آنية اللغات السامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من التحف المعروضة في متحف معبر الحضارات، الكائن في الشندغة بدبي، آنية نحاسية بحجم اليد الواحدة، بداخلها الكثير من الرموز والحروف والأرقام، بحاجة إلى المزيد من الشرح، معنى وبحثاً، ومن قبل باحثين مختصين، لأن الشرح المقتضب أسفلها، لم يكفِنا نحن الزائرين، لكون الآنية طلسماً للمحافظة على سلامة أحدهم، ليأخذنا النقاش حول المفردات المكتوبة فيها من الآرامية، والعبرية، والعربية.

فكنا أمام لغات سامية الأصل، تتزاحم في قعرها دون فهم واضح، والغريب أن الحروف العربية فيها غير منقطة، أي مكتوبة بتلك الأبجدية العربية الأولى، قبل التنقيط للأعاجم، إلى جانب جدول المربعات المرسوم، والذي يحتوي على حرف آرامي في كل مربع منه ومستطيل بحروف عبرية... لتضج الآنية وتزدحم بكل ما فيها دون ترتيب أو نظام، على الرغم أنه يمكننا القول إن البعثرة متعمدة للتشتيت.

تذكرني هذه الآنية، بآنية بعض الجدات التي كانت بنفس الحجم تقريباً، بعضها من فضة، وبعضها من نحاس، وما أذكره جيداً، هو الكتابة المحفورة بداخلها لآية الكرسي، وبخط النسخ الناعم والصغير جداً، لتدور الآيات بعد البسملة في جوانب القعر إلى النهاية حتى القاع، ليضعن الماء كل يوم في تلك الآنية المخصصة للنجاة، ويقرأن عليه بعض الآيات، ومن ثم يشربه الأولاد والأحفاد، بِنِيِّة الشفاء وسلامة الحياة، مع الفارق بأنه ليس طلسماً.

والشاهد أن تلك الأواني كانت لدى معظم منازلنا القديمة، متوارثة كمعتقد للبقاء، فاختلطت بالعادات بعد كل تلك الحضارات التي تكدست في المنطقة، لتَعْبرنا، وتتغير مع الوقت في طريقة تعاطيها، وتأخذ الشكل الأقرب إلى المزاولة اليومية، التي تبعد عنا السقم والعلل أكثر من أي شيء آخر، ويتحول من الشعوذة منذ تلك الأزمان، إلى عادة امتزجت بالتراث، كما هي عين حورس لدى قدماء المصريين، الذي بقي لدى بعضهم حتى هذا العصر بأشكال العين المختلفة، لدرء الحسد، وغير ذلك من الأمثلة.

لكن السؤال هنا، وإن كان المكتوب في آنية الشندغة، حرزاً للسلامة، لكن لِمَ كتبت بثلاث لغات يا ترى؟، ألا يكون الحرز بلغة واحدة من تلك اللغات، فما القوة في جمعها مع بعضهم البعض؟، هل لأنها تنتمي إلى اللغات من نفس العائلة في أصلها الواحد، المنتمي إلى سام بن نوح؟،

أو لأنها لغات منتشرة في منطقة واحدة؟، وماذا تعني تلك المربعات التي تحتوي على حرف في كل خانة؟، وأسئلة عديدة ليست مساحتها هنا، بل لدى الباحثين المختصين منهم في التراث والموروث، والإشارات اللفظية، واللغات السامية المتداولة... فكل الأمم المتحضرة الآن، تبحث في أصغر مقتنياتها مثل هذا النوع، لتضيئها في دراسة بحثية، ولو مستحدثة، تضيف لثقافة الأوطان المتسامحة.

Email