عملية تسوية بائسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

القيادة الفلسطينية تقول إنها ترفض الدولة المؤقتة وتتمسك بحل الدولتين. الموقف الفلسطيني هذا صدر خلال الجلسات الافتتاحية لما يسمى المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأردن.

وإذا استكملنا قراءة الموقف وصولاً لمناشدة المجتمع الدولي الضغط على «إسرائيل» لإلزامها بالاستجابة لمتطلبات ما يسمى السلام العادل والشامل، نستطيع أن نجد إلى أي مدى هو مستنسخ من الخطاب السياسي لمنطق التسوية. منذ ربع قرن وعملية التفاوض تدور حول نفسها لدرجة انها داخت ودوِّختنا معها.

الجانب الفلسطيني يعيد إنتاج موقفه المنسجم مع الحد الأدنى لمحدِّداته التي وضعتها موازين القوى أكثر مما تعكس حداً أدنى لحقوق وطنية لشعب يعاني منذ سبعة وستين عاماً، إذ لا يجوز أن نغير في التكتيك الدبلوماسي العبثي حقيقة أن القضية الفلسطينية يؤرّخ لها بنكبة سنة 1948 ولم تبدأ باحتلال الضفة الفلسطينية وقطاع غزة وسيناء والجولان.

إذا كان الخطاب الفلسطيني ومعه العربي يعيد إنتاج نفسه ويراوح مكانه، فإن كيان الاحتلال يواصل مشروعه المشحون بالأيديولوجيا، وهذا هو الأخطر، بكل ما ينطوي على فعل الاحتلال من جرائم قتل واعتقال واستيطان وتهويد وطمس وفرض أمر واقع.

إذا تأملنا الإحصاءات والمعطيات المتعلقة بالاستيطان منذ النكبة وحتى الآن مروراً بربع قرن مفاوضات منذ محفل مدريد، فإننا سنجد أنفسنا نضع رؤوسنا بين كفوفنا متسائلين عن جدوى الحديث مع هذا الاحتلال الغاصب بلغة التفاوض في حين يتحدث هو بالسلاح والجرافات والحفارات.

أما الوقائع الأخطر فإنها تقول إن عمليات القتل والاعتقال والاستيطان بلغت خلال فترة المفاوضات أضعاف ما جرى تسجيله خلال ثلاثة وأربعين سنة بين النكبة سنة 1948 وانعقاد محفل مدريد للتسوية سنة 1991.

الأنكى والمؤسف حقاً أن الفلسطينيين يقدمون أنفسهم أمام هذه المخاطر بأشد الأوضاع بؤساً، حيث الانقسام يشق الشعب الفلسطيني عمودياً وأفقياً..

فيما يتبادل طرفا الانقسام الاتهامات والتخوين والتشكيك، وينخرط معهم كتاب ومنظرون في حفلات الردح الكتابي والفضائي، وكم هو مؤلم أن ينعكس هذا الواقع حتى على الأسرى في سجون الاحتلال، حيث يستنزف بعضهم عضلات ألسنتهم وحبر أقلامهم، ويوجِّهون حقدهم وتحريضهم، وأحياناً سمومهم، ضد أبناء جلدتهم، ليقف الاحتلال السجان متفرجاً ساخراً منا جميعاً.

Email