نظرية الأواني المستطرقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

التطرف والإرهاب والعمالة للأجنبي والاحتجاجات العنيفة.. كلها ظواهر اجتماعية سالبة ومدمرة، تنشأ عادة من اليأس الناجم بدوره عن الفاقة والحاجة وكبت الأمل، ثم يضاف إلى ذلك الظلم الاجتماعي واستئثار شريحة محدودة من المجتمع بكل الثروة، على قلتها في البلدان الفقيرة.

واقع الحال في بؤر الخراب العربي يشفّ عن زعمنا هذا، ولكن الأهم من ثبوت صحة ما نقول هو أن الأمة العربية كيان واحد متضافر، ومهما اختلفت أنظمته السياسية فإن شعوب المنطقة المتلاحمة وجدانيا وثقافيا واجتماعيا لا يمكن عزلها عن بعضها بحد السيف ولا بسيف الحدود الجغرافية، فما يحدث هنا يلقي بظلاله ويتسرب إلى هناك لا محالة.

ولذلك فإن المناطق المضطربة أو التي تئن جراء الصراعات وشظف العيش تستطيع نقل أنينها ذاته إلى مناطق أخرى تعيش رغداً وهدوء بال، فيجد هذا الجزء المستقر نفسه مضطراً لدفع جزء من فاتورة الألم الناشئ في مكان آخر لا مفر.

لنتأمل مثلاً ما يجري في اليمن من فوضى وتطرف حوثي ناجم في الأصل عن فقر اليمن وتردي أوضاعه، بما دفع إلى الثورة التي أطاحت بصالح وفتحت التداعيات هناك الباب على مصراعيه أمام أطماع الحوثيين، واستقوائهم بإيران المنخرطة في إنبات أذرع أخطبوطية، ما تطلب اللجوء إلى موقف حازم، كان ضروريا وحتميا في الحقيقة، ولو كان اليمن ضمن منظومة دول مجلس التعاون من قبل لأمكن الإمساك بزمام الوضع منذ البداية، ولكان المواطن هناك أقل قابلية للانخراط فيما يسمى بالربيع العربي خلّاق الفوضى.

ولو كانت الأوضاع الاقتصادية في تونس على خير حال لما سمعنا بظاهرة هذا الربيع الفظيع من الأساس.

وحتى مصر لو كانت مسنودة بصندوق استثمار عربي به ربع ما خصص لها في شرم الشيخ أخيراً، لما اندفعت نحو حافة الانهيار الذي يعني الكثير بالنسبة للجميع. بل لو كانت «قوة الدفاع العربية» التي أضحت فرض عين اليوم، مفعلة وقائمة من زمان، لما فكرت القوى الإقليمية في الطمع والتسلل إلى حمى العرب وتهديد أمنهم الاستراتيجي.

يجب أن نستخلص الدروس من تجاربنا، ونعود إلى رشدنا القومي، مستذكرين نظرية الأواني المستطرقة.

تكلفة الحروب الدفاعية أعلى بكثير من تكلفة التنمية والتناغم الاقتصادي القومي الشامل. أتذكرون الحديث النبوي الشريف الذي يروي قصة القوم الذين استهموا على سفينة؟

Email