الإناث أكثر واقعية من الذكور في الزواج من شريك مناسب

زواج المعاقين .. حق تعيقه نظرة المجتمع

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تحتل قضية زواج المعاقين حيزا مهما في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وحقهم في الحياة الكريمة التي كفلتها لهم معظم التشريعات والقوانين المعمول بها في البلدان المختلفة، والحق في تكوين أسرة وإنجاب الأطفال هي من جملة هذه الحقوق. وهي من القضايا المهمة التي فرضت نفسها في أجندة عمل المهتمين بهذه الفئة من أفراد المجتمع في الآونة الأخيرة مع تطور الوعي بأهمية تحسين نوعية الحياة لهذه الفئة من أفراد المجتمع.

والإعاقة أنواع ودرجات مختلفة فهناك الإعاقة الجسدية أو الحركية وهناك الإعاقة السمعية والإعاقة البصرية والإعاقة العقلية والإعاقة الكلامية واللغوية، يضاف إلى ذلك إعاقات أخرى مثل اضطراب التوحد والإعاقات المتعددة. ويرى الكثير من أولياء الأمور ومن العاملين في مجال الإعاقة والمهتمين في هذا الشأن أن في زواج الأشخاص ذوي الإعاقة تحقيق الكثير من المنافع والمصالح المهمة ولعل من أهمها إيجاد معين للشخص المعاق يرعاه ويعتني به ويساعده في تدبر أمور حياته اليومية.

ومن المفارقات أن بعض الدراسات الاجتماعية كشفت أن الإناث المعاقات أكثر واقعية من الذكور فيما يتعلق بالزواج من شريك مناسب، فنسبة كبيرة من الإناث تحاول أن تجد الشريك المناسب من بين الرجال المعاقين، على عكس الذكور الذين تطمح النسبة الأكبر منهم للزواج من فتيات غير معاقات. ولكن ومع التسليم بأهمية زواج ذوي الاعاقة فهل يتم ذلك دون شروط وضوابط؟ وما هي فئات الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يمكنهم الزواج دون إجراءات أو شروط خاصة ؟ وما هي الضوابط أو الشروط التي تحكم زواج الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام ؟.

وكيف يمارس الشخص المعاق حياته الزوجية ومسؤوليته تجاه الشريك والأولاد ؟ وماذا عن الأهلية القانونية للشخص المعاق ؟

والقضية الأهم وهي قضية إنجاب الأطفال وخصوصا عند وجود أمراض وراثية لدى أحد طرفي الزواج. أسئلة كثيرة ضرورية للطرح والنقاش بعد أن تعددت مظاهر زواج المعاقين خلال الفترة الأخيرة وكان لابد من طرح الأسئلة على ذوي الخبرة والمهتمين والمتخصصين.

ضوابط وشروط

فاطمة جاسم الهياس أخصائية نفسية بوزارة الشؤون الاجتماعية تؤكد بالطبع أن هناك الكثير من الشروط والضوابط يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في زواج الأشخاص ذوي الإعاقة فهناك ضوابط شرعية ودينية نترك الحديث عنها لأصحاب الشأن من علماء الدين الأفاضل. وهناك ضوابط اجتماعية وهي اهتمامنا واختصاصنا في البداية توضح فاطمة الهياس مصطلح أو مسمى الإعاقة حيث يستخدم للإشارة إلى وجود نقص جسدي أو عقلي أو حسي أو حركي عند الشخص المعاق وقد يكون ذلك موروثا أو موجودا منذ الولادة أو مكتسبا بعد الولادة، وأسرة الشخص المعاق لا تخرج بتفكيرها ونظرتها لأبنها أو ابنتها المعاقة عن دائرة المجتمع الذي يعيش به الشخص المعاق. وكلما كانت الأسرة واعية ومدركة لطبيعة الإعاقة والصعوبات التي يعاني منها ابنها أو بنتها المعاقة كلما اختلفت النظرة لقضية الزواج.

