نجم سهيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بما أننا في أغسطس، هذا الشهر المُلفت والمختلف لدى أهل الإمارات والخليج، لكونه كان يتصدر البداية في حساباتهم، حيث كانوا يشهدون فيه حدثًا فلكيًا هامًا يتمثل في ظهور نجم النجوم «سهيل» بقوته البراقة، بلمعته الشمسية الباهرة والجميلة بكل المقاييس، فإنهم كانوا يبدؤون بها سنة جديدة يعلنونها منذ بزوغ هذا النجم النضير الذي يصاحبهم ومنذ قرون بعيدة، ولأنهم حيال هذا النجم الذي يطل كل عام ما بين 13 إلى 20 من هذا الشهر، فإنهم يترقبون انكشافه ليبدؤوا بمراقبته، وما إن يبرز تبدأ السنة الجديدة لأهل الخليج.

يبدأ الناس حساب حِسبة الدرُورْ، من اليوم التالي لظهوره والدرور مُفرده دَرْ، ومعنى من يَدُره أي يدفعه. يقول الباحث الإماراتي فهد المعمري إن أجدادنا القدماء من أهل البحر والبادية والجبال، كانوا جميعًا يحسبون الدرور، سواء من أجل المواسم الزراعية للبادية لكون كل زَرْعة لها موسم، أو من أجل الإبحار لأهل البحر، دِرءًا من الرياح والعواصف، أو من أجل أن يبصر علامات الرياح لمعرفة المطر لأهل الحيور والجبال، فلكل ريح مطر، فالرياح الغربية تنثر السحب، والشرقية رياحها باردة لكنها تأتي بالمطر، والشمالية تأتي بالهواء فقط، والجنوبية تأتي بالأمطار فيستعدوا لحرث الأرض.

ويصبح نجم سهيل هو البداية لحسابات الدرور.. كل عشرة أيام دَرْ، ويمضي الآباء بالدر العشرة من المائة والدر العشرين من المائة، والثلاثين وهكذا... لتتوقف هذه الحسابات الشمسية عليها الحياة والأرزاق.. فما إن يستبين هذا النجم، ينتهي فصل (القيظ) أي الصيف ويبدأ فصل (الصْفري) أي الخريف، لتبدأ الحرارة بالنزول، وليالينا بالبرود، والطقس بالتحسن.. وبالتدريج خلال الأسابيع الثلاثة التالية.

لا فوضى ولا اقتراح ولا تخمين إن أشرق نجم سهيل، الذي بإشراقه يصبح الماء باردًا، فيشعر من في البرية ببرودة الأحجار والرمال، ويهرب الذباب خارجًا من الحر إلى البرد، وتصبح كل إشارة تصدر من الطبيعة، لها تفسير لدى أهلها، فلا تضيع المقاييس، فالبدوي يفسر شكل كل غيمة واتجاه كل ريح ليبدأ بالشرح والتبيان. وخاصة أن أهل البادية هم أول من يكتشفون هذا النجم، حين يوردون الماء للإبل كل فجر، وخاصة لتلك «البكرة» الصغيرة.

فما إن تستهل بالشرب وترى النجم ساطعًا يعكس الماء، تنفر خوفًا من هذا الانعكاس في شدة الظلام، لأنه من ألمع النجوم إن انخفضت في الأفق، فما إن يعلن هذا النجم سفوره، يميز حتى المتأمل قطرات الندى في الصباح على أوراق الشجر، وكذلك في البحر إن اتضح سهيل وبانَ بين الجزر، فوضوحه بمثابة النصر، لأنه البوصلة النجمية المساعدة على رسم الأسفار إلى وجهات معينة.

وكل عام وأنتم بخير

 

Email