اليرموك المنسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلا شك أن أصوات المدافع وحجم المصائب في سوريا، أنست العالم مصائب أخرى تحدث بالتوازي أو تبعات أو هزات ارتدادية للزلزال السوري المستمر. ولعل أبرز هذه المصائب ما جرى ويجري في مخيم اليرموك، ورغم دعوات العالم لإيجاد ممر للمساعدات الإنسانية إلا أن الكارثة في القاموس الفلسطيني لم تتغير، وطائر النورس الفلسطيني المعروف بهجراته الدائمة لم يجد بعد أرضاً يمكن أن يعيش عليها كباقي البشر.

من بين 160 ألفاً هم سكان مخيم اليرموك قبل أحداث سوريا، بات عدد السكان اليوم 18 ألفاً، والمفارقة المضحكة المبكية أن هؤلاء هم الضعفاء الذين لم يستطيعوا الهرب وبقوا معرضين لخيارات عدة سيئة، أبرزها حصار إما من النظام وإما من تنظيم الدولة. وسواء انتهى القتال في مخيم اليرموك الفلسطيني أو استمر على حاله، فإن المشهد وحتى كتابة هذه السطور يبدو كارثياً على أكثر من صعيد سواء الأوضاع المعيشية أو الأمنية، حيث نيران البنادق تصوب إليهم من جميع الجهات، وحيث الاشتباكات متعددة الأطراف، والتي لا تعرف من يضرب من والضحية هو الفلسطيني دوماً.

وباءت كل المحاولات بالفشل لإبقاء المخيم على الحياد في صراع مستمر منذ أكثر من 4 سنوات، إذ القوم وكل القوم هناك يرفعون شعار من لم يكن معنا فهو ضدنا، ويبدو أن الجميع على ذاك الفلسطيني المحاصر منذ أكثر من 60 عاماً وهو مستمر في دفع فاتورة فلسطينيته.

وتحضر أخبار المخيم وتغيب وفقاً لمؤشر القتل هناك، رغم أن الحصار والقتل هو الثابت الوحيد حتى الآن، إضافة إلى الكافر الوحيد في المخيم وهو الجوع، وأما متغيرات الحرب فلن تكون أبداً في صالح من خانته قواه ولم يستطع الهرب أو المغادرة من ذلك المخيم.

الأمر الأكثر أهمية في ذلك هم أولئك البشر الذين عانوا سابقاً ومازالوا، من حصار وتجويع اضطر كثير منهم إلى تناول كل ما يؤكل وما لا يؤكل حتى لحوم القطط، وكأن المطلوب دوماً من الفلسطيني أن يكون إما تحت الاحتلال وإما الحصار وإما التجويع، فإن غابت إسرائيل حضرت قوات النظام السوري التي حاصرت قبل ذلك المخيم، أو تنظيم الدولة الذي وجد ضالته في مجاهدة المحاصرين هناك، حيث أقفلت أبواب الجهاد إلا في أطفال المخيم الجياع.

Email