في مجتمعنا الشرقي، وكما هو الحال مع الأبناء غير المعاقين، تكون الأسرة هي أول من يتصدى لمشروع زواج الأبناء ذوي الإعاقة. مع انه في بعض الحالات يكون الشخص المعاق نفسه أول من يفكر في الزواج وهنا يبرز اتجاهان لدى أسرة الشخص المعاق، كما تضيف فاطمة الهياس. الاتجاه الأول، هو مطالبة الشخص المعاق بأن يتزوج من شريك مشابه له من ناحية الإعاقة كأن يكون الشريك يعاني من نفس الإعاقة (معاق سمعيا يتزوج من معاقة في السمع) أو أن يعاني الطرف الآخر في الزواج من إعاقة مختلفة ولكن يصنف ضمن فئة المعاقين ( معاق حركيا يتزوج من فتاة معاقة سمعيا).

الاتجاه الثاني، هو السعي لتزويج الشخص المعاق من شريك غير معاق. ولكل من هذين الاتجاهين أسباب ومبررات قد تكون مقبولة أو مقنعة إلى حد كبير. فأصحاب الاتجاه الأول يرون أن مصلحة زواج ابنهم من شريك يعاني من نفس الإعاقة أو إعاقة مختلفة سوف يساعد كثيرا في نجاح الزواج واستمراره ومبرراتهم في ذلك هو أن الشريك المعاق يكون أكثر تفهما وعلى دراية وإدراك ومعرفة تامة بطبيعة الصعوبات التي يعاني منها الشريك المعاق إضافة إلى أن نوعية التواصل بين الشريكين تكون على أفضل وجه وأحسن حال وبأن البيئة التي يعيش فيها الشريكان المعاقان تكون مناسبة ومؤهلة لكلا الطرفين. وفي حالة كون الشريكين من إعاقة مختلفة يكون هناك نوع من الكفاءة الاجتماعية بين الشريكين مما يساعد على نجاح هذا الزواج.

قضية الانجاب

ويرى خبراء اجتماعيون أن هناك أسئلة يجب أن تثار عند زواج شريكين من ذوي الإعاقة وأهمها بالطبع هو قضية الإنجاب والأطفال وقضية الوراثة ( في حالة كون الإعاقة سببها وراثي ) وكيفية تربية الأطفال وتنشئتهم. فعلى سبيل المثال في حالة كون الزوجين من فئة المعاقين سمعيا ويستخدمان إشارة اليد في التواصل تبرز قضية إكساب الطفل اللغة والكلام والتواصل الشفهي وتعليم الأبناء إذا ما كانوا ذا قدرات سمعية عادية. والأمر مشابه عند فئات أخرى من المعاقين.

وعندما يكون الشريكان من فئة الإعاقة العقلية البسيطة تبرز قضايا أخرى كثيرة منها تنشئة الأطفال وتعليمهم والفجوة في القدرات العقلية بين الوالدين وبين الأبناء وذلك عندما تكون القدرات العقلية سليمة عند الأبناء، حيث لا تلاحظ هذه الفجوة في سنين الطفولة المبكرة وتبدأ في الملاحظة والاتساع مع تقدم الأبناء في العمر ففي سنين الطفولة المبكرة تكون القدرات العقلية للوالدين متشابهة أو قريبة جدا من القدرات العقلية للأبناء. أما في السنوات اللاحقة فمن المحتمل جدا أن يصبح الأبناء أكثر ذكاء من الوالدين وأكثر قدرة على التعلم. وهناك أمور وقضايا أخرى عند فئات المعاقين الأخرى مثل المصابين بإعاقة حركية أو إعاقة بصرية.

