جغرافيا التقسيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

التقسيم كلمة غاية في القبح، وهي مكروهة دوماً عند الحديث عن الجغرافيا وعند الصراعات الأهلية أو الحروب التي يقتتل فيها أبناء البلد الواحد وتظهر السيناريوهات الخارجية التي تناوش بهذه الكلمة لعلها تجد صدى هنا أو هناك.

ما نسمعه اليوم وخاصة من منظري السياسات في العالم الذي يسمي نفسه حراً عن معادلات تقسيم لتلك الدولة أو هذا البلد وكأنه أمر محتوم وحلّ وحيد لا ثان له إنما يراد بها بالونات اختبار لقياس ردة الفعل تجاهها ومدى القبول أو الرفض لها في كل بلد مقصود بمعادلة التقسيم.

الغريب أن دعاوى التقسيم لم تظهر فقط عند الحديث عن العراق كما هي الحال في مخطط جو بايدن الشهير أو تصريحات الجنرال المتقاعد راي أوديرنو، بل إنها قد تكون خارطة طريق يتم العمل عليها وفق منظومة من الفوضى التي لم تكن يوماً ما خلاقة.

وبالتفصيل، فقد سمعنا وخلال الفترة الماضية القريبة أن تقسيم العراق مثلاً ربما يكون حلاً وحيداً للأوضاع في هذا البلد الذي تركته أميركا خراباً وفوضى لا نهاية لها حتى اليوم على الأقل، والغريب أن هذا الاقتراح جاء على لسان أحد المسؤولين العسكريين السابقين في الولايات المتحدة الذي كان هو الأقرب للعراق طوال 15 عاماً من الاحتلال وكان لديه كل الظروف الملائمة لتحويله إلى دولة ناجحة.

ثم سمعنا أيضاً دندنة تقسيم سوريا كحل سياسي يمنح النظام فرصة البقاء مقابل السيطرة الطائفية على بعض المناطق، لكن تعقيدات الوضع هناك قد لا تحسم ملف التقسيم في ظل سيطرة «داعش» على ثلثي أراضي العراق وسوريا معاً.

هناك حالة سابقة من التقسيم تمت ولكننا لا نستطيع الجزم أنها نجحت فعلاً وهي الحالة السودانية، لكن الأوضاع في الجنوب لا تبشر بأنها تسير إلى الاستقرار، حتى وأن قسمت على أساس طائفي، في ظل حالة الاحتراب بين أصدقاء الأمس.

في كل سيناريوهات التقسيم، سواء تلك التي حدثت أو التي لم تحدث بعد، يأتي الحل دوماً من الخارج ومن أناس يدعون «مبعوثين دوليين» والأمر لا يتم عن رضا واقتناع الجميع، لأن جغرافيا التقسيم غالباً ما ترتكز على منهج وأسس طائفية لا تحدث إلا في الدول الفاشلة التي تنخرها منظومة كاملة من الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

Email