين، لاستقصاء مظاهر العنف والأسباب وأفضل السبل لمواجهتها، واللافت أن 75% من الطلاب المستطلعين اعتقدوا أن المعلم يبقى سبباً لإيجاد العنف لدى بعض الطلاب.

و64% منهم أكدوا أن رفقاء السوء يلعبون دوراً بارزاً في إثارة دافع الشغب لدى الطلاب، فيما قال 68% من الطلاب إن المشكلات الأسرية تدفع البعض لإثارة الشغب في المدرسة.

وأجمع الطلاب المستطلعون على عدة مظاهر للشغب من وجهة نظرهم، منها إصدار أصوات ومحاولة تعطيل الحصة، والتعليقات على المعلمين أو الطلاب، والكتابة على الجدران أو داخل الحمامات، والاعتداء والمشاجرات مع الطلاب أو المعلمين، وإتلاف الممتلكات العامة، والهروب والقفز فوق السور، وتخريب مقاعد الباصات والكتابة عليها وتشكيل الزعامات والشللية.

مظاهر سلبية

واقترح الطلاب مجموعة من المعطيات للحد من ظاهرة الشغب، منها احترام المعلمين للطلاب وملء وقت الحصة، والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم وملاحاظاتهم، وتعاون ومتابعة أولياء الأمور، وتشجيع الطلاب على الانضمام لجماعات النشاط المتعددة، وتشجيع الطلاب في حالة الرسوب ومنحهم فرص إعادة الامتحانات حتى لا يشعروا بالإحباط واللجوء للعنف والشغب.

وفي الأسئلة الموجهة لأعضاء الهيئتين الإدارية والتدريسية، أكد 70% منهم أن للمستوى الثقافي للأسرة أثراً في إيجاد ظاهرة العنف لدى الأبناء، وأن هناك دوراً للمؤسسات المجتمعية في معالجة ظاهرة الشغب بالاشتراك مع المدارس و35% فقط منهم قالوا إنه يمكن معالجة هذه الظاهرة داخل أسوار المدرسة.

فيما أضاف 60% منهم وجود تفاوت في في ظاهرة الشغب بين المدارس حسب المناطق السكنية، وأن للإعلام والأفلام والتلفزيون أثراً في هذه الظاهرة، وأنه من الممكن أن تتطور ظاهرة الشغب لتصبح شكلاً من أشكال الجريمة.

وأورد المعلمون بعض المظاهر السلبية للطلاب، منها إصدار أصوات داخل الفصل، والمشاجرات والاعتداءات المتبادلة، والتلفظ بألفاظ نابية بحق المعلم أو الإداري، والتخريب بأنواعه، وإحضار المفرقعات داخل أسوار المدرسة، وتخريب سيارات المعلمين والإداريين، فيما اقترح المستطلعون مجموعة من البنود للحد من تلك الظاهرة، منها متابعة المشكلات الطلابية مهما كانت صغيرة قبل أن تستفحل ويصعب علاجها، والبعد عن التهكم وأساليب الاحتقار والتهديد التي يمارسها بعض المعلمين أو الإداريين.

الاختصاصي الاجتماعي والباحث يوسف السيد وضع جملة من التوصيات في ختام دراسته الاجتماعية، حيث أكد على دور الأسرة في متابعة الأبناء وضرورة أن يدرك الآباء والأمهات خطورة المسؤولية وأهميتها وعدم إلقاء اللوم على عاتق الآخرين، فيما يقع الجزء الكبير على عاتق المعلم في حصار واحتواء كل شغب بالأسلوب الجيد والقدوة والمعاملة الحسنة.

حرية وتعبير

ولفت الباحث إلى ضرورة التعامل مع فئة الطلاب الشباب بأسلوب ديمقراطي، مع ترك هامش من الحرية والتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم وعدم قمعها، واستخدام أساليب الترغيب لا الترهيب في التعامل مع الشباب، إضافة إلى الإرشاد والتوجيه من قبل الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين، وتفعيل لائحة توجيه السلوك الطلابي في المجتمع المدرسي.

وأوصى الباحث بأهمية التواصل بين المدرسة والمؤسسات المجتمعية ذات التأثير المباشر والفاعل لدى فئة الشباب مثل قيادة الشرطة والأندية الرياضية والأوقاف والمؤسسات الإعلامية والجمعيات والصحة، مع أهمية التركيز على الإعلام الموجه المبتعد عن البرامج الهابطة والمدمرة لعقلية الشباب.

