حمايتهم ملزمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أعقاب الحادث المأساوي الذي أودى بحياة 800 لاجئ كانوا يحاولون العبور من أفريقيا وبلدان عربية عبر البحر المتوسط، أطلق رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي عبارته الطنانة «إنها عبودية القرن الـ21»، وتبع ذلك حملة إعلامية ضد «تجارة الرقيق»، صوبت أصابع الاتهام إلى عصابات التهريب التي تقتات على مآسي الناس لتحقيق أرباح خيالية، فيما تم تجاهل الأسباب الحقيقية لهذه المأساة أو للأهوال التي تعرض لها هؤلاء الضحايا في بلدانهم، فانمحت بذلك الفوارق بين اللاجئ، والمهاجر، والرقيق، وتم وضع الجميع في سلة واحدة تحت مسمى «مهاجرون غير شرعيين»، ورفع الأوروبيون وفقاً لذلك مسؤوليتهم عن حمايتهم. لكن من الوجهة القانونية هناك فرق شاسع بين تلك الفئات الثلاث.

فالمهاجر يختار أن يستوطن بلاداً أخرى، بينما اللاجئ فإنه مجبر على الفرار لخوفه من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء، أو الرأي السياسي وفقاً لتعريف اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين، وكم ازداد عدد هؤلاء في منطقتنا التي تنهشها الحروب الأهلية هذه الأيام!

بالنسبة للأوروبيين، فإنه ما أن يعترف بهم كلاجئين تصبح حمايتهم ملزمة وفقاً للاتفاقية الدولية، ويحظر طردهم إلى أي بلد يعرضهم للاضطهاد، بل وتحدد الاتفاقية نوع المساعدات والحقوق الاجتماعية التي تحق لهم. كما أنها تقر بضرورة اقتسام أعباء اللاجئين بين الدول من خلال إعادة توطينهم.

قد يبدو الساسة الأوروبيون مشغولين بمصير ضحايا المراكب، لكنهم في الواقع مشغولون وبدرجة أكبر بتدمير الخيار الوحيد المتبقي أمامهم. والخطة التي خرج بها الاتحاد الأوروبي تدعو لتدمير سفن المهربين وإعادة اللاجئين إلى أوطانهم، وكانت قد بلغت الصفاقة ببعضهم حد المطالبة بعدم توسيع عمليات الإغاثة. لكن منظمات المجتمع المدني في أوروبا تحركت وحملت سياسة الهجرة الأوروبية مسؤولية الكارثة، وطالبت بإصدار تأشيرات لجوء، وجلب اللاجئين بأمان إلى شواطئ أوروبا.

وكي لا نحمل أقوال رئيس وزراء إيطاليا أبعاداً أوسع، وهو قد يكون بين الأقل تشدداً بين أقرانه، نؤكد أن القضية قضية لاجئين لا رقيق، ولحل مشكلة التهريب، فإنه ينبغي أن تلتزم الدول الأوروبية بالاتفاقيات الدولية وتستقبل المزيد من اللاجئين على أراضيها. ولمعرفة ما يهددهم، يكفي النظر إلى ما ارتكبه تنظيم «داعش» على الضفة المقابلة من البحر المتوسط في اليوم نفسه.

Email