ما تقولهُ الأشجار

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن كل شجرة تستحق الاحترام، فهي المانحة بفضلها علينا ثمراً وظلاً ودفئاً.. لكن الغريب أن الشجرة العتيقة تحديداً، إن جلسنا قبالها فإنها توقظ فينا حنيناً قديماً لا نعرفه. يجنح بنا الشوق إلى جهة غير معلومة، ليضيع قياس مشاعرنا، ففي أيّ اتجاهٍ هي! حتى أتى علماء النبات وبعد دراسات، ليثبتوا أن الشجرة الأقدم من بين الأشجار هي الأعلم بما جرى ومضى من خلال دفتر لحائها، فبعد تحديد عمرها في حلقاتها، وتبيان سُمك كل حلقة، تتحدد تلك السنة إن كانت ممطرة، أو جافة إن قَلَّ هذا السُّمك، فمن خلال عُمر الأشجار، يستطيعون دراسة المناخ الذي مضى.

بعد قراءتي في كتاب «التاريخ القديم للبحرين والخليج العربي» للباحث البحريني علي بوشهري، وولوجه في حكاية شجرة الحياة الشهيرة في البحرين والواقعة خلف جبل الدخان وهي وحيدة وشامخة هناك، حيث لا أشجار حولها ولا آبار أو عيون في تلك المنطقة الجرداء بتربتها المالحة، والتي يتعذر فيها قيام النبات، باتت ظاهرة منقطعة النظير لتبقى هكذا في عمرها المديد لأكثر من أربعة قرون، فلا بد لهذه الفرادة أن تحتوي على أسرار عميقة. لم يعرف الباحثون والآثاريون ولا علماء النبات سبب قيامها في هذا المكان وصمودها، إلا بعد اكتشاف مياه ومن نوع خاص تتفجر في أعماقها ولها وحدها.

استهدف هؤلاء أهدافاً أخرى، والذهاب إلى معرفة وتحليل الأحداث التاريخية التي حدثت في تاريخ البحرين والمنطقة عن طريق معرفة كل تلك السنين التي كثرت فيها الأمطار أو قلتْ، سنة خَلفَ سنة، لتفسير الهجرات والحروب القاسية والمجاعات في عصور الجفاف وتأثيراتها السياسية والتجارية بدءاً من 1583م وهو عام مولد الشجرة إلى 1984م ومقارنة مستوى أمطارها بكل الأحداث التي مرت واستعراضها من عمر الشجرة.

فأثناء الاحتلال البرتغالي للبحرين مثلاً كانت المقاومة في سنتها ضعيفة بسبب الانخفاض الشديد للمطر، بينما السنة التي قاومت الاحتلال كانت الأمطار غزيرة جداً، كما انتعشت الحركة الاقتصادية وتم ترميم القلعة.. وهكذا أتت دراسات لاحقة عن طريق هذه الشجرة التليدة.

لدينا في الإمارات أشجارنا القديمة التي تعدت المائة حلقة من عمرها، كانت وافرة لولا قطع الكثير منها، إلى صدور القانون الصارم للمحافظة على الأشجار كالغافة مثلاً ووضع غرامة لمن يقطعها، فباتت مُفعلة منذ عهد الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رحمه الله.

دراسة لحاء الأشجار تمنحنا مناقشة لتفتيشٍ مختلف نفحص من جديد ماضينا ونحلله تحليلاً آخر عن العلاقة بين معدل الأمطار في حلقات الجذع التي أشبه بندوة أو ملتقى، نناقش في منتداه ما جرى من أحداث في أشجارنا المعمرة والمؤرخة والدقيقة في سردها إلى أبعد مما نتصور.. ألم يعد مستغرباً أنها توقظ فينا العطف والرحمة والاستجمام ونحن أسفلها؟

Email