حفرة مليئة بالأسئلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما فتحوا قبرها، وجدوها نائمة بكامل زينتها، اللؤلؤة المعلقة في أنفها كانت واضحة، وقرطٌ من عقيق ما زال يتوهج في حمرته وهي نائمة في سماوات قبرها الممتلئ برائحة الزمن، وأكثر من 2500 خرزة صدفية بيضاء مزينة على جسدها وشعرها دون فوضى، كانت امرأة مدهشة لكل من رآها وهي راقدة على يدها اليمنى باتجاه الشمال حيث البحر ورأسها باتجاه الشروق، ويداها اللتان بدتا وكأنهما تمسكان بشيء قد اندثر.

لقد تخيلت وتصورت طقس جنازتها، بمهابتها كامرأة في نومها الأزلي، كانت مقرفصة في رقادها، وكلنا نعرف أن هذه الجلسة مشهورة لدى أهل القرى، لذا فإن نساءهن أقوى أثناء الحمل، يلدن بيسر بسبب هذه الجلسة التي تُعد تمرينًا للجسد، حتى الطفل نتعمد أن نجعله نائمًا بذات الوضعية كي نجنبه الموت المفاجئ. أما هؤلاء فلم يجدوا في القرفصة إلا مفهومًا يمتد بهم أنها الأفضل حتى في الممات وبعد الاحتضار.

بفرح وجد الباحثون الآثاريون هذه الحسناء التي تبلغ من العمر الآن 7000 سنة في الشارقة حيث جبل بحيص وسفوحه، ومع ذلك يقول البعض معترضًا: ما الأهمية في رؤية كل ذلك، ليشيعوا من تلك الأسباب التي يريدون بها إهمال البحث والتنقيب لقلة ما تضيفه القبور للعلم أو للمستقبل؟

فلنتساءل أولاً، يا ترى ما سبب وفاتها وهي في الثلاثين من عمرها، قوية ونحيلة بأسنان جميلة، فلا آثار لأمراض تشير إلى سوء التغذية مثل الملاريا أو كساح الأطفال أو غيرها، ولا ضربات في الرأس أو الجسد أدت إلى وفاتها؟

فقد أكدوا لي بأنها كقومها في بقية القبور استهلكوا البروتينات الحيوانية والسعرات الجيدة والفيتامينات من الصغر إلى الكبر، أو لربما كانت سخونة الحمى الزائرة دون استئذان.. ألا يعرفنا كل ذلك على الداء والدواء في تاريخ أرضنا وطبيعتها!

أو كما يقول الباحثون في إدارة آثار الشارقة والمتعاونون مع جامعة «توبنجن» الألمانية، الذين نقبوا معظم سفوح جبل بحيص، إنه علينا الاستفادة من الماضي أولاً بطرح الأسئلة المختلفة لدراستها، فكيف يمكننا أن نعيش الآن عيشًا مزدهرًا ضمن ظروفنا المحلية مع إمكانية استغلالنا للطبيعة النادرة التي بين أيدينا والاستفادة منها دون تدميرها؟

لربما سكان جبل بحيص في العصر الحجري كان لديهم الجواب، فهم عاشوا في هذا المكان المتصحر والجبلي حياة جيدة رغم ندرة الموارد. كما أنه بعد اكتشاف القبور العائلية التي تحضن الأفراد بعضها البعض، وما تبين لنا من طقوس الدفن لديهم، أنهم صنعوا عائلات متماسكة.

فللنظر ولو قليلاً ورغم آلاف السنين، للقدماء الذين سكنوا الأرض، كيف واجهوا مشاكلهم بقوة وحب؟ فهذه فضائل مهما كانت عاداتنا الحالية ممتلئة بالثناء، ولا بديل عن البحث المستمر والمكرر في آثارنا ولو كانت قليلة. تبقى القبور المكتشفة مثيرة للأسئلة التي تصوغنا من جديد.

 

Email