دروس تاريخية قاسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدت المسألة فكرة جيدة آنذاك، فقد كان سجن "ميز لونغ كيش" في إيرلندا الشمالية، ساحة إضراب الجيش الجمهوري الإيرلندي المرير عن الطعام في ثمانينات القرن الماضي، مرادفاً للصراع في وقت سابق. إلا أنه في عام 2000، وفي أعقاب "اتفاق سلام بلفاست"، تم إغلاق السجن السابق الذي كان يتميز بأبنيته على هيئة حرف "H"، وذلك من أجل الصالح العام، وفي عام 2006 تم البدء في هدم معظم أقدم المباني.

وفي وقت مبكر هذا العام، أعلنت حكومة تقاسم السلطة في إيرلندا الشمالية، خططاً لتطوير الموقع. وحاليا، سيكون المكان الذي كان يحجز فيه المساجين فيما مضى، ساحةَ عرضٍ زراعية، ومركز سلام دولي. وسيتم استثمار حوالي 300 مليون جنيه إسترليني، وتوفير 5 آلاف وظيفة دائمة. وصرح الوزير الأول بيتر روبنسون خلال إبريل الماضي، بأن ذلك كان "نتيجةً رائعة".

هذا في وقت سابق، إلا أنه بعد أربعة أشهر فقط، ضغط روبنسون ذاته، فجأة، على مكابح جانب من موقع مركز السلام الضخم، يبلغ حجمه 350 فدانا، قائلا إن حزبه "الاتحادي الديمقراطي" لن يدعم المشروع بعد الآن. وتعود أسبابه إلى حقبة صراع إيرلندا الشمالية، وليس حقبة السلام الحالية، حيث تمت إثارة المخاوف بحماس، من قبل الأحزاب الوحدوية المنافسة، بأن حزب "شين فين" سيحاول تحويل مباني السجن التي نجت من الهدم، إلى مزار للجيش الجمهوري الايرلندي، الأمر الذي قوض قدرة الوزير الأول روبنسون على الوفاء بمشروع مركز السلام.

ويعتبر هذا تطوراً محبطاً للغاية، فالتعاون المجتمعي في إيرلندا الشمالية هو في الحقيقة مستقر، ومنظم بشكل جيد. وإقامة مركز للسلام على أرض السجن السابق، بوجود معرض دائم وحساس، أو من دونه، يعالج تاريخ المقاطعة المنقسم، من شأنه أن يكون جزءاً فعلياً ورمزيا لطمره بشكل أكبر، إلا أن ذلك لن يتم، لأن الموضوع حساس للغاية. وتعتبر الشكوك، التي يتم الترويج لبعضها بخبث، قوية جدا.

وهي بمثابة تصحيح ثانٍ، في عام يبعث على القلق من حيث الاعتقاد بأن انقسامات أولستر الطائفية قد اختفت بصورة سحرية، وبطريقة ما، من المشهد. لكن المشهد منتظم أيضا، وسيستغرق الأمر أجيالاً وقروناً، قبل التئام الجراح على نحو كافٍ، بحيث ان المجتمعات المتنافسة تشترك في سياق تاريخي. وسكان إيرلندا الشمالية لا يختلفون في اعتبار ذلك صعباً، وقد حظوا بوقت أقل كثيرا لاستيعاب الأمر.

لذلك فإن وجود شكوك أقل وتعاون أكثر، سيكون مرغوبا على نحو جلي، إلا أنه في هذا السياق، فإن الحقيقة المهمة ليست انقسامات إيرلندا الشمالية المستمرة، بل التقدم الذي لا يزال يتم إحرازه للحد منها.

 

Email