وتبرز دراسة اجتماعية بإدارة رعاية وتأهيل المعاقين قضية تزويج الأشخاص المعاقين من غير المعاقين. ويعلق ناظم فوزي أخصائي بعلم الإعاقة في وزارة الشؤون الاجتماعية قائلا بان القضية هنا تتعلق بإنجاب الأطفال وتربيتهم وتنشئهم، وتتعلق كذلك بقدرة الشريك غير المعاق على مساعدة الشريك المعاق في تلبية أمور حياته اليومية وفي تخطي الكثير من الصعوبات التي يواجهها الشريك المعاق فهدف الزواج هنا هو الرعاية والتكافل والتراحم بين الزوجين. وهنا تبرز قضايا كثيرة أهمها مفهوم الكفاءة في القدرات البدنية أو الحسية أو العقلية، وهناك تجارب ناجحة في هذا المجال يقابلها تجارب أخرى لم تنل حظها في النجاح.

النظرة الاجتماعية

ويقول ناظم فوزي إن المجتمعات تختلف فيما بينها في نظرتها لزواج الأشخاص ذوي الإعاقة، والأمر الملاحظ هنا أن معظم التشريعات والقوانين المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الدول الغربية قد نصت صراحة على حق الأشخاص المعاقين بالزواج وتكوين أسرة «القانون الأمريكي على سبيل المثال».

وهناك عدة اتجاهات في مجتمعاتنا العربية حول زواج الأشخاص ذوي الإعاقة، ويعتمد الأمر كثيرا على مستوى الوعي والتطور الذي وصل إليه المجتمع، فهناك مجتمعات تسود فيها النظرة الدونية للشخص المعاق وفي قدرته على تكوين أسرة وتنشئة الأطفال وتربيتهم. وبالمقابل هناك مجتمعات أكثر تطورا وبالتالي أكثر تقبلا لفكرة زواج الشخص المعاق. وبشكل عام هناك بعدان أساسيان في زواج الأشخاص ذوي الإعاقة الأول هو زواج المعاق من شريك غير معاق، والثاني هو زواج فئات محددة من المعاقين.

في البعد الأول نجد الكثير من التحفظ يسود المجتمعات العربية في هذا النوع من الزواج وفي أحسن الأحوال ليس من السهل على الشخص المعاق أن يجد شريكا من الأشخاص غير المعاقين وتلعب هنا عوامل وظروف أخرى غير الإعاقة دورا في الأمر مثل المستوى الاجتماعي والاقتصادي للشخص المعاق، فالشخص المعاق القادر ماليا يكون من الأسهل عليه الزواج من شريك غير معاق. والأمر نفسه عند الحديث عن المستوى أو الطبقة الاجتماعية.

وفي البعد الثاني وهو طبيعة الإعاقة والصعوبات التي يعاني منها الشخص المعاق أو الأمراض والعوارض الصحية التي تصاحب الإعاقة، حيث نجد أن الإعاقة التي لا تشمل انخفاض القدرات العقلية يكون من الأسهل معها إيجاد شريك مناسب سواء كان ذلك من داخل العائلة أو من خارجها.

والصعوبة هي في زواج الأشخاص المعاقين ذهنيا حيث أن الأهلية القانونية والكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية وإنشاء الأسرة وحمايتها ورعايتها والدفاع عن مصالحها يفتقدها الكثير من الأشخاص المعاقين ذهنيا أو هي موضع تساؤل، وبشكل عام نجد أن أصحاب الإعاقة العقلية البسيطة جدا أو البسيطة يكونون أكثر حظاً في الزواج وبشكل خاص عند توفر عوامل أخرى مثل المستوى الاقتصادي والاجتماعي الملائم. وفي هذا الإطار نشير إلى أن زواج بعض فئات المعاقين حركيا عندما يكون سبب الإعاقة إصابة الجزء الأسفل من العمود الفقري أكثر صعوبة من زواج الفئات الأخرى حيث «يصحب هذا النوع من الإصابات في العادة الإصابة بعجز جنسي وعدم القدرة على التحكم بالبول والإخراج».

