حروب غير مقدسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذي خسره العرب في حروبهم غير المقدسة، على مستوى الإنسان والمال، يفوق ربما خسائر الحربين العالميتين الأولى والثانية.

ليس من باب المبالغة، ولو عدنا إلى عدد العرب الذين قتلوا في حروب داخلية، أو حروب الجوار، أو في الصراعات الأهلية، أو جراء المرض والأوبئة او ظلم الانظمة، خلال المئة عام الأخيرة، لوجدنا الرقم مذهلًا، وكل هؤلاء رحلوا دون سبب مقدس، فدولة عربية مشرقية يجرح فيها سنوياً جراء حوادث السير أكثر من ثمانية عشر ألفاً، والذين لا يموتون بالحروب، يموتون أو يجرحون في حوادث السير.

الكارثة ذاتها تنطبق على المال، والموارد من شتى أنواعها، والذين ُيقدرون خسائر الربيع العربي، مثلاً، يجدونها وصلت إلى مئات المليارات، على صعيد تخريب البنية التحتية، وتدمير المصانع، والتجارة والاقتصاد والسياحة، والأمر ذاته ينسحب على آلاف المليارات التي تم هدرها في تغذية الحروب، أو الإنفاق عليها، ومحرقة المال، هنا لا تختلف عن محرقة البشر.

لو كانت هذه الخسائر كلها، على صعيد الإنسان والمال، معنونة بحروب مقدسة، بما تعنيه كلمة مقدسة هنا، مثل الحرب على الاحتلالات، لفهمنا الأمر جيداً، ولتحولت الخسائر إلى أرباح، لكنها بحق حروب تحرق الأخضر واليابس، دون سبب مفهوم، ودون نتيجة دنيوية، أو اخروية.

ولأن الحبل على الجرار، فالمتوقع أن تستمر هذه المآسي، وفيما يبدو مؤلماً جداً أن يهلل العربي لأغلب هذه المهالك، وهو لا يعرف أن تراكمها يعني إفناء هذه المنطقة على الصعيد الإنساني وعلى صعيد الموارد.

 حين كان يقال إن الاستثمار في الإنسان وتنمية حياته وتجنب الصراعات والشعارات، وهذه المهالك، خير بكثير من التورط في هذه المزالق، كان يقال إن هذه مجرد مهارب نحو الرفاه وعدم الشراكة، أو أنها تعكس رغبة بإدارة الظهر لقضايا الأمة ومشاكلها.

وقد ثبت أن كل هذه الحروب غير المقدسة التي تورط فيها البعض، أدت إلى خسارة كل شيء، فلم تحقق نتيجة، وأهلكت الإنسان والموارد في الوقت ذاته، وخرجت تلك الدول صفر اليدين.

خلاصة الكلام، إن على العرب مراجعة مكانهم تحت الشمس، إذ ليس معقولاً أن يموت الناس فقط، إما بوباء، أو فقر، أو حادث سير، أو في حروب بين الإخوة، ومعهم دمار شامل لكل الموارد والبنى الاقتصادية، ولنسأل لحظتها عن المستقبل الذي ينتظرنا ما دمنا بالطريقة ذاتها!.

Email