دور أوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما انطلقت وحدة أوروبا الفعلية في تسعينيات القرن الماضي وتوجتها بعملتها الموحدة وإلغاء الحواجز الجغرافية، نظر العالم أو على الأقل سكان المنطقة العربية الى هذا المشروع بتفاؤل على أمل أن يكون هذا الكيان الاقتصادي والسياسي العملاق موازياً لعملاق آخر على ضفة الأطلسي الأخرى وهي الولايات المتحدة.

وعندما نقول موازياً فالحديث هنا ليس فقط عن الجانب الاقتصادي، وإنما السياسي، وتحديداً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحقوق العربية بشكل عام، والتي فرضت عليها الولايات المتحدة حظراً منذ أكثر منة 60 عاماً لصالح الكيان المحتل في فلسطين.

لكن تطورات الأوضاع بعد ذلك كشفت أن أوروبا بقيت وما زالت خلف الولايات المتحدة التي عملت طوال تلك السنوات على تقزيم أوروبا سياسياً، وتجلى ذلك في أزمة يوغسلافيا السابقة التي عجزت أوروبا عن حماية المدنيين هناك، وخاصة تلك المجازر التي تعرض لها سكان البوسنة والهرسك ولم ينقذهم سوى ضربات أميركا الجوية في درس بليغ للقارة العجوز وقدراتها السياسية التي واجهت أصعب امتحاناتها. ويبدو أن الولايات المتحدة تأخرت كثيرا قبل أن تبادر إلى تلك الضربات التي أجبرت الصرب على القبول بشروط المجتمع الدولي آنذاك، وكان هدف الولايات المتحدة من ذلك هو إظهار العجز الأوروبي أمام التحديات الجيوسياسية حتى تلك التي تحدث داخل أوروبا فما بالك بخارجها.

الولايات المتحدة كانت ولا تزال تسمح لأوروبا بدور دافع الشيكات فقط، أي الجوانب الاقتصادية، ويبدو أن القارة الأوروبية اكتفت بهذا الدور ولم تنجح في كبح الولايات المتحدة سياسياً، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث لم يشذ الموقف الأوروبي الرسمي عن موقف الولايات المتحدة باستثناء تلك المحاولات البرلمانية التي بقيت دون أي تأثير يذكر على أرض الواقع، ولم يبد من أوروبا أي موقف تجاه سياسات نتانياهو الأخيرة رغم بعض المحاولات الخجولة هنا وهناك.

القارة الأوروبية ورغم أنها تشكل أكبر اقتصاد في العالم، ولديها عوامل ضغط كبيرة إلا أن إرادتها السياسية ما زالت مقيدة، ربما بسبب المواقف السياسية المتباينة التي ظهرت عندما قامت أميركا بغزو العراق في 2003، وأيدتها بريطانيا وبعض الدول، وعارضتها ألمانيا لكن دون أن تؤثر على خطط الولايات المتحدة. السنوات المقبلة قد تشهد تغيرات على صعيد القوة السياسية الأوروبية في ظل تعاظم الدور الألماني داخل القارة الأوروبي.

 

Email