ليبيا والاختبار الصعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

مخاض كبير يجري في ليبيا يصعب التنبؤ بنهايته أو مصيره في ظل التحولات الجارية، فلقد خلق نظام الراحل معمر القذافي الظروف المثالية لسياسة التعصّب والعنف، ولذلك فإن الجروح القديمة لن تلتئم ولن تتغيّر العادات إلا بعناء ومشقة.

صراعات تجري قد تقود إلى مزيد من تفكك الدولة الليبية وتشرذم الليبيين، دون مسارات واضحة تحدد طبيعة الصراع ونتائجه، حيث إن المرحلة السابقة أسست لمنطق الميليشيات، التي لم تنته مهامها بانتهاء المواجهة مع النظام السابق، بل كرست لحالة جديدة يصبح فيها الوطن بأسره «غنيمة حرب».

والمسلحون الذين لا يكادون يتفقون على شيء، سيجعلون بناء نظام ديمقراطي أمراً صعباً على المدى المتوسط على الأقل.

ولا يكمن الخلل في الميليشيات بقدر ما يكمن في غياب إرادة سياسية لتطبيق القانون، لذلك حان الوقت لعقد حوار مع كل الفصائل وقادة الكتائب المتصارعة، والوصول إلى صيغة مشتركة لإنهاء الاقتتال الدائر وتجنيب البلد مزيداً من إراقة الدماء والإنهاك في حروب لا مبرر لها.

وعلى أبناء الشعب الذين قادوا الثورة ضد الاستبداد، الإصرار على إعادة بناء مؤسساتهم الجديدة التي تتناسب مع تضحياتهم وطموحاتهم في دولة متماسكة، تلتزم القانون والحريات، حيث لا تزال الفرصة قائمة أمام القوى المتصارعة لحقن الدماء ومراجعة حسابتها وتغليب المصلحة العامة لليبيا، على اعتبار ن استمرار الوضع على ما هو عليه سيزيد الأطماع الخارجية في هذا البلد الغني بالنفط.

الليبيون جميعاً أمام امتحان صعب، فإما أن يتمسكوا بمفهوم الدولة الوطنية التي تكون لكل مواطنيها، ويصطفوا للدفاع عن دولتهم المنشودة، وإما فسيغرقون في الفوضى وتتحول بلادهم إلى مرتع للخارجين على القانون، ولقد آن الأوان لإخراج بلد عمر المختار من الأجندات الأجنبية، ورفض أي تدخل خارجي يجعل البلاد رهينة لتلك الأجندات.

إذ لا يمتلك الليبيون بعد هذا الدمار الهائل، كثيراً من الوقت لإهداره في مشادات وخلافات لا طائل من ورائها، وتعيق الإسراع في توحيد الصفوف، وحشد طاقات الوطن نحو غد أفضل يكون أساسه المصالحة الوطنية وحماية الوطن.

Email