الفرص الضائعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير أحداث تاريخية إلى أن الحلول السياسية الجذرية لا يمكن أن تتحقق إلاّ بعد نزف الكثير من الدماء، بخاصة عندما تكون القوى المتصارعة مشحونة بأفكار وتوجهات متناقضة، وهو ما تشهده اليوم محافظة الأنبار في العراق من مسلسل الكر والفر ونزيف الدم المستمر من دون حسم للمعارك من أحد الأطراف، فيما يبقى المواطن يدفع ضريبة هذا الصراع بقتل مئات الأبرياء.

وما يثير القلق عدم قدرة القوات العراقية من مسك كامل الأرض، وإحراز الانتصار الذي يطمئن العراقيين وأهالي الأنبار الذين بلغ عدد النازحين منها قرابة نصف مليون نازح ناهيك عن الظروف المأساوية التي يعيشها من بقي في الأنبار بين أسير بيد المسلحين أو من آثر تحمل أعمال العنف وتعرض حياتهم للقتل بدل مأساة الهجرة ومرارتها.

وبات الشعب العراقي يدفع ثمناً غالياً نتيجة العمليات العسكرية، وكان من الممكن أن يخرج منها منتصراً، من خلال المبادرات الوطنية الجادة، التي تعتمد على هوية الوطن وعلى الحلول السياسية، التي تخدم مصالح الشعب.

إن استمرار فتيل أزمة الأنبار، دون أن تلوح في الأفق بوادر الحسم، ستكون معضلة حقيقية تهدد الجميع بالخراب الشامل، فما يجري من أحداث عنف لا يمكن فصله عن مجرى أحداث المنطقة وصراع المحاور، وهذا التشابك في الرؤى والمصالح لا يمكن تجاوزه إلا بإبراز الهوية الوطنية العراقية والترفع عن الانتماءات الضيقة ووضع مصلحة العراق فوق كل الاعتبارات بما يساهم في إنقاذ البلاد من شبح الحرب الأهلية.

ومادام أن العراق مقبل بعد أسبوعين على انتخابات تشريعية فعلى اللاعبين السياسيين الكبار وضع مبادئ رئيسة لصياغة برنامج سياسي يأتي بحل حاسم لأزمة الأنبار، وغيرها، بعد الانتخابات، بنحو يضمن عدم تكرار السيناريو ذاته في أي وقت مع الأخذ بالحسبان أن في أوقات العنف والأزمات التي تنطوي على مواجهات مسلحة، لا بد من العمل على إيجاد سبل لحصر أو كبح العنف الدموي، بدلاً من الانشغال بالتركيز على تحديد المسؤول عنه، ذلك أن الغاية في مثل هذا الوضع، تبرر الوسيلة.

Email