هوية الرئيس

ت + ت - الحجم الطبيعي

منصب الرئاسة في أميركا مادة دسمة للبحث والتمحيص وكيل الاتهامات، وهذه سمة من سمات النظام السياسي القائم، غير أن هذا الأمر كان ربما مضاعفاً بالنسبة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي لاحقته منذ البداية حملة تشكيك بأصله وفصله، اتسمت بالسخافة والعنصرية المقززة بشأن إخفاء هويته الأصلية، وكان وراءها عدد من المتعصبين والمناهضين للسود وللإسلام.

لكن الانتقادات أخذت طابعاً مختلفاً أخيراً إثر اتهام المغني الإنجليزي موريسي في برنامج لاري كينغ، أوباما «بأنه أبيض من الداخل»، لامتناعه عن وقف أعمال القتل ضد السود الأميركيين في فيرغسون، وتغاضيه عن وحشية الشرطة.

والأمر المميز في اتهام موريسي أنه لا يطال أوباما في شخصه، ومسقط رأسه، وديانته عند الولادة، أو كون أمه بيضاء اللون، أو ترعرع في أسرة من الأميركيين البيض، أو أن أباه لم يكن من السود الذين خضعوا لنظام العبودية، بل أهمية الاتهام يكمن في انه يشير إلى انتماء أوباما الفكري وخياراته السياسية، في الوقوف إلى جانب الظالم ضد المظلوم، وهذه الهوية لا تقوم على أساس البيولوجيا.

ولأن العنصرية أطلت مجدداً في عهده، فقد طرح إرثه في مجال معالجة هذه الآفة، وهو كان يردد أن «العلاقات العرقية تحسنت بشكل كبير خلال حياتي وحياتكم»، فيما أعمال الشغب شكلت دليلاً ساطعاً على ظروف البؤس التي يعيشها السود الأميركيين في غيتوات بأوضاع محبطة للغاية.

وأوباما لم يكن يوما داعية حقوق مدنية، ولم يكن قادراً أصلاً على تحمل المخاطرة في لعب هذا الدور، وصعوده كان لتحسين صورة أميركا، لكن موضوع العرق لازمه، والأرجح أن العنصرية كانت وراء تصلب بعض الجمهوريين تجاهه، إذ كان القبول به له حدود.

واجه حدود سلطته أخيراً، وأعمال القتل في فيرغسون ستصبح إرثاً من ولايته، وعلى الرغم من تكراره بأن انتخابه مرتين خطوة رئيسة في مداواة جرح العنصرية، إلا أن عدم المساواة بين الأعراق تبقى مشكلة بنيوية في الاقتصاد. ومع إدراكه لذلك، انطلق في ولايته منقذاً وول ستريت والمصارف، ومهملاً معالجة قضايا العدالة الاجتماعية، ومخيباً آمال الكثيرين.

Email