ومن الضوابط أو القواعد التي تفرضها العادات وتقاليد المجتمع عند زواج المعاقين هي إطلاع الطرف الآخر على حالة ووضع الشخص المعاق وقدراته المختلفة ويعد إخفاء المعلومات في هذا المجال نوعا من الغش في الزواج الذي تمنعه التقاليد والأعراف السائدة في المجتمع ويحرمه الدين الإسلامي اشد تحريم. ومن الأعراف الأخرى هي عدم زواج الشخص المعاق الذي يتصف بالعدوانية أو السلوكيات الغريبة والعنيفة .

ويقول الخبير الاجتماعي ناظم فوزي بأن الكثير من الدراسات أجريت في السنوات الماضية على زيادة الوعي لدى الأشخاص المعاقين في حقهم بالزواج وتكوين أسرة ومطالبة الحكومات وصانعي القرار في الدول المختلفة في هذا الحق، ونجد ظاهرة العرس الجماعي للمعاقين قد انتشرت في بعض البلدان العربية وتعد دولة الإمارات من أوائل الدول العربية في توفير مثل هذا النوع من الأعراس ورعايتها وتشجيعها . وتوجد كذلك في بعض الدول العربية جمعيات خاصة مهمتها مساعدة الأشخاص المعاقين على الزواج سواء كان ذلك عبر المساعدة المالية أو المساعدة في إيجاد الشريك المناسب.

نصائح

وينصح ناظم فوزي بضرورة الأخذ بعدة أمور عند التطرق لزواج الأشخاص ذوي الإعاقة منها أنه من الخطأ التعميم بمسألة جواز زواج الأشخاص المعاقين أو عدم زواجهم حيث إن لكل حالة خصوصية تدرس أو تبحث على حدة بمعزل عن الحالات الأخرى. مع الاعتراف بحق جميع الأشخاص المعاقين ( من وجهة نظر اجتماعية ) في تحسين نوعية حياتهم. ولا يجب الخلط بين أنواع الإعاقة فهناك شخص معاق قادر على الزواج وهناك شخص معاق غير قادر على الزواج.

حتى في إطار الإعاقة العقلية هناك شخص معاق عقليا مدرك لجميع الأمور والمسائل المتعلقة بالزواج وهناك شخص غير مدرك. وان الحديث عن زواج الشخص المعاق يعني الحديث عن نوعية حياة، ومن حق الشخص المعاق أن يبحث عن تحسين نوعية حياته وعلى المجتمع مساعدته بذلك. وضرورة تطوير وعي أولياء الأمور والمجتمع الذي يعيش به الشخص المعاق فيما يتعلق بقضية زواج الأشخاص ذوي الإعاقة لأنها مسألة تراكمية وتحتاج إلى تضافر الكثير من الجهود من مؤسسات الدولة المختلفة ومن مؤسسات المجتمع المدني.

انترنت

هناك أكثر من خمسة مواقع على شبكة المعلومات العالمية «الانترنت» في اللغة العربية مهمتها مساعدة الأشخاص المعاقين على إيجاد الشريك المناسب.

استبيان

تقول إحدى الفتيات المعاقات «29 عاما» في إجابتها على استبيان يتعلق بزواج المعاقين «الزواج أضحى معضلة كبرى في صفوف الأسوياء، والمشكلة أكبر عند الأشخاص المعاقين، فقد أضحت نسبة العنوسة مرتفعة في مجتمعنا، ولا يمكن أن يقبل إنسان بمعاقة إلا إذا كان معاقا، هذه نظرتي للزواج، فلم أحلم يوما أنني سأتزوج، وإن حصل فسيكون من معاق». وفتاة أخرى تعاني من إعاقة حركية في أحد أطرافها السفلى تقول في إجابتها «يتقدم لخطبتي شباب، غير أن أسرة الخاطب ترفض وتستنكر هذا النوع من الزواج، وتقول لابنها: «هل النساء قليلات؟ ألم تجد سوى «عرجة» أو «عوجة»؟ ورغم ذلك فأنا دائما أؤمن بالقضاء والقدر».

تحقيق ـ عادل السنهوري

Email