الإعلام يخدم داعش

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذي يحلل المضمون في أغلب وسائل الإعلام العربية، مكتوبة أم متلفزة، يجد، مع الأسف الشديد، غياباً لكيمياء المعالجات، والإعلام العربي عموماً يتحول إلى وزير إعلام متنقل وجوال يخدم داعش من حيث لا يريد ولا يحتسب.

كيمياء المعالجة بحاجة إلى خبراء أذكياء، ولأن الإعلام العربي يشتغل تحت الضغط والملاحقة، يصاب باللهاث، ولا يميز كثيراً في ما يبثه من أفكار، وهو في عز التنديد بداعش، يعملق التنظيم في عيون عامة الناس، ويترك أثراً نفسياً وباطنياً خطراً، يؤدي على المدى المتوسط والبعيد إلى الإعجاب بهذا الإرهاب والافتتان به.

دعونا نضرب مثلاً، وهناك مئات الأمثلة التي تتسرب يومياً إلى العقل الباطني للمتلقين، فمثلاً يتم نشر قصة صحفية عن جرائم داعش، وفي جزء من المعالجة يقرأ القارئ أن الجيش العراقي مثلاً فر من أمام التنظيم، وفي فقرة أخرى يتم الحديث عن تسليح الجيش العراقي وكلفة التسليح بالمليارات.

ويتم نشر صورة مع التقرير الصحفي نفسه لمقاتلي داعش يحملون مجرد رشاشات، وفوقهم رايات تحمل «لا إله إلا الله»، والعقل الباطني هنا يشعر بغضب من جريمة التنظيم في البداية، غير أن الغضب ينقلب إلى إعجاب أسِّس على وعي مزيف، فيقول المرء بينه وبين نفسه: إن راية «لا إله إلا الله» لا يمكن هزيمتها، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة.

ودليل ذلك أن حفنة مقاتلين هزموا جيشاً، وفتحوا مدينة، ووجوه المقاتلين تدل على أنهم ربانيون، لكون من اختار الصورة ومدخلات الخبر لم يميز كثيراً في كيمياء الخبر السرية، ويريد إنهاء وظيفته سريعاً والعودة إلى عائلته.

كارثة هي بحق، تمتد إلى اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة والإعلام المكتوب، لأن العالم العربي لا يريد أن يتواضع قليلاً، ويستشير من عنده خبرة مثلاً في الصياغات العميقة وتأثيرها في الوعي الجمعي، بل على العكس الكل يدعي أنه يفهم في هذه المهنة، والكل يتورط في أسر وسائل الإعلام العربي، في شباك داعش، وتحويله إلى خادم من حيث لا يحتسب.

كل المحاذير والتحوطات التي يقوم بها الإعلام العربي أيضاً، للتخفيف من جاذبية التنظيم أيضاً، لا تؤدي إلى نتيجة، لأنها تحوطات شكلية لا تراعي المضمون ولا علاقة المضمون بالصورة، ولا علاقة المضمون والصورة، بالطريقة التي يفكر بها العقل الجمعي العربي.

هذه إشارة تحذير، لعل هناك من يسمع.

Email