وتوفير الأنشطة والجماعات واللجان والإمكانيات والأدوات اللازمة داخل المدارس، حتى تكون بيئة جذب للطلاب وتنفيس للطاقات لا عامل طرد، وختاماً الاستعانة بالقيادات الطلابية السابقة والتي تخرجت وأصبحت الآن تتقلد مراكز اجتماعية مرموقة لنقل تجاربهم ونجاحاتهم إلى شباب اليوم.

بقي أن نشير إلى أن الباحث يوسف السيد، ذكر في ختام مشروعه الطلابي الاجتماعي والسلوكي، أن هذا البحث كان بمثابة جرس إنذار لخطورة الظاهرة وأثرها على البناء الاجتماعي كاملاً وعلى مؤسسات الدولة بدءاً بالأسرة والمدرسة والمجتمع.

لذا وجب علينا أن نعيد السياسة التخطيطية في التعامل مع الشباب في المدرسة الثانوية، نظراً للمتغيرات المحيظة بنا والتطورات الهائلة في كافة المجالات الحياتية، ومن ثم وجب علينا أن نضع الخطط المختلفة لاحتواء هذه الظاهرة ومعالجة الأسباب، سواء كانت من المعلم أو الإداري أو الأسرة أو الأصدقاء أو الإعلام أو المجتمع، وإعادة صياغة بعض اللوائح والنظم والقوانين التي تتعامل مع فئة الشباب وتوافق متطلبات العصر.

عنف الآباء

ضمَّن الباحث يوسف السيد مشروعه، معطيات أكدتها إحدى الدراسات في بلد عربي، حيث أجاب 55% من الطلبة وهم عينة الدراسة أنهم لا يرغبون بمتابعة الدراسة، وأكدوا أن الشغب الذي يمارسونه في المدرسة تجاه المعلمين هو ردة فعل عفوية على العنف الذي يمارسه الآباء ضدهم، في حين أكد 20% من الطلبة المختارين للعينة أن المعلم هو مصدر العنف لديهم.

فالقصور العلمي الذي يظهر به المدرس في بعض الحالات يشكل دافعاً لديهم نحو الشغب والفوضى لملء وقت الدرس الذي يبدو مملاً إلى درجة يفضلون عندها ممارسة الشغب على الاستماع أو الإصغاء للمعلم.

مشكلات أسرية

أوضح الباحث أن دراسة أجريت على مجموعة من طلاب منطقة الشارقة التعليمية، أكدت أن سبب الشغب والعنف هو إكراه الأهل للطلاب على متابعة الدراسة وعدم السماح لهم بممارسة أنشطة خارج المنزل، وأشار آخرون إلى أن المشكلات الأسرية مثل الطلاق وتفكك الأسرة وضعف الوعي الثقافي والتعليمي وقلة الرقابة والانشغال عن الأبناء والتدليل أو القسوة الزائدة، هي أسباب تدفع البعض للقيام بالشغب في المدارس.

وأضاف الطلاب أن واقع المراهقة السلبية وعجز الأسر عن تهذيب وتثقيف الشخص وتغلب الجانب الغريزي للمراهق، كل ذلك مسببات مباشرة تدفع المراهق إلى أن يظهر علامات رجولة يعبر عنها بالتمرد على الآخرين، لا سيما المعلمين والطلبة في المدرسة.

طلاب عرضة للفشل

بحسب ما جاء في دراسة ظاهرة الشغب بين طلاب المرحلة الثانوية في مدارس الدولة، فإن ذلك السلوك له أثر بالغ على التنشئة الاجتماعية بشكل عام، لا سيما في فشل الطلاب ورسوبهم وتسرب بعضهم وتركهم للدراسة أو الانحراف تجاه السلوكيات المدمرة كالسرقات والمخدرات وارتكاب الجرائم، مما يؤثر على المجتمع تأثيراً مدمراً.

حيث تزداد نسبة الأمية وأعداد العاطلين عن العمل والخارجين على القانون، فيعيش الناس في خوف وعدم أمان، خاصة وأن هذه الظاهرة تقود إلى تدمير البناء الأخلاقي والسلوكي على المدى البعيد.

دبي ـ عنان كتانة

Email