بين معرض الشارقة و"لوفر" أبوظبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين معرض الشارقة للكتاب وافتتاح الصرح الفني الكبير لمتحف اللوفر أبوظبي، نعيش عرساً حقيقياً في دولتنا التي نتجمل بها عاماً بعد عاماً، فبين معرض الشارقة الذي يثابر في عرض الاجتهادات الفكرية المعبرة عن كينونة هذا الإنسان المزدحم بالشوائب، ليذهب به مجنحاً نحو الشمس، ويصبح المعرض مكاناً حقيقياً للمبدعين المغرمين بسحب المفردات، وبين المتحف الذي أتى لنا بأهم اللوحات الفنية والآثار التاريخية من اللوفر باريس، لنتذوقها ونستنطق ذواتنا من خلال مشاهدتها، وتتحقق أمنيات الإنسان على أرضنا لتحيط بنا.

أن نحيا الكتاب والفن الضروريين لنا كالماء والطعام، وبين الفن المعبر عن أرواحنا المطلقة دون حدود، وبين الكتاب الذي يمتعنا بلا حد، فما بين وبين، نعيش عرساً جميلاً. وبين ما يقال عن معرض الشارقة الجميل في تنظيمه، أن المؤلفين باتوا يقلدون نجيب محفوظ في كثرة الإصدار، ولم يتحققوا أن محفوظ لم يحرق نفسه في حضور الأمسيات ولم يتسابق للانشغال بالكلام عن الأدب، بل قرأ وتأمل وكتب، واكتفى بالقليل لينتج الكثير، فليتهم يلتفتون إلى المؤلف جيروم ديفيد سالنجر، صاحب الرواية الوحيدة «الحارس في حقل الشوفان»، التي تُعد حتى الآن من بين أهم مئة رواية، وعلى ذلك تُدرس أكاديمياً في الجامعات لعمقها، بعد أن بيعت منها ملايين النسخ إن تحدثنا في تجارتها، فهل اختصر مبدعونا طاقاتهم في بناء الكتب البناءة بدل الكثرة وضعف المحتوى، فلم يعد العطاء يقاس بالعدد، ولا بتلك السيرة الذاتية ذات القائمة الطويلة على صدر صفحات «الويكيبيديا».

وبين ما يقال إن متحف اللوفر يعرض فنون الغرباء، تُعبر عما بهم في أرضنا لا عما بنا... نستغرب هذا القول، أليس الفن يرسم وعينا، ومن ثم يشكل أفكارنا؟ فهل أيضاً نضع الفنون الحرة في حدودٍ جغرافيةٍ مُسيجة؟

ألا يكفينا كزوار ملامسة هذه الثقافة المتسامحة والمفتوحة التي تمنحنا فرصة الترصد لأنفسنا، وصياغة دواخلنا من جديد، كما هي لوحة «الغجري» لمونيه، في اللوفر أبوظبي التي تعبر عن الفقر والازدراء، لنرى كم هي فلسفة إنسانية موجعة؟ مروراً بلوحة دافنشي «بيل فيرونيير» هذه المرأة الشابة التي تلبس المخمل الأحمر وتنظر لنا بمنظر جدي، وعلى ذلك فهذا احتفاء بحد ذاته، في أن نفتتح المتحف على نظرتها التي ألهمت قروناً طويلة فنانين كبار وهم يفسرون رؤيتها تلك، انظروا إليها جيداً، لربما تخرجون بنظريات جديدة حول مقلتيها بعد أن حلت علينا ضيفة، فهل هي نظرة مبهمة، أو حزينة، أو حانقة أو لائمة... لا نعرف، لكن يكفي أن تَعْبُرُنا بجمالها الغامض في حقيقته ومنذ عصر النهضة إلى عصرنا هذا وفي عاصمتنا.

لا شك أنها ولادة إبداعية مختلفة لرؤانا تتزامن غداً مع ولادة المتحف الجديد، والاحتفاء بأعراسنا الأدبية والفنية بحب بين المعرض والمتحف.

Email