أين نسختي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن الكتاب مشروع فكري كبير لنهضة عقولنا المرهَقَة والملتَبِسَة بأفكارها الراكدة ومنذ زمن بعيد، لذا نعتبره مشروعاً رائداً وحراً يحتاج أولاً وآخراً إلى دعم القارئ، ليبعث فيه القدرة على النهوض.

ما أقصده هنا من دعم هو دعمه الشرائي أولاً ثم القرائي، لكون شراء هذا الكتاب وابتياعه مقابل مبلغ أمر بالغ الحساسية عند البعض، وثقافة جديدة لدى البعض الآخر، ولا بد من الاعتراف بذلك، إضافة إلى انتشار ثقافة طلب النسخة المجانية ومباشرةً من المؤلف، وكلنا نعلم بأن جملة «أين نسختي؟» باتت ثقافة منتشرة يرددها الكثيرون وهم يوجهونها له، وبنوايا طيبة ومع ابتسامة جميلة، خاصة من معارفه وأقربائه وأصدقائه وما أكثرهـم.

هذا المؤلف الذي لا تمنحه الدار سوى عدد بسيط من النسخ المجانية، لا لتوزيعها على الأصدقاء بل على من يقوم فقط بدراسة نقدية لمؤلفه أو كتابة رأي حوله، وهم في الأغلب من النقاد والصحافيين، ومع ذلك أصبحت ثقافة سؤال «أين نسختي؟» مع ابتسامة، هي من السلوكيات الأكثر غرابة في عالمنا، وهي ظاهرة منتشرة، الأمر الذي يبدو لي أن القراء في أغلبهم يغفلون أو يتغافلون عن أن الكتاب في المكتبة أو معرض وسواه، يوزعه ويبيعه ناشرٌ لا مؤلف.

لكن من المؤسف أيضاً أن بعض المؤلفين يقومون بشراء عشرات النسخ من كتبهم ومن أموالهم، بهدف الإهداء المجاني إلى طالبيها، ليكرس هذا المفهوم، وتنتشر الفوضى في معاني هذا الكتاب وسلوكه.

«أين نسختي؟» هي ثقافة باتت متداولة. فالكثيرون يضعون أموالهم على المجوهرات والأسفار ووجبات الطعام والكماليات، لكنه ما زال يتردد أمام شراء كتاب رغم وجود المال، وهذه عادة جارية حتى عند المقتدرين.

يقيناً أن الكتاب هذا المشروع الفكري يتحول بعد إنجازه إلى مشروع تجاري لدى الناشر، أما المؤلف فلن يبقى له بعد الكتابة سوى الحضور والنقاش والتوقيع.

نحن إذاً حيال سؤال لا يتداوله القارئ الغربي، فأين نسختي؟ هو طلبٌ غير مناسب، لكونه يطلب إهداءً، والهدية لا تُطلب، ليفسر السؤال لديهم بأنه سؤال السذج والمغفلين!

وأخيراً، فإن السائلين يقترفون في حق المؤلف، ويكبدونه شراء نسخهم، وهو الذي كان ينتظر قارئه أن يبتاع نسخته لا طلبها.

لا بد من ذكر ما قاله أحد الناشرين لمؤلفيه بعد الطباعة: «أيها المؤلفون امتنعوا عن الإهداء، فتمنحوا كتبكم قيمة، وبلغوا طالبي الكتب بأنها في المكتبات والمعارض لا عندكم».

Email