غرفة رقم «4»

ت + ت - الحجم الطبيعي

غربي مدينة القدس، وفي مركز توقيف المسكوبية، تقبع غرفة، أطلق عليها الإسرائيليون اسم غرفة رقم «4». للأسماء مدلولاتها. وعند الإسرائيليين للأرقام مدلولات خاصة جداً، أو هكذا يريدونها، فالهدف من الغرفة بالمختصر، أن يدخلها الفلسطيني تحت شتى الذرائع، وإن غادرها فيريدونه أن يترك وراءه قدراً من كرامته.

في مشروع فني مقاوم، يسلط الضوء على ما يدور داخل هذه الغرفة، ويسوق الدليل على ما ذكر آنفاً، يلفت مركز مدى سلوان الإبداعي، الأنظار إلى ما جاء على لسان أحد المحققين الإسرائيليين، مخاطباً طفلاً في الرابعة عشرة من عمره، قائلاً: «بتعرف ليش بنسميها غرفة رقم 4؟ عشان لما ننهي معاكم التحقيق يا عرب، راح تطلعوا من الغرفة زحف زي الأطفال».

إحدى أهم أولويات غرفة التحقيق ترتبط بالأطفال، فتدنيس البراءة جزء أساسي من عمل المحققين هناك، لكن أي جرم قد يقترفه الطفل مثلاً حتى يساق إلى التحقيق منتصف الليل مكبلاً بالأغلال، معصوب العينين؟ يروي هؤلاء الأطفال حكايات يدونها مركز سلوان تحت فهرس يضم الآتي: لا حمام لا طعام ولا ماء، شتائم وضغط نفسي، اعتقالات ليليلة، التوقيع على أوراق التحقيق المكتوبة باللغة العبرية، التحقيق بدون وجود الوالدين، طلب كفالات مالية، محاولة تجنيد عبر الإغراء بالمال، تفتيش كامل الجسد، عنف جسدي، والقائمة تطول.

ومن شهاداتهم المسجلة، يقول أحدهم: «طلبوا مني خلع ملابسي لتفتيشي.. رفضت بداية، فتم ضربي بالمسدس الكهربائي على مناطق عدة في جسدي، وفي النهاية استسلمت وخلعت ملابسي»، يضيف آخر: «أجبروني على الجلوس أرضاً وأنا مكبل اليدين للخلف، وحضر المحقق ووضع طرف الكرسي على ذقني، وقال اعترف ماذا فعلت.. وأنا بدأت بالبكاء»، وتطول هذه الشهادات أيضاً.

الاعتقالات مسألة اعتيادية في فلسطين، غير أن لها أبعاداً عميقة عندما ترتبط بالأطفال، فالضغط النفسي الدائم على العائلات الفلسطينية، يمثل جانباً واحداً يكفي لتعكير صفو الحياة، وبالنسبة للتعليم مثلاً، يشكل انتهاك حق الطفل بالحصول عليه جانباً مهماً آخر، فما يقاسيه كافٍ بحسب الدراسة التي أجريت في هذا الشأن، لحمله على ترك المدرسة بعد اعتقاله.

اعتقال الأطفال جريمة بلا شك، إلا أن أسر الطفولة وتكبيلها، أو محوها من عمر الفلسطيني، تبدو الجريمة الأكبر.

 

Email